207

Разрушение границ

كسر الحدود

Жанры

إن آفاق المعرفة تتسع أكثر وأكثر، ونقترب من الحقيقة أكثر وأكثر عبر قانون الاحتمال والشك.

قد تبدو هذه الأفكار العلمية الجديدة غير مفهومة أو غير مقبولة لعقولنا، تعودت عقولنا منذ الطفولة على كل ما هو يقيني، تربينا على أن نرث الأفكار كما هي، لا نملك الشجاعة على أن نشك فيها؛ لهذا عجزنا عن الاجتهاد والتجريد والإبداع، سبقنا الآخرون الأكثر شجاعة إلى الاكتشافات العلمية، أصبحنا مجرد مستهلكين لما ينتجون من أدوات حديثة، ومنها الكمبيوتر والإنترنت، لا نكاد نعرف إلا القليل عن الثورة الإلكترونية الأخيرة، نرفل في خمول الكسل اللذيذ داخل اليقين الثابت غير المتغير.

القاهرة 1998

مفهوم الوطن والحب في عيد الأم

كان ذلك منذ عشر أعوام، (بالضبط يوم 21 مارس 1989).

وجاءتني فتاة في الخامسة والعشرين من عمرها من قلب الصعيد، من قرية بالقرب من أسوان، قالت لي: أريد أن أتكلم معك، أريد منك أن تكوني أمي، وقد هربت من أبي وأمي في الصعيد، حملت حقيبتي في الليل، وركبت القطار، وجئت إلى القاهرة لأتكلم معك، وأنا تخرجت في الجامعة في كلية الآداب قسم الفلسفة، قرأت كتبا كثيرة، وانفتح عقلي على أشياء كثيرة جديدة، ولم تعد لي حياة داخل أسرة تعيش في القرن التاسع عشر، وتؤمن بوجود الجن والعفاريت، وأن المرأة نصف الرجل واجبها الطاعة، وظيفتها الأساسية في الحياة الزواج وولادة الأطفال وأعمال البيت، حتى أخي الأكبر الذي تخرج في الجامعة وحصل على الدكتوراه فرض على زوجته أن تتفرغ للزواج والأمومة، ويقول لها: الأمومة عطاء وتضحية بلا مقابل مثل حب الوطن، فالوطنية هي العطاء والتضحية بلا مقابل مثل الأمومة.

كانت الفتاة تنتفض وهي جالسة، جاءتني من محطة القطار مباشرة، ليس لها أقارب في القاهرة، بشرتها سمراء شاحبة، وجهها نحيف، عيناها سوداوتان مملوءتان بريقا، ذكرتني بنفسي حين كنت في أول الشباب والعائلة من حولي متجمعة، العمات والخالات والأعمام والأخوال وأبناؤهم وبناتهم وجيرانهم، والجميع يهتفون في نفس واحد: الزواج مصير البنت، والأمومة هي الدور الأسمى للمرأة، وإذا تعارض الزواج مع طموحك الشخصي في الطب والأدب فاختاري الزواج والأمومة، لأن المرأة التي لا تكون زوجة ولا تلد أطفالا فهي امرأة عقيمة كالشجرة بلا ثمار.

وسمعت الفتاة تقول: لا أريد أن أتزوج، ولا أريد أن ألد أطفالا! إن العالم مليء بالأطفال الجوعى المشردين! فهل أضيف إليهم أطفالا آخرين؟ رأيتهم راقدين على الرصيف في محطة القطار، أطفال صغار بلا آباء ولا أمهات ولا عائلات ولا بيوت ولا مأوى إلا الشارع ورصيف المحطة، أحد الأطفال اقترب مني وأنا أهبط من القطار، عمره لا يزيد عن سبع سنوات، يرتدي جلبابا ممزقا، يرتعد تحت ضربات الهواء الصاقع، وأنا متدثرة بالبالطو الصوف وتحت البالطو بلوفر صوفي، قدماه حافيتان، وأنا أرتدي حذاء جيدا متينا وجوربا من الصوف، كان الطفل يقترب مني ويمد لي يده ينشج بصوت مبحوح: «حسنة يا سيدتي» قلت لنفسي: «هذا الطفل يشبه طفلي أحوطه بذراعي وآخذه إلى بيتي.»

قلت للفتاة: «تأخذيه إلى بيتك؟»

قالت: ليس عندي بيت في القاهرة، ولكني أحمل شهادة جامعية، ويمكن أن أشتغل وأفتح بيتا، ويصبح هذا الطفل هو طفلي، إنه يشبه طفلي، عيناه بالضبط هما عيناي مملوءتان بالبريق والدموع.

Неизвестная страница