المخنَّثين؛ ومن ثَمَّ قال القرطبي فِي جواب ذلك: إنَّ هذا من التمويهات والترَّهات التي لا تتمشَّى على العوام، فضلًا عن ذوي الأفهام؛ ووجه تمويهه أنهم إنْ أرادوا بالوزن مطابقة الحركات الحسيَّة لحركات الغناء فهو باطلٌ، أو مطابقتها للميزان الشرعي فمُسلَّم، لكنْ تلك الميزان تمنَع من حُضور الغناء المطرب وسماعه؛ لأنَّه يمنع من المكروه والمحرَّم؛ وقد بينَّا أنَّ الغناء المطرِب وسماعه حَرام ولهو وباطلٌ، ثم يلزَمهم أنَّ أصفى الناس قُلوبًا أحسنهم رَقصًا، وأنَّ مَن لا يحسنه كالصحابة والأئمَّة بعدهم يكونوا بخلاف ذلك، وهذه زلاَّت لا يتدارك قُبحها ولا يَتناهى إثمها، وأطال فِي بَيانها وفي التَّشنيع على أولئك الأغبياء المتمسِّكين بما آلَ بهم إلى أعظم الزَّلَل وأقبح الخطأ والخطَل.
وتمسَّكوا أيضًا بأنَّ مَن فعلوا الرقص حالةَ السماع ظهَرتْ عليهم الكرامات حينئذٍ، فهو دليلٌ على حقيقة ما هم عليه؟
وجوابه: أنَّ أكثر حِكاياتهم خُرافات لا حقيقةَ لها، ولو سلمت فالحجَّة فِي كتاب الله - تعالى - وسنة رسولٍه واتِّباع سبيل المؤمنين من الصَّحابة ومن بعدهم من المجتهدين، وما ظهر على أولئك حالة الرقص إنْ صحَّ إمَّا حِيَلٌ أو فِتَنٌ كفِتَنِ الدجَّال فلا يغترَّ بها؛ لما هو مُقرَّر عند أئمَّة الشرع أنَّ مَن ظهر عليه خارقٌ إنْ وافقت أحواله الشريعة أصولها وفُروعها فهي الكرامة، وإلاَّ فهي استِدراجٌ، وصاحبها إمَّا مفتونٌ أو زنديقٌ؛ ومن ثَمَّ قال الجنيد: لو رأيتم الرجل يمشي على الماء أو فِي الهواء فلا تغترُّوا به حتى تَنظُروا حالَه عند الأمر والنهي، وقد سمع الشبلي برجلٍ اشتَهَر بالولاية، فمشى إليه فِي أصحابه،
1 / 60