والجواب: أنَّ هذا الحديث لا يتناوَل محلَّ النزاع؛ فإنَّ ذلك لم يكن من الحبشة رقصًا على غِناء، ولا ضربًا بالأقدام، ولا إشارة بأكمام، بل كان لعبًا بالسلاح، وتأهُّبًا للكفاح؛ تدريبًا على استعمال السلاح فِي الحرب، وتمرينًا على الكرِّ والفرِّ والطَّعن والضَّرب، وإذا كان هذا هو الشَّأن فأين أفعال المخانيث والمخنَّثين من أفعال الأبطال والشُّجعان؟!
وأمَّا إباحة النظَر إليهم فلأنَّه لم يكنْ بحضرتهم منكرٌ يُغيَّر، ولا عورة تظهَر، وتمسَّكوا أيضًا بأنَّه ﷺ قال لعلي: «أنت منِّي وأنا منك» فحجل، وقال لزيدٍ: «أنت أخونا ومولانا» فحجل، وكذلك حجل جعفر لَمَّا وصَّى له في بنت حمزة حين خاصَمَه فيها عليٌّ وزيدٌ» (١)، والحجل: مشي المقيَّد، وهو وثْب واهتزاز وهو الرقص؛ والجواب: أنَّ هذه كلها أحاديث مُنكَرة وألفاظ موضوعة مزوَّرة، ولو سلمت صحَّتها لم يتحقَّق حجَّتها؛ أي: لأنَّ المحرَّم هو الرقص الذي فيه تثنٍّ وتكسُّر، وهذا ليس كذلك.
وبما تقرَّر فِي هذا والذي قبلَه يُعلَم خطأ صاحب ذلك الكتاب فِي نقْله الاحتجاجَ على إباحة الرقص بحديث رقص الحبشة فِي [ز١/ ١٣/أ] المسجد، وبأنَّ عليًّا وجعفرًا وزيدًا حجلوا لَمَّا بشَّرهم النبي ﷺ ووجْه خطَئِه ما تقرَّر أنَّ رقْص الحبشة لم يكنْ من الرقص المُختَلف فيه، وأنَّ ما ذُكِرَ عن هؤلاء الثلاثة - رضوان الله عليهم أجمعين - كذبٌ مختلق لا تحلُّ روايته ولا الاحتجاج به، إذا تقرَّر أنَّ فعل الحبشة ليس من
_________
(١) أخرجه أحمد (١/ ١٠٨)، والبزار (٢/ ٣١٦)، والبيهقي (٨/ ٦)، والضياء في "المختارة" (٧٧٨) وقال العراقي في "تخريج أحاديث الإحياء" (١/ ٥٧٩): أخرجه أبو داود من حديث علي بإسناد حسن، وهو عند البخاري دون "فحجل".
1 / 56