قال: الخطر، الخطر، الخطر الذي نتقبله راضين متخففين، الخطر تقاسمه صديقا، أو مجموعة أصدقاء، تقاسمه شعوريا، وبأقصى حدود الوعي حتى يصبح الاقتسام والخطر يوجا. صديقان يربطهما حبل في جبهة صخرية، وأحيانا ثلاثة أصدقاء أو أربعة، كل منهم على وعي تام بعضلاته المشدودة، وبمهارته، ومخاوفه، وروحه التي يجاوز بها حدود الخوف، وكل منهم - بطبيعة الحال - على وعي في نفس الوقت بالآخرين جميعا، مهتم بهم، يفعل الصواب لكي يطمئن على سلامتهم. الحياة في قمة توترها البدني والعقلي، الحياة الأوفر، والأعلى بدرجة لا تقدر بسبب خطر الموت الماثل في كل حين. ولكن بعد يوجا الخطر هناك يوجا الذروة، يوجا الراحة والاسترخاء، يوجا التقبل الكامل الشامل، اليوجا التي تكمن في القبول الشعوري لما يعطى كما يعطى ، دون رقابة من أحكام العقل الخلقية، العقل المشغول بشيء آخر، وبغير إضافة مما جمعه الإنسان من أفكار مبتذلة وما جمعه بصورة أضخم من أوهام التمني، ما عليك إلا أن تجلس بعضلات مرتخية وعقل متفتح لضوء الشمس وللسحب، متفتح للبعيد وللأفق، متفتح في النهاية لذلك الشيء الذي ليس بالفكر والذي لا شكل له ولا يعبر عنه بالكلمات. هذا الشيء الذي يسمح لك سكون القمة بأن تبلغ به المقدس والعميق والدائم في غضون تيار اللغو الذي يسبح فيه التفكير اليومي المعتاد. - والآن حان الوقت للهبوط، لدورة أخرى من يوجا الخطر، حان الوقت لتجديد التوتر والوعي بالحياة في كمالها المشرق وأنتم تتعلقون بحافة الهاوية مخاطرين بأنفسكم. وعند سفح التل المرتفع تفكون الوثاق، وتخطون فوق الممرات الصخرية صوب الأشجار الأولى. وبغتة تجدون أنفسكم في الغابة، حيث ينتظركم نوع آخر من اليوجا، يوجا الغابة، وهي اليوجا التي تتصف بكونكم على وعي تام بالحياة عند حافتها، حياة الغابة بكل ما فيها من ازدهار وعفن، وفساد يزحف، بكل ما فيها من نبات السحلبية وأمهات الأربع والأربعين، وطفيليات وطيور مغردة، وما يشرب الرحيق الإلهي وما يشرب الدماء. الحياة التي تخرج النظام من الفوضى والقبح، الحياة التي تؤدي معجزة الميلاد والنمو، تؤديهما - فيما يبدو - لغير ما سبب غير أن تدمر نفسها، الجمال والفزع، ومرة أخرى أقول الجمال والفزع. وبغتة وأنتم قافلون من إحدى رحلاتكم بالجبال، بغتة تعلمون أن هناك توافقا، بل اندماجا، وهوية واحدة. الجمال يتحد مع الفزع في يوجا الغابة، والحياة في وفاق مع الموت المستمر القريب في يوجا الخطر، الفراغ يتطابق مع الأنانية في يوجا العطلة الدينية التي فوق الذروة.
2
وساد الصمت، وتثاءب موروجان بصورة تلفت النظر، وأشعل الكاهن العجوز عودا آخر من البخور، ولوح به - وهو يتمتم - أمام الراقصة، ولوح به مرة أخرى حول شيفا وإلهه وهما يمارسان حبا كأعمق ما يكون الحب.
قال فيجايا: تنفسوا بعمق، والتفتوا وأنتم تتنفسون إلى رائحة هذا البخور، وأعيروها كل انتباهكم، واعرفوها على حقيقتها؛ إنها حقيقة يعجز عنها التعبير بالكلمات ، ويعجز عن إدراكها العقل والإيضاح، اعرفوها في خامتها، واعرفوها كلغز من الألغاز. البخور الذي تتنفسونه حقيقة لا تفسر، وكذلك تماس بشرة ببشرة، والحب المحسوس، وفوق كل شيء لغز الألغاز، الواحد في تعدده، والفراغ الذي هو كل شيء، وباطن الأشياء الموجود بكليته في كل مظهر. وفي كل نقطة وكل لحظة؛ لذلك أرجو أن تتنفسوا وتتنفسوا. وختم كلامه وهو يجلس قائلا: تنفسوا.
وتمتم الكاهن العجوز منتشيا قائلا: شيفاياناما.
ونهض الدكتور روبرت واتجه نحو المذبح، ثم توقف، وعاد إلى مكانه وأشار إلى ويل فارنبي.
قال في همس عندما أدركه ويل: تعال واجلس معي، إنني أحب أن أرى وجوههم. - ربما اعترض رؤيتك.
هز الدكتور روبرت رأسه، وتقدما معا، واعتليا المذبح. ولما بلغا ثلاثة أرباع السلم الصاعد إليه، جلسا جنبا إلى جنب في شبه الظل بين الظلام وضوء المصابيح. وفي هدوء شديد بدأ الدكتور روبرت يتحدث عن شيفا ناتاراجا، عن سيد الرقص. قال: انظر إلى هذا التمثال، انظر إليه بالعينين الجديدتين اللتين أعطاكهما عقار الموكشا. انظر إليه كيف يتنفس وكيف ينبض، كيف يخرج من ضياء إلى ضياء أشد توهجا. إنه يرقص خلال الزمان وبعد الزمان، يرقص إلى الأبد وفي اللحظة الخالدة. إنه يرقص ويرقص في جميع العوالم في وقت واحد. انظر إليه.
وتمعن ويل في تلك الأوجه الشامخة إلى أعلى، يحدق مرة في هذا الوجه ومرة أخرى في ذلك الوجه فيرى ضياء البهجة والمعرفة والفهم، ضياء مشرقا، يرى علامات التعجب التي يحسها المرء أثناء الصلاة، تلك العلامات التي ترتجف عند حافة النشوة أو حافة الفزع.
وألح عليه الدكتور روبرت أن يزيد من تمعنه. وبعد برهة طويلة من الصمت أعاد قوله: إنه يرقص في جميع العوالم في وقت واحد. إي والله في جميع العوالم؛ أولا في عالم المادة. انظر إلى الهالة المستديرة الكبرى، التي تحف بها رموز النار، والتي يرقص الرب في داخلها. إنها تمثل الطبيعة، تمثل عالم الكتلة والطاقة. في داخلها يرقص شيفا ناتاراجا رقصة الصيرورة التي لا تنتهي، رقصة الموت. إنها «ليلاه» أو لعبته الكونية. إنه يلعب من أجل اللعب، كالطفل. ولكن هذا الطفل هو ناموس الأشياء، لعبه هي مجموعات الكواكب، وملعبه هو الفضاء الذي لا نهاية له، وبين الإصبع والإصبع فترة مداها ألف مليون سنة ضوئية. انظر إليه هناك فوق المذبح. التمثال من صنع الإنسان، بدعة صغيرة من النحاس لا يتجاوز ارتفاعها أربع أقدام. ولكن شيفا ناتاراجا يملأ الكون، هو الكون. أغمض عينيك وانظر إليه سامقا في ظلام الليل، وتابع تلك الأذرع الممتدة امتدادا ليس له غاية، وذلك الشعر الحوشي يتطاير إلى ما لا نهاية. - ناتاراجا وهو يلعب بين النجوم وفي الذرات. ثم أضاف: ولكنه يلعب كذلك داخل كل شيء حي، وكل مخلوق حساس، وكل طفل وكل رجل وكل امرأة. اللعب من أجل اللعب. ولكن الملعب الآن هو الشعور، وصالة الرقص بوسعها أن تحتمل. هذا اللعب بغير هدف يبدو - بالنسبة لنا - نوعا من الإهانة. وما نريده فعلا هو «الله» الذي لا يحطم خلقه أبدا. وإذا كان لا بد من الألم والموت فليقم على توزيعها إله الحق، الذي يعاقب المسيء ويكافئ الطيب بالسعادة الأبدية. أما في الواقع فالطيب يصيبه الأذى، والبريء يكابد ويعاني. ثم ليكن هناك إله يعطف علينا ويطمئن قلوبنا. ولكن ناتاراجا لا يفعل شيئا غير الرقص. لعبه يتنزه عن الموت أو الحياة، ويتنزه عن كل عمل خبيث وكل عمل طيب. بين يديه اليمنيين يرفع الطبلة التي تستدعي الوجود من اللاوجود. دقة للخلق وليقظة الكون. ثم انظر إلى أعلى يديه اليسريين. إنه يلوح بهما نارا يدمر بها كل ما خلق. إنه يرقص في هذه الناحية؛ ويا لها من سعادة! ثم يرقص في ناحية أخرى، فيكون الألم، والخوف الممقوت، والدمار! ثم قفزة، وخطوة ووثبة؛ قفز للصحة الكاملة، وخطوة نحو السرطان والشيخوخة، ووثبة من الحياة الكاملة إلى العدم، ومن العدم إلى الحياة مرة أخرى. وعند ناتاراجا كل ذلك لعب، واللعب غاية في حد ذاته، لا يهدف إلى شيء أبدا. إنه يرقص لأنه يرقص، والرقص بالنسبة إليه هو «ماهاسوخا»، هو نعيمه الأبدي الذي لا يحد. نعم نعيم أبدي. ثم أعاد العبارة الأخيرة بصيغة الاستفهام: نعيم أبدي؟ وهز رأسه وقال: بالنسبة إلينا ليس هناك نعيم، ليس هناك إلا تذبذب بين السعادة والفزع وإحساس بالغضب لأن آلامنا في رقص ناتاراجا جزء منه كما أن مسراتنا كذلك جزء منه. موتنا كحياتنا. دعنا نتدبر ذلك في هدوء لبرهة من الزمن.
Неизвестная страница