حتى انتهت نوبة ولايتهم في صنعاء إلى باشتهم هذا حيدر(1)، فجرينا معه في الوفاء ذلك المجرى، وعاملناه [27/أ] تلك المعاملة عملا بما هو أولى بالمؤمنين وأحرى، مع بدو(2) مقاتله وانكشاف عوراته مرة بعد أخرى، وهو في أثناء ذلك (سر حسوا في ارتغا) (3)، وكلما رأى منا الوفاء تمرد وطغى ونكث وبغى، ومال إلى هدم ذلك البناء الوثيق وصغى حتى سفك من خاصتنا الدم الحرام باطلاع الخاص والعام، وجنى الجنايات العظيمة في النفوس والحرث والأنعام، ونحن مع ذلك نذكره عهد الله والعهود، ونبذل في استصلاحه كل مجهود، ونستعين عليه بكبراء دولتهم وأركانها وعظمائها، المعتمد عليهم في سلطانها من قبل شهر رمضان عام خمس وثلاثين إلى أواخر شهر محرم الحرام سنة ست وثلاثين(4) لا يقنع في ذلك بكتاب ولا كتابين ولا رسول ولا رسولين وهو لا يزداد على طول المراجعة إلا نفورا إستكبارا في الأرض ومكر السيء {ولا يحيق المكر السيئ إلا بأهله} [فاطر:43] حتى كان من آخر ما قال أنه لا يرتكب إلا ما يستجيزه في مذهبه، ولم نعلم نحن ولا غيرنا من العلماء لأحد من أئمة الإسلام الأربعة ولا غيرهم قولا يباح به نكث العهود وسفك الدم وارتكاب كل محرم، حاشا تلك الأعلام الحدبة على الإسلام من نسبة ذلك إلى أدنى تلامذتهم، بل أقصر أتباعهم ولكن من تعامى عن الصواب لم يدر أين ذهب به، وهو من أول يوم دخل فيه اليمن يسوم من تحت يده من المسلمين الخسف، ويوقع بهم كل ظلم وعسف، فلم يبق حد بلغ إليه من مضى من ظلمهم إلا تجاوزه ولا أمر من الجور كانوا عنه لعظمه إلا أمضاه وأنجزه، وهم إلينا يجأرون وبنا يستغيثون، وكلما لاذوا بنا وطلبوا المعونة في استنقاذهم منا ألجمتنا العهود والمواثيق، وسد علينا محكم العقد الأكيد كل طريق، فلما أعيا داؤه(5) وسرى داؤه، وهد بأفعاله من كل عهد وعقد بناؤه، لم يبق عند الله رخصة ولا في دين الله خلصة في غير جهاده وقتاله، والحكم عليه بحكم الله ورسوله -صلى الله عليه وآله - والإقتداء بسيد الوصيين كرم الله وجهه في الجنة، فيمن فعل دون فعاله فإنه عليه الصلاة والسلام قال: "لقد ضربت أنف هذا الأمر وعينه وقلبت ظهره وبطنه فلم أر لي إلا القتال أو الكفر"(1).
وقال كرم الله وجهه لأصحابه: " أما بعد: فإن الجهاد باب من أبواب الجنة فتحه الله لخاصة أوليائه، وهو لباس التقوى، ودرع [28/أ] الله الحصينة، وجنته الوثيقة، فمن تركه رغبة عنه ألبسه الله ثوب الذل وشمله البلاء وديث بالصغار والقما، وضرب على قلبه بالإسهاب(2)، وأديل الحق منه بتضييع الجهاد وسيم الخسف ومنع النصف، وقد شهد بذلك الكتاب الحميد الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد فقال عز وجل: {وإن نكثوا أيمانهم من بعد عهدهم وطعنوا في دينكم فقاتلوا أئمة الكفر إنهم لا أيمان لهم لعلهم ينتهون، ألا تقاتلون قوما نكثوا أيمانهم وهموا بإخراج الرسول وهم بدءوكم أول مرة أتخشونهم فالله أحق أن تخشوه إن كنتم مؤمنين، قاتلوهم يعذبهم الله بأيديكم ويخزهم وينصركم عليهم ويشف صدور قوم مؤمنين، ويذهب غيظ قلوبهم ويتوب الله على من يشاء والله عليم حكيم، أم حسبتم أن تتركوا ولما يعلم الله الذين جاهدوا منكم ولم يتخذوا من دون الله ولا رسوله ولا المؤمنين وليجة والله خبير بما تعملون}[التوبة:12-16].
Страница 75