ثم إن المرفوع إلى كريم حضرته وحضرات آل أبيه، وسامي عقوته(1) وعقوات(2) أهل بيته الغنية بذواتها عن التنويه، أنا وجهنا إليهم هذه المطالعة عن نعم كبرى، ومواهب تترى، ومنح غراء، وفواضل لله تعالى على أهل بيت نبيه بسرا تتبعها سرا، وارتفاع كلمة الآل الطاهرين من بني الزهراء، وأخذ الثأر ممن نصب لعداوتهم صدرا، بما أرغم منه أنفا وقصم ظهرا، أو صرعه، وله المنة لليدين وللفم صرعة لا يقال فيها له إن شاء الله تعالى لقائل عقرا، وفتوحات ملأت بهجتها الآفاق بشرا، وطيبها الأرجاء عطرا، وذكرها المساجد والمجالس شكرا، سرا وجهرا، وتفصيل ذلك أنكم علمتم ما عليه هؤلاء الأروام(3) أقمأهم الله تعالى وأذل، وقصم عراهم وحل من الفساد في الأرض الذي طال وحاد، وملأ الأوطان والرحال، والسهول والجبال، وعم النساء والرجال، وهدم من دين الله عز وجل كل عال، مما تكاد السموات يتفطرن منه ونشق الأرض وتخر الجبال هدا. ولم يزل حي والدنا أمير المؤمنين المنصور بالله القاسم بن محمد صلوات الله عليه وعلى آبائه [27/أ] للمسلمين إلى حربهم داعيا، وفي نكايتهم ساعيا، ولدين الله وبلاده وعباده عن عبثهم حاميا، حتى لقي الله تعالى وقد صدقه أمله من ظهور الدين، وبلغه رجاه في علو كلمة الحق المبين، وكان صلوات الله عليه في آخر المدة لما استقبل الناس من سني الشدة، وأعظهم الدهر من ناب حده، واستمكل الصابر من صبره جهده، رأى من المصلحة لأهل الإسلام ومقتضى الحال للخاص والعام، أن يقبل من هؤلاء الظالمين الهدنة حين طلبوها منه، وأن يجعل بينهم وبين المسلمين ذمة يصدرونها(4)عنه، فصالح صلوات الله عليه من كان في تلك الأيام نائبا عن دولتهم في صنعاء عشر سنين(5) سلك فيها سبل الإقتداء بجده سيد النبيين -صلى الله عليه وعلى آله الطيبين- وكانت من قبله معقودة لجميع من شملته دعوة الحق وعنهم ومن قبل الأروام كذلك لحاضرهم ومن يرد اليمن منهم، واختار الله وله الحمد لوالدنا -سلام الله تعالى عليه- لقاءه وهي ثابتة العقد مصونة العهد، منتظر لها غاية الأمد، ولما قمنا بأمر الله مقامه، سلكنا فيها سبيله، وقفونا فعله وقيله(1)، لما قام بالوفاء بها من كان منهم آنفا، وكان الآخر منهم للأول في رعايتها خالفا امتثالا لقول الله عز وجل: {وأوفوا بالعهد إن العهد كان مسئولا}[الإسراء:34].
وقوله عز وجل: {وأوفوا بعهد الله إذا عاهدتم ولا تنقضوا الأيمان بعد توكيدها وقد جعلتم الله عليكم كفيلا}[النحل:91].
ونحن في أثناء مدتها نقيم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مقام الجهاد، وندل على الله سبحانه وتعالى بنشر العلم الشريف في الأغوار والأنجاد، ونعلم الدين الحنيف كل حاضر وباد، وندعو إلى سبيل ربنا بالحكمة والموعظة الحسنة جميع العباد، ونعد مع ذلك العدة كما أمر الله بالإعداد، ونأخذ حذرنا كما أوجب الله في كتابه الكريم من أهل العناد والإلحاد، ونحكم أوامر الشرع الشريف ونواهيه لنا وعلينا في الإقدام والإحجام، وفي الأنفس والأهلين والأموال والأولاد، وننتظر وعد الله الصادق في الكتاب الكريم في مثل قوله عز وجل: {إنا لننصر رسلنا والذين آمنوا في الحياة الدنيا ويوم يقوم الأشهاد}[غافر:51].
Страница 73