184

Драгоценности толкований

جواهر التفسير

Жанры

والخلاصة: أن الصحيح مما تقدم من الأقوال قول مجاهد والربيع بن أنس ومن وافقهما، وهو أن هذه الصفات هي لجميع المؤمنين، وذلك الذي يقتضيه تناسق الآيات وترابط النعوت، فالله عز وعلا عندما ذكر الكتاب بين أن هدايته خاصة بالمتقين، والتقوى تستلزم صفاء الروح، وروحانية النفس، وزكاء الفطرة وسلامة الحس، وطهارة اللسان، ونقاء الوجدان، واستقامة الأركان، وحياة الضمير. وبهذا يتم التناسق بين المشاعر الباطنة، والحركات الظاهرة عند المتقين. وبسبب هذا النقاء الباطني تشف السرائر وتتألف البصائر، وترتفع عن النفوس حجب الطبع الكثيفة الحائلة بين كثير من الناس، واتصالهم بعالم الغيب، وبارتفاعها عن نفوس المتقين تتجلى لهم الحقائق الغيبية بحسب ما تفيضها الأدلة العقلية أو النقلية، تجليا لا يدع مجالا للشك أو الريب. ومن ثم كان الايمان بالغيب أول ما نعت به المتقون هنا.

والايمان شعلة في النفس تطوي من جنباتها سجاف ظلماتها، فتستنير لها مسالك الحياة، وينكشف لها ما فيه سلامتها أو خطرها. وهذه الشعلة المعنوية لا تختلف عن الشعل الحسية في حاجتها إلى ما يمدها بالطاقة؛ وإلا خبا نورها واختفى شعاعها، وقد جعل الله سبحانه عباداته المتنوعة وقودا روحانيا للايمان، وعلى رأس هذه العبادات الصلاة التي تتميز بعمق أثرها وقوة تأثيرها، فلذلك كانت إقامتها الصفة الثانية للمتقين.

وبما أن الإيمان بالغيب، وإقام الصلاة يسكبان في النفس الإنسانية الشعور بآلام الآخرين ويبعثان فيها الإحساس بضرورة العطف على البؤساء والمحرومين، وهو مما يدفع صاحبه إلى الإحسان، كان ثالث ما وصفوا به الإنفاق من رزق الله.

ومع كل ذلك فالضرورة داعية إلى الوحدة الفكرية والرابطة الروحية التي تنتظم عباد الله منذ بداية الخلق إلى أن يرث الكون مكونه، وبدونها تتقطع جميع الروابط وتنحل كل الوشائج، وهذه هي المناسبة في اختتام هذه الصفات بكونهم يؤمنون بما أنزل إلى النبي صلى الله عليه وسلم وما أنزل إلى من قبله من النبيين، وهذا مما يقتضي وراثة هذه الأمة لمن تقدمها من الأمم في هدي أنبيائها، كما يؤكد وحدة رسالات الله التي تتابعت مواكب رسله لنقل هدايتها إلى الناس.

والإنزال: نقل الشيء من جهة عالية إلى أدون منها، ويطلق مجازا على الإيصال والإبلاغ، كما يطلق النزول على الوصول والحلول، نحو قوله تعالى:

فإذا نزل بساحتهم فسآء صباح المنذرين

[الصافات: 177]. وقد يطلق على إنشاء النعم أو إظهارها نحو قوله:

وأنزلنا الحديد فيه بأس شديد ومنافع للناس

[الحديد: 25]، وقوله:

وأنزل لكم من الأنعام ثمانية أزواج

Неизвестная страница