لكن الرجل الذي تحدثت إليه لم ينتبه إلى ما تقول. وسقط رأسه على صدره. لم يتلق نظراتها الغاضبة الثاقبة سوى الجزء العلوي من قبعته الناعمة. تذمرت، وابتعدت عنه متجهة نحو شباك التذاكر، وألقت بحزم الأموال التي كانت تبحث عنها. وأثناء قيامها بذلك، سقط الرجل ببطء على ركبتيه، بحيث كاد أولئك الذين يقفون خلفه أن يسقطوا فوقه، وظلوا على هذه الحال للحظة، ثم انقلب ببطء أكثر على وجهه.
قال أحدهم: «لقد فقد الشاب وعيه.» لم يتحرك أحد لحظة أو اثنتين. إن اهتمام المرء بأعماله الخاصة في حشد من الناس اليوم هو غريزة للحفاظ على الذات، تشبه تلون الحرباء. ربما يأتي شخص ما من أجل الشاب. لكن لم يفعل أحد ذلك؛ ولذا تقدم رجل لديه غريزة اجتماعية أقوى أو أكثر عجبا بذاته مقارنة بالباقين؛ لمساعدة الشخص المنهار. كان على وشك الانحناء فوق الجسد الملقى على الأرض، عندما توقف كما لو كان لسعه شيء وتراجع على عجل. صرخت امرأة ثلاث مرات، بشكل مروع، وتجمد الصف المتدافع اللاهث فجأة دون حركة.
في الضوء الأبيض الصافي للمصباح الكهربائي المكشوف المعلق في السقف، كان جسد الرجل، الذي تركه وحيدا الانسحاب الغريزي للآخرين، ممددا كاشفا عن كل التفاصيل. ويظهر بميل من النسيج الرمادي الصوفي الخشن لمعطفه شيء فضي صغير يلمع بخبث في الضوء المشئوم.
كان مقبض خنجر.
وقبيل أن ترتفع صيحة «الشرطة!»، كان الشرطي قد جاء من الطرف الآخر من الطابور حيث كان مسئولا عن تهدئة الأوضاع. لقد استدار في أول صرخة من صرخات المرأة. لا أحد يصرخ هكذا إلا عندما يواجه الموت المفاجئ. وقف الآن ينظر لحظة إلى المشهد، وانحنى فوق الرجل، وأدار رأسه برفق إلى النور، ثم تركه، وقال للرجل في شباك التذاكر: «اتصل بالإسعاف والشرطة.»
أدار عينيه المصعوقتين بشكل كبير إلى الصف. «هل يعرف أحد هنا هذا الرجل المحترم؟»
لم يدع أحد معرفته بالجثة الهامدة على الأرض.
خلف الضحية كان يقف زوجان ميسورا الحال من الضواحي. كانت المرأة تنوح باستمرار وكان وجهها خاليا من أي تعبير: «أوه لنذهب إلى المنزل، جيمي! أوه، دعنا نذهب إلى المنزل!» على الجانب الآخر من شباك التذاكر، وقفت المرأة البدينة مندهشة من هذا الرعب المفاجئ، وهي تمسك تذكرتها في قفازيها القطنيين السوداوين، ولكنها لم تبذل أي جهد لتأمين مقعد في الوقت الذي أصبح الطريق مفتوحا لها. في الجزء الخلفي من صف الانتظار، انتشر الخبر كالنار في الهشيم - قتل رجل! وبدأ الحشد في الدهليز المائل بالاندفاع فجأة في ارتباك ميئوس منه حيث حاول البعض الابتعاد عن الشيء الذي أفسد كل أفكار التسلية، وحاول البعض المضي قدما ليرى ما حدث، وقاتل بعض الساخطين للحفاظ على المكان الذي وقفوا من أجله ساعات طويلة. «أوه، لنذهب إلى المنزل، جيمي! أوه، دعنا نذهب إلى المنزل!»
تحدث جيمي لأول مرة. «لا أعتقد أننا نستطيع، أيتها المرأة العجوز، حتى تقرر الشرطة إذا ما كانت تريدنا أم لا.»
سمعه الشرطي وقال: «أنت على حق تماما. لا يمكنك الذهاب. سيبقى الستة الأوائل في أماكنهم»، وأضاف إلى المرأة البدينة: «وأنت يا سيدتي. الباقي يأتي من هنا.» ولوح بيده كما لو كان يلوح لحركة المرور أمام سيارة معطلة.
Неизвестная страница