1 - جريمة قتل
2 - المفتش جرانت
3 - داني ميلر
4 - راءول ليجارد
5 - داني مرة أخرى
6 - الشامي
7 - حلحلة الأمور
8 - السيدة إيفريت
9 - جرانت يحصل على معلومات أكثر مما توقع
10 - الهروع إلى الشمال
Неизвестная страница
11 - كارنينيش
12 - الاعتقال
13 - التوقف عن إحراز تقدم
14 - الإدلاء بالشهادة
15 - البروش
16 - الآنسة دينمونت تقدم المساعدة
17 - الحل
18 - الخاتمة
1 - جريمة قتل
2 - المفتش جرانت
Неизвестная страница
3 - داني ميلر
4 - راءول ليجارد
5 - داني مرة أخرى
6 - الشامي
7 - حلحلة الأمور
8 - السيدة إيفريت
9 - جرانت يحصل على معلومات أكثر مما توقع
10 - الهروع إلى الشمال
11 - كارنينيش
12 - الاعتقال
Неизвестная страница
13 - التوقف عن إحراز تقدم
14 - الإدلاء بالشهادة
15 - البروش
16 - الآنسة دينمونت تقدم المساعدة
17 - الحل
18 - الخاتمة
جريمة قتل في صف انتظار
جريمة قتل في صف انتظار
تأليف
جوزفين تاي
Неизвестная страница
ترجمة
أسماء عزب
مراجعة
هاني فتحي سليمان
الفصل الأول
جريمة قتل
كانت عقارب الساعة تشير إلى وقت ما بين السابعة والثامنة في إحدى ليالي شهر مارس، وكانت الحواجز في جميع أنحاء لندن تزال من أمام أبواب صالات المسارح وشرفاتها. ضجة، ودوي، وقعقعة. أصوات صاخبة قبيل العرض الترفيهي المسائي. حتى النفخ في الصور لم يكن ليحمل الراغبين في مشاهدة «ثسبيس وتيربسيكوري» على الوقوف بهذا القدر من الصبر - رغم كل ما يعانونه من إرهاق - في صفوف أربعة مزدحمة بالأشخاص أمام البوابات الواعدة. وبطبيعة الحال، لم يكن هناك صفوف في بعض الأماكن. ففي مسرح إرفينج، افترش خمسة أشخاص السلم، مضحين دون اكتراث بدفء الزحام مقابل ما حصلوا عليه دون عناء؛ وهو افتراشهم السلم؛ إذ لم تكن المأساة اليونانية تلقى رواجا. وفي مسرح بلايبوكس لم يكن هناك أحد ينتظر؛ فقد كان العرض في مسرح بلايبوكس حصريا، ولم يسمح بدخول الصالة. أما في مسرح أرينا، الذي استضاف موسم الباليه لمدة ثلاثة أسابيع، فكان هناك 10 أشخاص للجلوس في الشرفات وصف طويل للجلوس في الصالة. لكن في وفينجتون تلاشى كلا الصفين على ما يبدو. فمنذ وقت طويل، نزل أحد المسئولين المتعجرفين إلى صف صالة المسرح، وبإشارة من ذراعه الممدودة التي بدت وكأنها مقصلة للقضاء على الأمل، قال: «جميع الأماكن المتبقية هنا للحضور وقوفا فقط.» بعد ذلك، وبجهد يسير منه، فصل الأشخاص عن بعضهم البعض كما يفصل الراعي الخراف عن الماعز، وعاد بكل عظمة إلى مقدمة المسرح، حيث الدفء والمأوى خلف الأبواب الزجاجية. غير أن أحدا لم يبتعد عن الصف الطويل. فأولئك الذين حكم عليهم بالوقوف ثلاث ساعات أخرى بدوا غير مبالين بمعاناتهم. لقد ضحكوا وثرثروا، ومرروا لبعضهم البعض في ورق فضي ممزق قطعا من الشوكولاتة تؤازرهم. الحضور وقوفا فقط، أليس كذلك؟ حسنا، فمن الذي لن يقف، ويسعده الانتظار، في الأسبوع الأخير من عرض «ديدنت يو نو؟» (ألم تعلم ذلك؟) فقد استمر العرض الكوميدي الموسيقي اللندني حتى ذلك الوقت منذ ما يقرب من عامين، وكانت تلك الليلة هي ليلة العرض النهائي. حجزت المقاعد الأمامية والشرفات منذ أسابيع، وقد زاد من عدد الحشد المنتظر أمام الأبواب المغلقة العديد من العذارى الحمقاوات، اللائي لم يعتدن الوقوف في الصفوف؛ لأن الرشوة والفساد أثبتا عدم جدواهما في شباك التذاكر. يبدو أن كل شخص في لندن كان يحاول الاحتشاد في وفينجتون للاحتفاء بالعرض للمرة الأخيرة. هذا من أجل معرفة ما إذا كان جولي جولان قد أضاف مزحة جديدة لانتصار حماقته - جولان الذي أنقذه مدير جريء من العيش في الشارع، وأتيحت له الفرصة واغتنمها. وأيضا من أجل أن يستمتعوا مرة أخرى بجمال راي ماركابل وبريقها، تلك النجمة التي سطعت منذ عامين في سماء الفن حتى طبقت شهرتها الآفاق وطغى تألقها على من عداها من النجوم البارزين. رقصت راي مثل ورقة شجر تطير مع الريح، وقضت ابتسامتها الفريدة من نوعها على موضة إعلانات معجون الأسنان في ستة أشهر. وصف النقاد ابتسامتها بأنها «سر سحرها الغامض»، لكن متابعيها أطلقوا عليها العديد من الأشياء المبالغ فيها، وعرفوها لبعضهم البعض من خلال التلويح باليد وتعابير الوجه عندما أثبتت الكلمات أنها غير كافية للتعبير عن روعتها. الآن هي ذاهبة إلى أمريكا، مثل كل الأشياء الجيدة، وستصبح لندن التي اعتادت عليها على مدار العامين الماضيين صحراء لا يمكن تصورها من دون راي ماركابل. من منا لن يقف إلى الأبد لمجرد رؤيتها مرة أخرى؟
كانت السماء تمطر مطرا خفيفا منذ الساعة الخامسة صباحا، وبين الحين والآخر كان الهواء البارد الخفيف يحمل الرذاذ ويدفعه برفق نحو صف الانتظار، مداعبا إياه من أوله لآخره كضربة فرشاة ممتدة. لم يثبط ذلك عزيمة أحد - حتى الطقس لم يستطع أن يأخذ نفسه على محمل الجد في تلك الليلة؛ فقد كان يتمتع بنكهة تكفي لفتح شهية المنتظرين بما يتناسب مع العرض الترفيهي الذي ينتظرونه. أصاب المنتظرين بالصف ملل شديد، واستفاد أصحاب اللهجة الكوكنية بأكبر قدر من أي تسلية ممكنة في الممر المظلم. في البداية جاء بائعو الصحف ذوو الأعين الحذرة والأجسام الضئيلة والوجوه النحيلة التي تخلو من أي عاطفة. تغلغلوا في صف الانتظار كالنار في الهشيم واختفوا، تاركين وراءهم أثرا من الثرثرة والأوراق المتناثرة. ثم بسط رجل شديد القصر سجادة بالية على الرصيف الرطب وأخذ يصنع بجسده وأذرعه عقدا كثيرة إلى أن بدا أشبه بالعنكبوت عندما يفاجأ بشيء، تبرق عيناه الجاحظتان الحزينتان بين الحين والآخر من أماكن غير متوقعة تماما، وتحملقان في الحشد المتمايل، حتى إن أكثر المتفرجين لا مبالاة شعر وكأن ظهره يطقطق. وقد خلفه رجل عزف على الكمان ألحانا محببة، متغافلا في سعادة عن حقيقة أن وتره الأول كان منخفضا بمقدار نصف نغمة. ثم، في الوقت نفسه، جاء مغن للقصائد العاطفية وفرقة موسيقية تعزف نشازا مكونة من ثلاثة أفراد. وبعد أن تجهموا في وجوه بعضهم البعض للحظة أو اثنتين، حاول المغني استعجال الأمور وفقا لمبدأ الاستحواذ هو كل شيء، من خلال الاقتحام والانتحاب بأغنية «بيكوز يو كام تو مي» (لأنك أتيت إلي)، ولكن قائد الفرقة الموسيقية سلم جيتاره لأحد المساعدين، وشرع في تقديم الصادح، باعدا مرفقيه عن جسده ورافعا يديه. حاول الصادح تجاهله من خلال النظر من فوق رأسه، لكنه وجد صعوبة في ذلك، لأن الموسيقي كان أطول قامة منه بقليل، ويبدو موجودا في كل مكان. ثابر حتى بيتين شعريين آخرين، ثم تذبذبت القصيدة بتردد لتصير استهجانا في صوته الطبيعي، وبعد دقيقتين، تلاشى في الزقاق المظلم، يغمغم بالتهديدات والشكاوى، وبدأت الفرقة الموسيقية فجأة عزف أحدث لحن للرقص. ونظرا إلى أن هذا الأمر يتعلق بذوق المعاصرين أكثر من تعلقه بالإحياء غير الملائم للمشاعر المضمحلة، فقد نسوا على الفور كل شيء عن الضحية المسكينة للقوة القاهرة، وملوا مع الوقت من التدابير الحيوية. بعد الفرقة الموسيقية، جاء كل بمفرده؛ ساحر، ومبشر، ورجل سمح لنفسه أن يقيد بحبل ذي عقد مظهرها مثير للإعجاب، وحرر نفسه بالدرجة نفسها من إثارة الإعجاب.
كل هؤلاء يؤدون فقراتهم الصغيرة وينتقلون إلى عرض آخر في مكان آخر، وكان كل واحد منهم قبل مغادرته يتجول في الصف، دافعا قبعته اللينة المزعجة بين الفواصل الصغيرة في صف الانتظار، ويقول: «شكرا لكم! شكرا لكم!» تشجيعا للكرماء. وكان يتخلل البرنامج الترفيهي بائعو حلوى، وبائعو أعواد ثقاب، وبائعو ألعاب أطفال، بل وحتى بائعو بطاقات بريدية تذكارية. تفرق الحشد بلطف ومعهم أموالهم، ووجدوا التسلية الكافية لاحتياجاتهم.
الآن سرت رجفة على طول الصف - وهي رجفة لم يعرف معناها إلا ذوو الخبرة. تخلى الواقفون عن المقاعد الصغيرة القابلة للطي أو طووها في حقائب اليد، واختفى الطعام، وظهرت محافظ النقود. فتحت الأبواب. ها قد بدأت المغامرة الجميلة والمثيرة. هل سيفوزون بمكان أم سيخسرون حين يصلون إلى شباك بيع التذاكر؟ في الجزء الأمامي من الصف حيث كان الترتيب على شكل ثنائيات أقل في العدد من الجزء الخلفي المكشوف، تغلبت الإثارة عند فتح الأبواب لحظة أو اثنتين على غريزة الاحتفاظ بالمكان المعتاد التي تميز الرجل الإنجليزي - أقول عن عمد الرجل الإنجليزي؛ لأن الاسكتلندي لا يتمتع بها - وكان هناك دفع خفيف وإعادة هيكلة قبل أن يتحول الصف إلى كتلة محشورة لاهثة أمام شباك التذاكر، الذي كان بالقرب من باب الصالة مباشرة. أعلنت قعقعة عملة معدنية من النحاس استمرار المعاملات المتعجلة التي جعلت المحظوظين محررين من الجنة. وتسبب صوتها في اندفاع أولئك الذين يقفون بالخلف إلى الأمام دون وعي حتى احتج الحشد في المقدمة بأعلى صوت سمحت به رئاتهم المحطمة، وذهب شرطي إلى الصف احتجاجا على ذلك. «والآن، والآن، ابتعدوا قليلا. هناك متسع من الوقت. لن تدخلوا بالتدافع. كل شيء في حينه.» بين الحين والآخر، تمايل الصف كله للأمام بضع بوصات حيث ركض المحررون في مجموعات من اثنين وثلاثة من رأس الصف، مثل الخرز الذي يتدحرج من خيط مقطوع. الآن عطلت الصف امرأة بدينة في محاولتها للبحث في حقيبتها عن المزيد من المال. بالتأكيد كان بإمكان الأحمق اكتشاف المبلغ المطلوب بالضبط قبل الآن بدلا من تعطيل الصف على هذا النحو. التفتت إلى الرجل الذي يقف خلفها وكأنها مدركة لعدائهم وقالت بغضب: «حسنا سأكون شاكرة إذا توقفت عن الدفع بي. ألا يسمح لامرأة بإخراج محفظتها دون أن يفقد الجميع أخلاقه؟»
Неизвестная страница
لكن الرجل الذي تحدثت إليه لم ينتبه إلى ما تقول. وسقط رأسه على صدره. لم يتلق نظراتها الغاضبة الثاقبة سوى الجزء العلوي من قبعته الناعمة. تذمرت، وابتعدت عنه متجهة نحو شباك التذاكر، وألقت بحزم الأموال التي كانت تبحث عنها. وأثناء قيامها بذلك، سقط الرجل ببطء على ركبتيه، بحيث كاد أولئك الذين يقفون خلفه أن يسقطوا فوقه، وظلوا على هذه الحال للحظة، ثم انقلب ببطء أكثر على وجهه.
قال أحدهم: «لقد فقد الشاب وعيه.» لم يتحرك أحد لحظة أو اثنتين. إن اهتمام المرء بأعماله الخاصة في حشد من الناس اليوم هو غريزة للحفاظ على الذات، تشبه تلون الحرباء. ربما يأتي شخص ما من أجل الشاب. لكن لم يفعل أحد ذلك؛ ولذا تقدم رجل لديه غريزة اجتماعية أقوى أو أكثر عجبا بذاته مقارنة بالباقين؛ لمساعدة الشخص المنهار. كان على وشك الانحناء فوق الجسد الملقى على الأرض، عندما توقف كما لو كان لسعه شيء وتراجع على عجل. صرخت امرأة ثلاث مرات، بشكل مروع، وتجمد الصف المتدافع اللاهث فجأة دون حركة.
في الضوء الأبيض الصافي للمصباح الكهربائي المكشوف المعلق في السقف، كان جسد الرجل، الذي تركه وحيدا الانسحاب الغريزي للآخرين، ممددا كاشفا عن كل التفاصيل. ويظهر بميل من النسيج الرمادي الصوفي الخشن لمعطفه شيء فضي صغير يلمع بخبث في الضوء المشئوم.
كان مقبض خنجر.
وقبيل أن ترتفع صيحة «الشرطة!»، كان الشرطي قد جاء من الطرف الآخر من الطابور حيث كان مسئولا عن تهدئة الأوضاع. لقد استدار في أول صرخة من صرخات المرأة. لا أحد يصرخ هكذا إلا عندما يواجه الموت المفاجئ. وقف الآن ينظر لحظة إلى المشهد، وانحنى فوق الرجل، وأدار رأسه برفق إلى النور، ثم تركه، وقال للرجل في شباك التذاكر: «اتصل بالإسعاف والشرطة.»
أدار عينيه المصعوقتين بشكل كبير إلى الصف. «هل يعرف أحد هنا هذا الرجل المحترم؟»
لم يدع أحد معرفته بالجثة الهامدة على الأرض.
خلف الضحية كان يقف زوجان ميسورا الحال من الضواحي. كانت المرأة تنوح باستمرار وكان وجهها خاليا من أي تعبير: «أوه لنذهب إلى المنزل، جيمي! أوه، دعنا نذهب إلى المنزل!» على الجانب الآخر من شباك التذاكر، وقفت المرأة البدينة مندهشة من هذا الرعب المفاجئ، وهي تمسك تذكرتها في قفازيها القطنيين السوداوين، ولكنها لم تبذل أي جهد لتأمين مقعد في الوقت الذي أصبح الطريق مفتوحا لها. في الجزء الخلفي من صف الانتظار، انتشر الخبر كالنار في الهشيم - قتل رجل! وبدأ الحشد في الدهليز المائل بالاندفاع فجأة في ارتباك ميئوس منه حيث حاول البعض الابتعاد عن الشيء الذي أفسد كل أفكار التسلية، وحاول البعض المضي قدما ليرى ما حدث، وقاتل بعض الساخطين للحفاظ على المكان الذي وقفوا من أجله ساعات طويلة. «أوه، لنذهب إلى المنزل، جيمي! أوه، دعنا نذهب إلى المنزل!»
تحدث جيمي لأول مرة. «لا أعتقد أننا نستطيع، أيتها المرأة العجوز، حتى تقرر الشرطة إذا ما كانت تريدنا أم لا.»
سمعه الشرطي وقال: «أنت على حق تماما. لا يمكنك الذهاب. سيبقى الستة الأوائل في أماكنهم»، وأضاف إلى المرأة البدينة: «وأنت يا سيدتي. الباقي يأتي من هنا.» ولوح بيده كما لو كان يلوح لحركة المرور أمام سيارة معطلة.
Неизвестная страница
انتابت زوجة جيمي نوبة بكاء هيستيري، واعترضت المرأة السمينة. لقد جاءت لمشاهدة العرض ولم تكن تعرف أي شيء عن الرجل. كان الأشخاص الأربعة الذين يقفون وراء الزوجين من الضواحي لا يرغبون بالقدر نفسه في التورط في شيء لا يعرفون شيئا عنه، مع نتائج لا يمكن لأحد توقعها. هم أيضا احتجوا على جهلهم.
قال الشرطي: «ربما، لكن عليكم شرح كل ذلك في المركز.» وأضاف لإراحتهم، على نحو غير مقنع على الإطلاق في ظل هذه الظروف: «لا يوجد ما يدعو للخوف.»
وهكذا تقدم الصف. وأحضر الحارس ستارة خضراء من مكان ما وغطى الجثة. وبدأت القعقعة التلقائية للعملات النقدية مرة أخرى واستمرت، غير مبالية مثل المطر. عرض الحارس، الذي انتقل من شرود ذهنه المعتاد بسبب محنة المنبوذين السبعة أو على أمل المكافأة، أن يحتفظ بمقاعدهم من أجلهم. بعد وقت قصير جاءت سيارة الإسعاف والشرطة من مركز شرطة جاوبريدج. أجرى أحد المفتشين مقابلة قصيرة مع كل من المعتقلين السبعة، وأخذ أسماءهم وعناوينهم، وأذن لهم بالانصراف مشددا عليهم أن يكونوا جاهزين للحضور حال استدعائهم. أخذ جيمي زوجته التي كانت تبكي بعيدا إلى سيارة أجرة، بينما اتجه الخمسة الآخرون بهدوء إلى المقاعد التي كان يحافظ الحارس عليها، تماما في الوقت الذي رفع فيه الستار إيذانا ببدء العرض المسائي «ديدنت يو نو؟»
الفصل الثاني
المفتش جرانت
ضغط مفوض الشرطة باركر بسبابته المشذبة بعناية على زر الجرس العاجي أسفل طاولته، وظل ضاغطا حتى ظهر أحد تابعيه.
قال للرجل: «أخبر المفتش جرانت أنني أود رؤيته»، وكان ذلك الرجل يبذل قصارى جهده ليبدو مذعنا في حضور الرجل العظيم الشأن، لكن المرحلة المبكرة من بدانته أحبطت نواياه الطيبة وأجبرته على الانحناء للخلف قليلا من أجل الاحتفاظ بتوازنه، وكذلك زاوية أنفه التي كانت رمزا للوقاحة. انسحب الرجل لإيصال الرسالة مدركا فشله بمرارة ودفن ذكرى ارتباكه بين الكمال غير المتعاطف للملفات والأوراق التي استدعي بعيدا عنها، وعلى الفور دخل المفتش جرانت إلى الغرفة وألقى التحية على رئيسه بسرور. وأشرق وجه رئيسه لاشعوريا في حضوره.
إذا كان لدى جرانت ما يفوق المميزات المعتادة للتفاني في العمل، وقدر جيد من الذكاء والشجاعة، فإن آخر وظيفة يمكن أن تتوقعها له هي ضابط شرطة. فقد كان متوسط الطول هزيل البنية، وكان ... الآن ، إذا قلت أنيقا، فستفكر بالطبع على الفور في شيء مثل دمية عرض الملابس (مانيكان)، شيء مثالي بعيدا عن كل الصفات الشخصية، ومن المؤكد أن جرانت لم يكن كذلك، ولكن إذا كان بإمكانك تخيل نوع من الأناقة ليس مثل دمى عرض الملابس، فهذا هو جرانت. سعى باركر سنوات دون جدوى لمحاكاة أناقة مرءوسه؛ ولم ينجح إلا في أن ينتقي ملابسه بعناية فائقة. كان يفتقر إلى الذوق في الأمور المتعلقة بالملابس كما كان يفتقر إليه في معظم الأمور. فقد كان كادحا. ولكن كان هذا أسوأ ما يمكن أن يقال عنه. فعندما كان يبدأ في الكدح وراء شخص ما، كان هذا الشخص يتمنى عادة أنه لم يولد قط.
نظر إلى مرءوسه الآن بإعجاب لا يشوبه أي استياء، مقدرا الأجواء الصعبة - فقد كان مستيقظا طوال الليل بسبب عرق النسا ومع ذلك جاء إلى العمل.
وقال: «جاوبريدج تعاني بشدة. في الواقع، تمادى الوضع في جاو ستريت حتى بلغ حد التلميح إلى حدوث مؤامرة.» «أوه؟ هل هناك من يراوغهم؟» «لا، لكن مسألة الليلة الماضية هي خامس أمر كبير يحدث في منطقتهم في الأيام الثلاثة الماضية، وقد ضاقوا ذرعا من ذلك. يريدون منا تولي هذه القضية الأخيرة.» «ما هي؟ مسألة صف المسرح، أليس كذلك؟» «نعم، وأنت الضابط المسئول عن التحقيقات. لذا اشرع في العمل. يمكنك أخذ ويليامز معك. أريد أن يذهب باربر إلى بيركشاير من أجل عملية السطو التي وقعت في نيوبري. سيحتاج السكان المحليون هناك إلى الكثير من التملق؛ لأننا استدعينا، وباربر أفضل في ذلك الأمر من ويليامز. أعتقد أن هذا كل شيء. من الأفضل الذهاب إلى جاو ستريت على الفور. حظا طيبا.»
Неизвестная страница
بعد نصف ساعة، كان جرانت يجري مقابلة مع جراح شرطة جاوبريدج. قال الجراح إن الرجل قد وصل إلى المستشفى جثة هامدة. وكان السلاح خنجرا رفيعا وحادا للغاية. دفع إلى ظهر الرجل على الجانب الأيسر من العمود الفقري بقوة لدرجة أن المقبض ضغط ملابسه لتصير لفافة منعت تدفق الدم. وما تدفق نضح حول الجرح دون أن يخرج إلى السطح الخارجي على الإطلاق. في رأيه، طعن الرجل وقتا طويلا - ربما 10 دقائق أو أكثر - قبل أن ينهار عندما ابتعد عنه الواقفون أمامه. في سقوط مثل هذا، سترفعه الجماهير وتنقله. في الواقع، يستحيل على المرء السقوط لو أراد ذلك في مثل هذا الحشد المكتظ. وظن أنه من المستبعد تماما أن يكون الرجل على علم بأنه قد تعرض للطعن. فقد كان هناك الكثير من الضغط والتدافع والإيذاء اللاإرادي في هذه المناسبات بحيث لا يمكن ملاحظة ضربة مفاجئة وغير مؤلمة للغاية. «وماذا عن الشخص الذي طعنه؟ هل لاحظت أي شيء مميز في الطعن؟» «لا، إلا أن الرجل كان قويا وأعسر.» «ليست امرأة؟» «لا، سيحتاج الأمر إلى قوة أكبر مما تتمتع به المرأة لدفع النصل بالطريقة التي دفع بها. كما ترى، لم يكن هناك مكان لسحب الذراع للخلف. لا بد أن الضربة سددت من موضع مريح. يا إلهي، لقد ارتكبها رجل. رجل حازم للغاية.»
سأل جرانت، الذي أحب سماع الآراء العلمية حول أي موضوع: «هل يمكنك إخباري بأي شيء عن القتيل ذاته؟». «ليس الكثير. تنشئة جيدة - مزدهرة، ينبغي أن أقول.» «هل هو ذكي؟» «نعم، جدا، كما أعتقد.» «من أي نوع؟» «هل تقصد نوع المهنة؟» «لا، يمكنني أن أستنتج ذلك بنفسي. أي نوع من الطبع - أظن أنك تسميه كذلك - كان يتسم به الرجل؟» «حسنا فهمت قصدك.» فكر الجراح لحظة. ونظر بريبة إلى محاوره. «حسنا، لا أحد يستطيع أن يجزم بهذا - هل تعي هذه الحقيقة؟» وعندئذ اعترف جرانت بالصفة التالية: «لكن يجب أن أصفه بأنه من أصحاب «القضايا الخاسرة».» رفع حاجبيه مستفهما من المفتش، وأضاف وهو واثق من فهمه: «كانت لديه صفات عملية بما فيه الكفاية في وجهه، لكن يديه كانتا يدي رجل حالم. سترى بنفسك.»
نظرا معا إلى الجثة. كان شابا في التاسعة والعشرين أو الثلاثين من عمره، أشقر الشعر، عسلي العينين، نحيفا، متوسط القامة. كانت اليدان، كما أوضح الطبيب، طويلتين ورفيعتين وغير معتادتين على العمل اليدوي. قال الجراح وهو يلقي نظرة على قدمي الرجل: «من المحتمل أن يكون وقف كثيرا. وكان يسير وإصبع قدمه اليسرى معوج للداخل.»
سأل جرانت: «هل تعتقد أن الجاني كان ملما بعلم التشريح؟». كان من شبه المستحيل أن يصدق أحد أن حفرة صغيرة جدا كهذه جعلت الرجل يفقد حياته. «لم يتم ذلك بمثل دقة الجراح، إذا كان هذا ما تعنيه. وبالنسبة إلى الإلمام بعلم التشريح، ففعليا كل شخص عاش في فترة الحرب لديه معرفة عملية بعلم التشريح. ربما كانت مجرد ضربة حظ - وأنا بالأحرى أميل إلى ذلك.»
شكره جرانت وذهب لتولي الأمر مع مسئولي جاو ستريت. وضعت على الطاولة المحتويات الضئيلة لجيوب الرجل. شعر جرانت ببعض القلق عندما رأى قلة هذه الأشياء. منديل قطني أبيض، وكومة صغيرة من القطع النقدية (نصفي كراون، ونصفي شلن، وشلن، وأربعة بنسات، ونصف بنس) والمفاجأة مسدس خدمة. كان المنديل باليا جدا ولم يكن به ملصق يبين طريقة الغسيل كما لا يحمل حرفا أوليا. كان المسدس محشوا بالكامل.
فحص جرانت الأشياء باشمئزاز في صمت. سأل قائلا: «هل توجد ملصقات غسيل على ملابسه؟».
لا، لم تكن هناك ملصقات من أي نوع.
ولم يأت أحد ليطالب بجثته؟ أو حتى للاستفسار بشأنه؟
لا أحد سوى تلك العجوز المجنونة التي طالبت بكل شخص عثرت عليه الشرطة.
من الواضح أنه سيفحص الملابس بنفسه. ومن ثم فحص بدقة كل قطعة من الملابس. كان كل من القبعة والحذاء باليين جدا، لدرجة أن اسم صانع الحذاء، الذي من المفترض أن يكون على البطانة، كان قد طمس. واشتريت القبعة عندما كانت جديدة من شركة كانت تمتلك متاجر في جميع أنحاء لندن والمقاطعات. كلاهما كانا من نوع جيد، وعلى الرغم من أنهما كانا باليين، فإن نوعهما لم يكن رديئا. كانت البدلة الزرقاء عصرية، بل بالأحرى تفصيلها مميز جدا، وربما ينطبق الشيء ذاته على المعطف الرمادي. كانت ملابس الرجل الداخلية جيدة إن لم تكن باهظة الثمن، وكان القميص ذا لون شائع. في الواقع، كانت جميع الملابس تعود إلى رجل إما كان مهتما بالملابس أو ينتمي لمجتمع يفعل ذلك. ربما كان موظف مبيعات في متجر ملابس للرجال. وكما قالوا في جاوبريدج، لم تكن هناك ملصقات غسيل. وهذا يعني أن الرجل إما أنه أراد إخفاء هويته أو أن ملابسه الداخلية تغسل عادة في المنزل. ونظرا إلى عدم وجود أي علامات لطمس الملصقات، فقد كان التفسير الأخير هو التفسير المعقول. من ناحية أخرى، أزيل اسم الخياط عمدا من البدلة. ويشير ذلك بالإضافة إلى قلة متعلقات الرجل بالتأكيد إلى رغبته في إخفاء هويته.
Неизвестная страница
وأخيرا الخنجر. لقد كان سلاحا صغيرا رهيبا رفيعا مثل الأفعى. كان المقبض من الفضة، ويبلغ طوله نحو ثلاث بوصات، وعليه صورة قديس ملتح يرتدي عباءة. وكانت مواضع متفرقة منه مطلية بألوان أولية زاهية مثل الصور المقدسة المزخرفة في البلدان الكاثوليكية. بشكل عام كان من النوع الشائع إلى حد ما في إيطاليا وعلى طول الساحل الجنوبي لإسبانيا. أمسكه جرانت بحذر شديد.
سأل: «كم عدد الأشخاص الذين لمسوه؟».
كانت الشرطة قد صادرته بمجرد وصول الرجل إلى المستشفى وكان من الممكن إزالته. ولم يلمسه أحد منذ ذلك الحين. لكن وجه جرانت أصبح خاليا من تعبيرات الرضا التي كانت تعلوه عندما أضيفت معلومة أنه قد فحص السلاح بحثا عن بصمات الأصابع ولم يجدوا شيئا. ولا حتى بصمة غير واضحة تكدر لمعان سطح القديس المتعجرف الذي نقش عليه.
قال جرانت: «حسنا، سآخذ هذه الأشياء وأمضي قدما.» وترك تعليمات مع ويليامز لأخذ بصمات الرجل الميت ثم فحص المسدس بحثا عن أي خصائص غريبة. من وجهة نظره، بدا أنه مسدس خدمة عادي للغاية من النوع الذي كان شائعا في بريطانيا منذ الحرب مثل الساعات البندولية ذات الصندوق الخشبي. ولكن، كما قيل، أحب جرانت سماع ما ستقوله السلطات بشأن رجلها. لذا استقل سيارة أجرة وقضى بقية اليوم في مقابلة الأشخاص السبعة الذين كانوا بالقرب من الشخص المجهول عندما سقط الليلة السابقة.
عندما كانت سيارة الأجرة تتجول به ترك تفكيره يجول بشأن الموقف. لم يكن لديه أدنى أمل في أن يكون هؤلاء الأشخاص الذين أجرى معهم مقابلات ذوي فائدة له. لقد أنكروا جميعا أي معرفة بالرجل عند استجوابهم أول مرة، ولم يكن من المحتمل أن يغيروا رأيهم بشأن ذلك الآن. وأيضا، لو رأى أي منهم رفيقا للرجل الميت سابقا، أو لاحظ أي شيء مريب، لصاروا على أتم الاستعداد لقول ذلك. ووفقا لخبرة جرانت فإن 99٪ من الأشخاص يقدمون معلومات غير مفيدة إذا ما لزم المرء الصمت. مرة أخرى، قال الجراح إن الرجل تعرض للطعن قبل أن يلتفت إليه أحد، ولن يبقى أي قاتل بالقرب من ضحيته حتى يتم اكتشاف ما حدث. حتى مع احتمالية أن يخطر ببال القاتل ارتكاب خدعة، فإن فرص وجود صلة بينه وبين ضحيته كانت جيدة جدا للسماح للرجل العاقل - والرجل العازم على الحفاظ على نفسه عادة ما يكون حاذقا بدرجة كافية - بالانغماس فيها. لا، فالرجل الذي فعل ذلك قد ترك الصف في وقت سابق. يجب أن يجد شخصا لاحظ الرجل المقتول قبل وفاته ورآه يتحدث مع شخص ما. كان هناك، بالطبع، إمكانية مواجهة أنه لم يكن هناك محادثة، وأن القاتل قد اتخذ مكانا خلف ضحيته وتسلل بعيدا عندما انتهى الأمر. في هذه الحالة، كان عليه أن يعثر على شخص رأى رجلا يغادر الصف. وينبغي ألا يكون هذا أمرا صعبا. يمكن الاستعانة بالصحافة.
فكر بتكاسل في نوع الرجل الذي سيكون عليه. لم يستخدم أي رجل إنجليزي حذر مثل هذا السلاح. ولو استخدم الفولاذ بأي حال من الأحوال، فإنه سيأخذ شفرة حلاقة ويقطع عنق شخص. لكن سلاحه المعتاد كان الهراوة، وفي حالة فشل ذلك، كان المسدس. كانت هذه جريمة خطط لها ببراعة ونفذت بمهارة كانت غريبة على تفكير الرجل الإنجليزي المعتاد. أعلنت الأنوثة الطاغية بها عن شخص شامي، أو على أقل تقدير شخص اعتاد على عادات الحياة الشامية. ربما كان بحارا. ربما ارتكبها بحار إنجليزي اعتاد على موانئ البحر الأبيض المتوسط. ولكن حينها، هل كان من المحتمل أن يفكر البحار في أي شيء ماكر مثل صف الانتظار؟ كان من المرجح أن ينتظر في ليلة مظلمة وشارع منعزل. روعة الأمر كانت شامية. كان الرجل الإنجليزي مهووسا بالرغبة في الضرب. ولكن طريقة الضرب لم تكن تعنيه عادة.
جعل ذلك جرانت يفكر في الدافع، وظن أن الدوافع الأكثر وضوحا هي: السرقة، والانتقام، والغيرة، والخوف. استبعد الدافع الأول؛ فقد كان من الممكن أن يسرق متمرس خبير جيوب الرجل عدة مرات في مثل هذا الحشد، دون أي عنف يذكر. هل كان انتقاما أم غيرة؟ على الأرجح، كان الشاميون معروفين بضعفهم فيما يخص مشاعرهم؛ فيمكن لإهانة أن تثير استياءهم مدى الحياة، وابتسامة شاردة من محبوبهم، تفقدهم السيطرة على أنفسهم. هل فرق الرجل عسلي العينين - الذي كان بلا شك جذابا - بين الشامي وفتاته؟
من غير سبب، لم يعتقد جرانت ذلك. ولم يغفل لحظة عن هذا الاحتمال، لكنه لم يعتقد ذلك. بقي الخوف. هل كان المسدس المحشو بالكامل معدا للرجل الذي طعن ظهر المالك بتلك القطعة الفولاذية؟ هل كان القتيل ينوي إطلاق النار على الشامي بمجرد رؤيته، وهل عرف القاتل ذلك وعاش في رعب؟ أم أنه كان العكس؟ هل كان القتيل يحمل سلاحا للدفاع عن نفسه ولكن لم ينفعه ذلك؟ ولكن حينها سيكون هناك رغبة الرجل المجهول في إخفاء هويته. فمسدس محشو في هذه الظروف يعني الانتحار. ولكن إذا كان ينوي الانتحار فلماذا لم يؤجله حتى ذهابه إلى المسرحية؟ وما الدافع الآخر الذي حدا بالرجل إلى عدم الكشف عن هويته؟ هل هو خلاف مع الشرطة - اعتقال؟ هل كان ينوي إطلاق النار على شخص ما، وخوفا من عدم تمكنه من الهرب، جعل نفسه مجهول الاسم؟ كان ذلك واردا.
كان من الآمن إلى حد ما، على الأقل، افتراض أن الرجل الميت والرجل الذي سماه جرانت في ذهنه الشامي كانا يعرف أحدهما الآخر حق المعرفة بالقدر الكافي لإثارة أحدهما غضب الآخر. وكان جرانت لا يؤمن كثيرا بأن الجماعات السرية أصل جرائم القتل غير المعتادة. فالجماعات السرية تستمتع بالسرقة والابتزاز وكل الأساليب القذرة للحصول على شيء مقابل لا شيء، ونادرا ما يكون هناك أي شيء غير مألوف بشأنها، كما كان يعلم من تجارب مريرة. علاوة على ذلك، لا توجد جماعات سرية مثيرة للإعجاب في لندن في الوقت الحالي، وكان يأمل ألا تبدأ في الظهور. فالقتل حسب الطلب كان يصيبه بالملل الشديد. وما أثار اهتمامه هو إمكانية تلاعب العقل بالعقل، والعاطفة بالعاطفة. مثل الرجل الشامي والرجل المجهول. حسنا، يجب أن يبذل قصارى جهده لمعرفة هوية الرجل المجهول - وهذا من شأنه أن يوفر له معلومات عن الرجل الشامي. لماذا لم يطالب به أحد؟ ولكن هذا سابق لأوانه، بالطبع. قد يتعرفه شخص ما في أي لحظة. فبرغم كل شيء، لم يفتقده أهله إلا لليلة واحدة فقط، ولا يندفع الكثير من الناس لرؤية رجل مقتول لمجرد أن ابنهم أو أخاهم لم يعد إلى المنزل لليلة.
بصبر ومراعاة وعقل يقظ، أجرى جرانت مقابلات مع الأشخاص السبعة الذين كان قد عزم على رؤيتهم وجها لوجه. صحيح أنه لم يكن يتوقع تلقي معلومات منهم مباشرة، لكنه أراد أن يراهم بنفسه وأن يشكل رأيا عنهم. وجدهم جميعا يمارسون أعمالهم المختلفة باستثناء السيدة جيمس راتكليف، التي كانت طريحة الفراش ويرافقها الطبيب، الذي أعرب عن أسفه للصدمة العصبية التي ألمت بها. تحدثت شقيقتها - فتاة فاتنة ذات شعر عسلي - إلى جرانت. من الواضح أنها جاءت إلى قاعة الاستقبال وهي رافضة تماما فكرة السماح بدخول أي ضابط شرطة إلى شقيقتها في حالتها الحالية. كانت رؤية ضابط الشرطة في الواقع أمرا مذهلا حتى إنها نظرت مرة أخرى إلى بطاقته لاإراديا، وابتسم جرانت بداخله أكثر بقليل مما بدا عليه.
Неизвестная страница
قال معتذرا: «أعلم أنك تكرهين رؤيتي» كانت نبرة صوته حقيقية إلى حد ما «ولكني أتمنى أن تدعيني أتحدث مع شقيقتك لمدة دقيقتين فقط. يمكنك الوقوف خارج الباب ومعك ساعة إيقاف. أو يمكنك الدخول إذا أردت ذلك، بالطبع. لا يوجد شيء سري على الإطلاق فيما أريد أن أقوله لها. كل ما في الأمر أنني مسئول عن التحقيقات في هذه القضية، ومن واجبي رؤية الأشخاص السبعة الذين كانوا بالقرب من الرجل الليلة الماضية. سيساعدني بشدة إذا تمكنت من حذفهم جميعا من القائمة الليلة والبدء في مهام جديدة غدا. ألا ترين؟ إنها مجرد شكليات لكنها مفيدة للغاية.»
كما كان يأمل، أفلح هذا النوع من الجدل. فبعد قليل من التردد، قالت الفتاة: «دعني أذهب وأر ما إذا كان بإمكاني إقناعها.» لا بد أن تقريرها عن ملامح المفتش الفاتنة كان تقريرا ورديا؛ لأنها عادت في وقت أقل مما تجرأ على أمله وأخذته إلى غرفة شقيقتها، حيث أجرى مقابلة مع امرأة باكية أكدت أنها لم تلاحظ الرجل حتى سقط، وكانت عيناها الدامعتان تنظران إليه باستمرار بفضول مخيف. كان فمها مختبئا خلف منديل ظلت تضغط عليه. تمنى جرانت أن تزيحه لحظة. فقد كان لديه نظرية مفادها أن الأفواه تفشي الأسرار أكثر من العيون - عندما يتعلق الأمر بالنساء بالتأكيد. «هل كنت تقفين خلفه عندما سقط؟» «نعم.» «ومن كان بجانبه؟»
لم تستطع أن تتذكر. لم يكن أحد يهتم بشيء إلا بالدخول إلى المسرح، وعلى أي حال لم تلاحظ قط الأشخاص في الشارع.
قالت مرتجفة وهو يغادر: «أنا آسفة. أود أن أكون مفيدة إن استطعت. ما زلت أرى ذاك الخنجر، وسأفعل أي شيء لإلقاء القبض على الرجل الذي ارتكب الجريمة.» عندما خرج جرانت أبعدها عن تفكيره.
كان زوجها، الذي اضطر أن يسافر إلى المنطقة المالية بلندن من أجل لقائه - بإمكانه معرفة كل شيء من شرطة سكوتلانديارد، لكنه أراد أن يرى كيف كانوا يقضون وقتهم في اليوم الأول بعد جريمة القتل. قال إنه كان هناك قدر غير محدود من التدافع العنيف في الصف، عندما فتحت الأبواب؛ لذلك تغيرت علاقاتهم مع الأشخاص المحيطين بهم قليلا. وبقدر ما يتذكر، كان الشخص الواقف بجانب القتيل وأمامه هو شخصيا رجلا كان ضمن مجموعة من أربعة أفراد ودخل معهم. وقال، مثل زوجته، إنه لم ير الرجل بوعي حتى سقط.
وجد جرانت أن الخمسة الآخرين يتمتعون بالقدر ذاته من البراءة واللاجدوى. لم يلاحظ أحد الرجل. أذهل ذلك جرانت قليلا. كيف لم يره أحد؟ لا بد أنه كان هناك طوال الوقت. لا يشق المرء طريقه إلى رأس صف الانتظار دون جذب أكبر قدر من الاهتمام غير المريح. وحتى أكثر الأشخاص غفلة سيتذكرون ما رأته أعينهم حتى لو كانوا غير مدركين لما لاحظوه حينها. كان جرانت لا يزال في حيرة عندما عاد إلى مقر سكوتلانديارد.
هناك أرسل إشعارا إلى الصحافة يطلب من أي شخص رأى رجلا يغادر صف الانتظار التواصل مع شرطة سكوتلانديارد. وكذلك أرسل وصفا كاملا للرجل المتوفى، والتقدم المحرز في التحقيقات بالقدر الذي يمكن عرضه على الجمهور. ثم استدعى ويليامز وطلب منه بيانا بالمهمة التي كان مكلفا بها. أفاد ويليامز أنه قد صورت بصمات القتيل وفقا للتعليمات وأرسلت للتحقيق بشأنها، لكن الشرطة لم تتعرفه. ولم يعثر على بصمات مماثلة بين قوائم الأسماء. ولم يستطع خبير المسدسات العثور على أي شيء شخصي بشأن المسدس. ربما كان مستعملا، واستخدم كثيرا، وكان بالطبع سلاحا قويا للغاية.
قال جرانت باشمئزاز: «هاه! يا له من خبير!» وابتسم ويليامز.
وذكره: «حسنا، لقد قال إنه لا يوجد شيء مميز حياله.»
ثم أوضح أنه قبل أن يرسل المسدس إلى الخبراء، فحصه بحثا عن بصمات الأصابع، وقد وجد الكثير منها وقام بتصويرها. والآن ينتظر النتيجة.
Неизвестная страница
قال جرانت: «أحسنت»، وذهب لرؤية مفوض الشرطة حاملا نسخة بصمات أصابع الرجل الميت معه. وسلم باركر ملخصا عن أحداث اليوم دون الإدلاء بأي نظريات عن الأجانب تتجاوز ملاحظة أن هذه الجريمة كانت غير إنجليزية على الإطلاق.
قال باركر: «يا لها من أدلة قيمة غير مجدية تلك التي لدينا! كل شيء ما عدا الخنجر، وهذا أشبه بشيء ملفق أكثر من كونه جزءا من جريمة حقيقية.»
قال جرانت: «هذا ما أشعر به بالضبط.» وأضاف خارجا عن السياق: «أتساءل كم شخصا سينتظر في الصف الليلة في وفينجتون.»
فقدت البشرية إلى الأبد كيف كان يمكن لباركر التكهن بشأن الإجابة عن هذا السؤال الرائع بدخول ويليامز.
قال باقتضاب: «بصمات المسدس سيدي»، ووضعها على الطاولة. التقطها جرانت بدون حماس كبير وقارنها بالبصمات التي كان يحملها وهو شارد الذهن. بعد فترة وجيزة، تيبس على إثر اهتمام مفاجئ مثلما يتيبس المؤشر. كانت هناك خمس بصمات واضحة والعديد من البصمات غير المكتملة، لكن لم تكن البصمات المكتملة ولا البصمات الناقصة تخص القتيل. أرفق بالبصمات تقرير من القسم المختص بالبصمات. لم يكن هناك أثر لهذه البصمات في سجلاتهم.
عاد جرانت إلى غرفته، وجلس يفكر. ماذا يعني هذا الأمر، وما قيمة هذه المعلومة؟ ألم يكن المسدس ملكا للقتيل؟ ربما اقترضه؟ ولكن حتى لو كان اقترضه، فمن المؤكد أنه سيكون هناك بعض الدلائل التي تشير إلى أنه كان بحوزة القتيل. أم أن المسدس لم يكن في حوزته؟ هل دسه شخص آخر في جيبه؟ لكن لا يمكن للمرء أن يدس أي شيء بوزن مسدس الخدمة وحجمه في جيب رجل لا يعرفه. لا، ليس رجلا حيا، لكن كان من الممكن أن يتم ذلك بعد طعنه بالخنجر. لكن لماذا؟ لماذا؟ لم يتوصل إلى حل، وإن كان بعيد المنال. أخرج الخنجر من غمده، وفحصه من خلال المجهر، لكنه أدخل نفسه في حالة من فقدان الأمل. كان مجهدا. وكان يريد الخروج والمشي قليلا. فقد كانت الساعة قد تجاوزت الخامسة للتو. وكان يريد الذهاب إلى وفينجتون ليلتقي الرجل الذي كان يعمل حارسا في الصالة الليلة الماضية.
لقد كانت أمسية هادئة ذات سماء وردية، تلف لندن، بدرجات من اللون الأرجواني الضبابي. استنشق جرانت الهواء باستحسان. كان فصل الربيع على الأبواب. ففي حال تيسر له العثور على الشامي، سيتدبر أمر الحصول على إجازة - حتى لو كانت إجازة مرضية، إذا لم يستطع الحصول عليها بأي طريقة أخرى - ويذهب للصيد في مكان ما. إلى أين يذهب؟ يمكنك الحصول على أفضل صيد في المناطق الجبلية، لكن الرفقة تميل إلى أن تكون مملة بشكل مزعج. ربما كان سيذهب للصيد في نهر التيست - في ستوكبريدج. إن سمك السلمون المرقط ليس لطيفا، ولكن هناك حانة صغيرة دافئة، بها أفضل رفقة. وكان سيحصل على حصان يركبه هناك ومضمار سباق لينطلق به عليه. ما أجمل هامبشاير في الربيع !
لذا أخذ يفكر، وهو يسير بخفة بمحاذاة ضفة النهر، في أشياء بعيدة كل البعد عن الأمر الذي كان يشغل تفكيره آنذاك. والسبب في ذلك أن تلك كانت طريقة جرانت. فبينما كان شعار باركر: «فكر مليا في الأمر! فكر باستمرار فيه، نائما ومستيقظا، وستجد جوهر الموضوع الذي يهمك.» كان هذا صحيحا بالنسبة إلى باركر ولكن ليس لجرانت. تحجج جرانت ذات مرة أنه عندما يفكر في أمر ما مليا إلى هذا الحد، فإنه لا يستطيع التفكير في أي شيء سوى الألم الذي يشعر به في رأسه، وقد كان يعني ما يقول. فعندما كان يحيره شيء ما، وجد أنه إذا استمر في القلق بشأنه، لا يحرز أي تقدم، ويفقد حسه التقديري لأهمية الأشياء خلال ذلك. ومن ثم عندما وصل إلى طريق مسدود، انغمس فيما أسماه «إغماض عينيه» قليلا، وعند «فتحهما» مرة أخرى عادة ما يجد ضوءا جديدا على الأشياء يكشف عن زوايا غير متوقعة، ويجعل المشكلة القديمة اقتراحا جديدا تماما.
كان هناك عرض صباحي عصر ذلك اليوم في وفينجتون، لكنه وجد المسرح كالمعتاد تسوده حالة من الوحشة بالجزء الأمامي وكآبة قذرة بالجزء الخلفي. كان الحارس موجودا في المبنى، لكن لم يكن أحد متأكدا تماما من مكان وجوده. ففي وقت مبكر من المساء، كانت التزاماته كثيرة ومتنوعة، على ما يبدو. بعد عودة العديد من المبعوثين اللاهثين من جميع أنحاء المبنى مع تقارير مفادها أن «لا، يا سيدي، لا يوجد أثر له»، انضم جرانت نفسه في عملية البحث، وفي النهاية عثر على الرجل في ممر معتم خلف المسرح. عندما أوضح جرانت من هو وماذا يريد، عبر الرجل بفصاحة عن اعتزازه وحماسه. فقد كان معتادا على أن يكون بالقرب من الطبقة الأرستقراطية الموجودة بالمسرح، ولكن لم تكن لديه الفرصة كل يوم للتحدث بشكل ودي مع هذا الكائن المهيب بشدة، مفتش من إدارة التحقيقات الجنائية. كان يبتسم بابتهاج، ويغير باستمرار زاوية قبعته، ويلمس أوسمته بأصابعه، ويجفف كفيه بشكل عفوي، ومن الواضح تماما أنه كان سيقول إنه رأى قردا في صف الانتظار إذا كان ذلك سيسعد المفتش. تأوه جرانت بينه وبين نفسه، لكن جزءا بذاته هو الذي كان دائما يقف بمعزل عن كل ما يفعله - الجزء المشاهد منه الذي كان موجودا بوفرة لديه - كان ممتنا لشخصية هذا الرفيق. ومع توفير ذلك لمستقبل افتراضي وهو إحدى سمات المحقق المحترف، كان يودعه وداعا ودودا يسوده الكثير من عدم الجدوى، عندما قال صوت ساحر: «يا إلهي، إنه المفتش جرانت!» والتفت ليرى راي ماركابل بملابسها الأنيقة، كان واضحا أنها قاصدة غرفة ملابسها. «هل تبحث عن وظيفة؟ أخشى أنه لا يمكنك حتى الحصول على دور هامشي للغاية في هذه الساعة المتأخرة.» كانت ابتسامتها الصغيرة تضايقه ونظرت إليه عيناها الرماديتان بود من تحت جفنيها المتدليين. لقد التقيا العام السابق بسبب سرقة حقيبة أدوات زينة باهظة الثمن كانت واحدة من هدايا أكثر معجبيها ثراء، وعلى الرغم من أنهما لم يلتقيا مرة أخرى منذ ذلك الحين، فإنه من الواضح أنها لم تنسه. ورغما عن نفسه، كان يشعر بالإطراء - حتى عندما كان الجزء المشاهد منه على علم بذلك وكان يضحك. شرح مهمته في المسرح، وتلاشت الابتسامة من وجهها على الفور.
قالت: «آه، هذا المسكين!». وأضافت على الفور، واضعة يدها على ذراعه: «ولكن ثمة شيء آخر. هل كنت تطرح الأسئلة طوال وقت ما بعد الظهر؟ يجب أن يكون حلقك جافا جدا. تعال نحتس كوبين من الشاي معا في غرفتي. خادمتي هناك وستعدهما لنا. نحن نحزم الأمتعة، كما تعلم. إنه لأمر محزن للغاية بعد كل هذا الوقت الطويل.»
Неизвестная страница
أرشدته إلى غرفة تبديل الملابس الخاصة بها، مكان نصفه محاط بالمرايا والنصف الآخر بخزائن ملابس، وبدا أشبه بمتجر لبيع الزهور أكثر من أي غرفة مصممة لسكنى آدمي. وأشارت بيدها إلى الزهور. «شقتي لن تستوعب أكثر مما استوعبت؛ لذا عليها أن تبقى هنا. كان القائمون على المستشفيات مهذبين للغاية، لكنهم قالوا بحزم إنهم لديهم ما يكفيهم. وربما لا يمكنني أن أقول «ممنوع الزهور»، كما يفعلون في الجنازات، من غير أن أجرح مشاعر الناس.»
قال جرانت: «إنه الشيء الوحيد الذي يمكن لمعظم الناس فعله.»
قالت: «أوه، نعم، أعلم ذلك. أنا لست ناكرة للجميل. فقط تغمرني المشاعر.»
عندما أصبح الشاي جاهزا، سكبت له كوبا، وقدمت الخادمة بسكويتا ناعما محفوظا في علبة قصدير. وبينما كان يقلب الشاي الخاص به وكانت تسكب لنفسها، أرسل إليه عقله رجفة مفاجئة، مثلما يكز راكب عديم الخبرة فم حصانه عندما يجفل. كانت عسراء!
قال لنفسه باشمئزاز: «يا إلهي! ليست المسألة أنك تستحق إجازة، بل أنك بحاجة إليها. ماذا أردت من التشديد على تصريح مثل هذا؟ كم عدد الأشخاص الذين يستخدمون اليد اليسرى برأيك في لندن؟ يتنامى لديك أشد أنواع القلق غرابة.»
لكسر حاجز الصمت ولأنه كان أول ما يخطر بباله، قال: «أنت عسراء.»
قالت بلا مبالاة، كما يستحق الموضوع: «نعم»، وأخذت تسأله عن تحقيقاته. أخبرها بقدر ما سيظهر في صحافة الغد ووصف الخنجر لأنه أكثر جوانب القضية إثارة للاهتمام. «المقبض فضي صغير عليه صورة قديس وزخارف مطلية بالمينا باللونين الأزرق والأحمر.»
ظهر شيء ما فجأة في عيني راي ماركابل الهادئتين.
قالت لاإراديا: «ماذا؟»
كان على وشك أن يقول: «هل رأيت واحدا مثله؟» لكنه غير رأيه. كان يعلم في الحال أنها ستقول لا، وأنه كان سيتنازل عن حقيقة إدراكه لوجود شيء كان يجب أن يكون على علم به. كرر الوصف فقالت: «قديس! يا له من أمر غريب! وغير مناسب! ومع ذلك، في مهمة كبيرة مثل الجريمة، أفترض أنك تريد مباركة شخص ما.»
Неизвестная страница
مدت يدها اليسرى بهدوء ولطف لأخذ كوبه، وبينما كانت تعيد ملئه، شاهد رسغها الثابت وسلوكها غير العاطفي وتساءل عما إذا كان هذا أيضا يمكن أن يكون غير معقول من جانبه.
قالت ذاته الأخرى: «بالتأكيد لا. ربما تعاني من نوبات تمييز في أماكن غريبة، لكنك لم تصل إلى مرحلة تخيل الأشياء بعد.»
ناقشا أحوال أمريكا، التي يعرفها جرانت جيدا والتي كانت على وشك زيارتها للمرة الأولى، وعندما غادر كان ممتنا لها بصدق على الشاي. نسي كل شيء عن الشاي. والآن لا يهم كم تأخر موعد تناوله العشاء. ولكن أثناء خروجه، طلب قداحة لسيجارته من الحارس، وفي إطار انطلاق آخر للثرثرة وحسن النية، علم أن الآنسة ماركابل كانت في حجرة ملابسها من الساعة السادسة مساء اليوم السابق حتى ذهاب خادم المسرح لاستدعائها قبل أول ظهور لها. قال وهو يرفع حاجبه بطريقة شديدة الإيحاء أن اللورد لاسينج كان هناك.
ابتسم جرانت وأومأ برأسه وذهب بعيدا، لكن بينما كان في طريق عودته إلى سكوتلانديارد، لم يكن يبتسم. ما الذي ظهر على الفور في عيني راي ماركابل؟ لم يكن خوفا. لا، هل كان إدراكا؟ نعم، كان كذلك. إدراك على أغلب الظن.
الفصل الثالث
داني ميلر
فتح جرانت عينيه ونظر إلى سقف غرفة نومه متأملا. في الدقائق القليلة الماضية، كان يقظا من الناحية الفنية، لكن عقله، الذي كان لا يزال مشوشا من تأثير النوم ويعي برودة الصباح البغيضة، منعه من التفكير. ولكن على الرغم من أن جزء التفكير منه لم يكن قد تيقظ بعد، فقد ازداد إدراكا لعدم ارتياحه العقلي. شيء مزعج كان بانتظاره. شيء مزعج للغاية. بددت القناعة المتزايدة نعاسه، وفتحت عيناه على السقف المجدول بأشعة الشمس المبكرة وظلال شجرة من أشجار الدلب؛ وعلى إدراك الإزعاج. تلك كانت صبيحة اليوم الثالث من تحقيقاته، يوم الاستجواب، ولم يكن لديه ما يعرضه على الطبيب الشرعي. لم يكن لديه حتى أثر ليتعقبه.
عادت أفكاره إلى أمس. في الصباح، كان الرجل الميت لا يزال مجهول الهوية؛ لذا أعطى ويليامز ربطة عنقه، حيث كانت أحدث وأكثر شيء شخصي له، وأرسله للبحث بدقة في لندن. اشتريت ربطة العنق، مثل بقية ملابس الرجل، من فرع شركة متعددة الفروع، وكان هناك أمل ضئيل في أن يتذكر أي مساعد متجر الشخص الذي باع ربطة العنق له. وحتى لو فعل ذلك، لم يكن هناك ما يضمن أن الرجل الذي تذكره هو رجلهم. لا بد أن فيث بروذرز قد باعوا العديد من ربطات العنق بالنمط ذاته في لندن وحدها. ولكن كانت هناك دائما تلك الفرصة الغريبة الأخيرة، وكان جرانت قد رأى الكثير من الفرص الغريبة غير المتوقعة بحيث لا يهمل أي طريق للاستكشاف. عندما كان ويليامز يغادر الغرفة خطرت له فكرة. وكان أول ما خطر بباله أن الرجل كان بائعا في شركة ملابس. ربما لم يشتر أغراضه من متجر. ربما كان يعمل لدى فيث بروذرز. قال لويليامز: «اكتشف ما إذا وظف أي فرع من الفروع مؤخرا أي شخص يطابق وصف القتيل. إذا رأيت أو سمعت أي شيء مثير للاهتمام على الإطلاق - سواء كنت تعتقد أنه مهم أو لا - فأعلمني به.»
بعدما ترك بمفرده، تصفح صحافة الصباح. لم يزعج نفسه بالروايات المختلفة لجريمة القتل التي وقعت في الصف، ولكنه فحص بقية الأخبار بعناية؛ بدءا بعمود الرسائل الشخصية. ومع ذلك، لم يجب أي منها عن تساؤلاته. وتسببت صورة له بعنوان «المفتش جرانت، المسئول عن التحقيقات الخاصة بجريمة القتل الواقعة في الصف»، في تجهمه. وقال بصوت عال: «حمقى!» ثم شرع بعد ذلك في تجميع ودراسة قائمة بالأشخاص المفقودين مرسلة من جميع مراكز الشرطة في بريطانيا. فقد خمسة شبان من أماكن مختلفة، وربما تتطابق أوصاف أحدهم، الذي فقد من بلدة صغيرة بدورهام، مع أوصاف القتيل. وبعد انتظار طويل، نجح جرانت في التحدث عبر الهاتف إلى شرطة دورهام، فقط لمعرفة أن الرجل المفقود كان في الأصل عامل منجم وكان، في رأي مفتش مركز شرطة دورهام، رجلا قويا. ولا ينطبق وصف «عامل منجم» ولا «رجل قوي» على الرجل الميت.
كان الوقت المتبقي من الصباح مليئا بالأعمال الروتينية - تسوية الأمور الخاصة بالاستجواب والإجراءات الشكلية الضرورية. بحلول وقت تناول الغداء، اتصل به ويليامز هاتفيا من أكبر فرع لفيث بروذرز في شارع ستراند. كان قد قضى صباحا حافلا ولكن دون جدوى. لم يتذكر أحد مثل هذا المشتري فحسب، بل لم يتذكر أحد حتى بيع ربطة عنق مثل هذه. لم تكن ربطة العنق هذه واحدة من المجموعة المتوفرة في متاجرهم مؤخرا. وقد جعله ذلك يرغب في الحصول على مزيد من المعلومات حول ربطة العنق ذاتها ، وذهب إلى المقر الرئيسي وطلب مقابلة المدير، الذي شرح له الموقف. اقترح المدير الآن أنه إذا سلمه المفتش ربطة العنق بعض الوقت، فسيرسلها إلى مصنعهم في نورثوود، حيث يمكن إعداد قائمة بوجهة جميع شحنات ربطات العنق هذه خلال العام الماضي، على سبيل المثال. سعى ويليامز الآن للحصول على إذن لتسليم ربطة العنق إلى المدير.
Неизвестная страница
وافق جرانت على تصرفه، وعلى الرغم من أنه كان يثني داخليا على الفطرة السليمة لدى ويليامز - حيث كان الكثير من الرقباء سيتجولون في لندن؛ لأن هذا ما قيل لهم وهذا واجبهم - لم يكن متفائلا كثيرا بسبب كثرة فروع فيث بروذرز في جميع أنحاء اسكتلندا وإنجلترا. ومع ذلك، تقلصت الاحتمالات قليلا عندما جاء ويليامز بشرح أوفى. يبدو أن ربطات العنق من هذا القبيل كانت تباع في علبة بها ست ربطات عنق، كل ربطة في العلبة بلون مختلف على الرغم من أنها عادة ما تكون بنمط الألوان ذاته. كان من غير المحتمل أن يكون قد أرسل أكثر من ربطة عنق واحدة، أو اثنتين على الأكثر، من اللون ذاته للعينة الخاصة بهم إلى أي فرع. لذلك كان هناك أمل أكبر في أن يتذكر البائع العميل الذي اشتراها أكثر مما كان سيئول إليه الوضع لو كانت ربطة العنق مجرد واحدة من علبة كلها باللون ذاته. استمع الجزء المحقق من جرانت باستحسان بينما ابتسم الجزء المشاهد على طلاقة الرقيب في مصطلحات المهنة. أضافت نصف ساعة مع مدير فيث بروذرز دررا فنية مدهشة لكلمات الرقيب البسيطة المعتادة وعباراته. فقد تحدث بعفوية عن «الخطوط والموديلات المكررة» وأشياء عميقة مماثلة، بحيث تجسد أمام جرانت في تليفزيون غريب صورة حية للمدير ذاته. لكنه كان ممتنا لويليامز وقال له ذلك. كان ذلك جزءا من جمال جرانت؛ فهو لم ينس أن يعبر عن سروره.
فيما بعد الظهر، وبعد أن فقد الأمل في معرفة أي شيء آخر، أرسل الخنجر إلى المختبر لتحليله. وقال: «أخبرني بأي شيء تعثر عليه بشأنه»؛ وفي الليلة الماضية عندما غادر كان لا يزال ينتظر الرد. الآن مد ذراعه في الهواء البارد وأمسك بالهاتف. وعندما حصل على الرقم الذي طلبه، قال: «معك المفتش جرانت. هل هناك أي تطورات؟»
لا، لم تكن هناك أي تطورات. شاهد شخصان الجثة الليلة الماضية - شخصان منفصلان - لكن لم يتعرفه أي منهما. نعم، أخذت أسماؤهما وعناوينهما وهي موجودة الآن على مكتبه. كان هناك أيضا تقرير من المختبر.
قال جرانت: «جيد!»، وعلق سماعة الأذن على الخطاف، وقفز من فراشه؛ لقد تبدد إحساسه بحدوث أمر سيئ في ضوء صفاء ذهنه. أثناء حمامه البارد، كان يصفر، وطوال الوقت الذي كان يرتدي فيه ملابسه، كان يصفر، حتى قالت صاحبة المنزل لزوجها، الذي كان يغادر للحاق بحافلة الساعة الثامنة: «أعتقد أنه لن يمضي وقت طويل حتى يلقى القبض على ذلك الفوضوي الشنيع.» إن مصطلحي «فوضوي» و«قاتل» كانا مترادفين بالنسبة إلى السيدة فيلد. ربما لم يكن جرانت نفسه ليصوغها بتفاؤل شديد هكذا، لكن فكرة ذلك الطرد المغلق المنتظر على مكتبه كانت بالنسبة إليه مثل كيس الألعاب لصبي صغير. قد يكون شيئا لا أهمية له وقد يكون ذا قيمة كبيرة. لاحظ نظرة السيدة فيلد اللطيفة وهي تعد فطوره، وكان مثل طفل صغير عندما قال لها: «هذا يوم سعدي، هل تعتقدين ذلك؟» «لا أعرف شيئا عن الحظ، سيد جرانت. لا أعرف إذا ما كنت أومن به. لكنني أومن بالعناية الإلهية. ولا أعتقد أن العناية الإلهية ستسمح لشاب لطيف مثل هذا أن يطعن حتى الموت ولن تقدم المذنب إلى العدالة. ثق في الرب، سيد جرانت.» «وإذا كانت الأدلة ضعيفة للغاية، فإن الأمور بيد الرب وإدارة التحقيقات الجنائية»، أخطأ جرانت في الاقتباس منها وهجم على لحم الخنزير المقدد والبيض. تباطأت لحظة وهي تراقبه، وهزت رأسها بلطف ينتابه ريبة، وتركته يتصفح الجرائد وهو يمضغ الطعام.
في طريقه إلى المدينة، شغل نفسه بالتفكير في مشكلة عدم التعرف على هوية الرجل، الأمر الذي كان سيصبح أكثر إثارة للدهشة عما قريب. صحيح أن لندن تتخلى كل عام عن عدد قليل من الأشخاص الذين لا يطالب بهم أحد لمدة يوم أو اثنين ثم يختفون في قبور الفقراء. لكنهم جميعا - إما كبار سن أو معدمون أو كلاهما - حثالة المدينة، الذين ينبذهم أقاربهم وأصدقاؤهم قبل وفاتهم بوقت طويل؛ ولذا، عندما تأتي نهايتهم، لا يعرفون أي شخص قد يروي قصتهم. في جميع تجارب جرانت، لم يبق أحد من هذا النوع من الموتى - الرجل الذي كان لديه دائرة معارف عادية إن لم يكن أكثر من ذلك - مجهول الهوية. حتى لو كان قرويا أو أجنبيا - ولم يعتقد جرانت أنه كذلك؛ فقد كان مظهر الرجل بأكمله قد أعلن عن أنه لندني - لا بد أن له مسكنا في لندن أو بالقرب منها؛ فندقا، أو غرفة مستأجرة، أو ناديا، هو الآن متغيب عنه. ومن المؤكد أن مناشدات الصحافة بضرورة إبلاغ سكوتلانديارد بحقيقة الشخص المفقود دون تأخير حتما ستدفع شخصا ما للإبلاغ عنه.
إذن، بالتسليم بأن الرجل كان من سكان لندن - كما آمن جرانت بشدة - لماذا لم يحضر أهله أو مالك العقار؟ من الواضح، إما لأن لديهم سببا للاعتقاد بأن الرجل الميت رجل حقير، أو لأنهم هم أنفسهم لا يرغبون في جذب انتباه الشرطة. هل هي عصابة؟ عصابة تتخلص من عضو غير مرغوب فيه؟ لكن العصابات لم تنتظر حتى يقف ضحيتهم في صف قبل الاستغناء عن خدماته. لقد كانوا يختارون طرقا أكثر أمانا.
إلا إذا - نعم، ربما كان ذلك عقابا وتحذيرا في آن واحد. فالجريمة كانت تشتمل على العديد من الإيحاءات - السلاح، ضرب الضحية أثناء وجودها في مكان من المفترض أن يكون آمنا، التبجح الكامل بالجريمة. لقد قضى على المرتد وأرهب الناجين في الوقت ذاته. وكلما فكر في هذا الأمر، بدا أنه تفسير معقول للغموض. لقد رفض فكرة الجماعة السرية وما زال يرفضها. فانتقام جماعة سرية لن يمنع أصدقاء الرجل من الإبلاغ عن فقدانه والمطالبة به. لكن العضو المتخلف عن عصابة - كان ذلك شيئا مختلفا. في هذه الحالة، سيعرف جميع أصدقائه أو يخمنون طريقة وفاته وسببها، ولن يكون أي منهم غبيا بما يكفي للحضور .
عندما وصل جرانت إلى سكوتلانديارد، كان منشغلا بالتفكير في مختلف عصابات لندن التي ازدهرت في الوقت الحالي. وكانت عصابة داني ميلر هي العصابة المهيمنة، بلا شك، وكانت كذلك بعض الوقت. لقد مرت ثلاث سنوات منذ أن دخل داني مقر الشرطة، ولو أنه لم يرتكب خطأ جسيما، لطالت مدة عدم دخوله. لقد جاء داني من أمريكا بعد أن قضى عقوبته الثانية بتهمة السطو، وجلب معه عقلا ذكيا، وإيمانا بالمنظومة وهو ما يعد شيئا معتادا لدى الأمريكيين - فاللصوص البريطانيون ذوو طبيعة فردية - كما جلب معه احتراما تاما لأساليب الشرطة البريطانية. كانت النتيجة أنه على الرغم من أن أتباعه يخطئون من حين لآخر ويقضون عقوبات قصيرة بسبب إهمالهم، إلا أن داني كان حرا طليقا وناجحا - ناجحا للغاية لدرجة أعجبت بها إدارة التحقيقات الجنائية. الآن، كان يتمتع داني بكل القسوة التي يتعامل بها المحتال الأمريكي مع العدو. كان من عادته استخدام المسدس، لكنه لن يفكر في غرس خنجر في رجل أكثر مما يفكر في ضرب الذبابة التي أزعجته. فكر جرانت في دعوة داني ليأتي ويقابله. في هذه الأثناء كان هناك الطرد على طاولته.
فتحه بشغف وانتقل إلى الشيء البارز متخطيا بفارغ الصبر النقاط غير المهمة المملة إلى حد ما التي كانت في البداية - فقد كان بريثرتون من الجانب العلمي يميل إلى أن يكون متعصبا لرأيه مغرورا؛ فإذا أرسلت له قطة شيرازي لكتابة تقرير عنها، فسيملأ الورقة الأولى الفولسكاب بالإقرار بأن شعرها كان رماديا وليس مزيفا. قال بريثرتون إن هناك بقعة دم فوق تقاطع المقبض مع النصل لم تكن مثل الدم على النصل. كانت القاعدة التي وقف عليها القديس مجوفة ومكسورة من جانب واحد. كان الكسر مجرد شرخ لم ينفرج، وكان بالكاد مرئيا بسبب بقعة الدم. ولكن عندما تم الضغط على السطح، رفعت إحدى حواف الشرخ الخشن قليلا فوق الأخرى. أثناء إمساك القاتل للأداة، انفرج الشرخ في المعدن بما يكفي لإصابة يده. سيعاني الآن من جرح محزز في مكان ما في سبابة اليد اليسرى من ناحية الإبهام، أو في الإبهام من ناحية السبابة.
يعتقد جرانت أن الأمور جيدة حتى الآن، لكن لا يمكن للمرء أن يغربل لندن بحثا عن رجل أعسر بيد مجروحة ويقبض عليه بسبب ذلك. أرسل بطلب ويليامز.
Неизвестная страница
سأل: «هل تعرف أين يعيش داني ميلر الآن؟».
قال ويليامز: «لا يا سيدي، لكن باربر سيعرف. لقد جاء من نيوبري الليلة الماضية، وهو يعرف كل شيء عن داني.» «حسنا، اذهب واعرف منه. لا، من الأفضل أن ترسل لي باربر.»
عندما جاء باربر - رجل طويل وبطيء ذو ابتسامة هادئة ومضللة - كرر سؤاله.
قال باربر: «داني ميلر؟ نعم، لديه شقة في منزل في شارع آيمبر، بيمليكو.» «أوه؟ لقد كان هادئا جدا مؤخرا، أليس كذلك؟» «هذا ما فكرنا فيه، لكنني أعتقد أن سرقة الجواهر التي ينشغل بها ساكنو جوبريدج الآن هي من فعل داني.» «اعتقدت أنه متخصص في سرقة البنوك.» «نعم، لكن لديه «اهتمام» جديد. ربما يريد المال.» «أفهم قصدك. هل تعرف رقم هاتفه؟»
كان باربر يعرف رقم هاتفه.
بعد ساعة، أبلغ داني، الذي كان يأخذ حماما متأنيا وشاملا في الغرفة في شارع آيمبر، أن المفتش جرانت يريد بشدة أن يجري حديثا قصيرا معه في سكوتلانديارد.
فحصت عينا داني الحذرتان الرماديتان الشاحبتان شرطي التحري بزي المدني الذي نقل الرسالة. قال: «إذا كان يعتقد أن لديه أي دليل إدانة لأحدهم، فعليه أن يراجع نفسه.»
لم يعتقد شرطي التحري أن المفتش كان يريد منه شيئا سوى بعض المعلومات. «أوه! وفيم يحقق المفتش حاليا؟»
لكن شرطي التحري إما أنه لا يعرف وإما أنه لن يقول.
قال داني: «حسنا. سأذهب في الحال.»
Неизвестная страница
عندما قاده شرطي بدين إلى مكان جرانت، أشار داني، الذي كان صغيرا ونحيفا، إلى الشخص المغادر برجة رأس خلفية ورفع حاجبه بشكل هزلي. قال: «نادرا ما يتكبد أحد عناء الإعلان عن حضوري.»
قال جرانت مبتسما: «لا، يتم الإعلان عن حضورك عادة بعد مغادرتك، أليس كذلك؟» «أنت ذكي أيها المفتش. لم يكن علي أن أظن أنك بحاجة إلى أي شخص ينشط ذاكرتك. أنت لا تعتقد أن لديك أي دليل ضدي، أليس كذلك؟» «لا على الإطلاق. اعتقدت أنك قد تكون مفيدا لي بعض الشيء.» «أنت بالتأكيد تجاملني.» كان من المستحيل معرفة متى يكون ميلر جادا أو خلاف ذلك. «هل عرفت من قبل رجلا بمثل هذه الأوصاف؟» بينما كان يصف بالتفصيل الرجل المقتول، كانت عينا جرانت تفحصان داني، وكان دماغه مشغولا بما تراه عيناه. القفازان. كيف يمكنه إزالة القفاز عن يد داني اليسرى دون أن يطلب ذلك عمدا؟
عندما وصل إلى نهاية وصفه، الذي كان مفصلا ويذكر حتى اعوجاج إصبع القدم للداخل، قال داني بأدب: «إنه الرجل الذي قتل في الصف. لا، أنا آسف جدا لتخييب ظنك، أيها المفتش، لكنني لم أر الرجل قط في حياتي.» «حسنا، أعتقد أنه ليس لديك أي اعتراضات على المجيء معي وإلقاء نظرة عليه؟» «ليس لدي أي اعتراض إذا كان هذا سيريح عقلك، أيها المفتش. سأفعل أي شيء تريده.»
وضع المفتش يده في جيبه وأخرجها مليئة بالقطع النقدية، كما لو كان يتأكد من وجود فكة معه قبل الانطلاق. انزلقت قطعة قيمتها ستة بنسات من بين أصابعه وتدحرجت بسرعة عبر السطح الأملس للطاولة باتجاه ميلر، واندفعت يد ميلر بشكل مفاجئ حيث كانت القطعة النقدية على وشك السقوط من حافة الطاولة على الأرض. تحسسها لحظة بيده المغطاة بالقفاز ثم وضعها على الطاولة.
علق بصوته اللطيف المنخفض: «يا لها من أشياء تافهة». لكنه استخدم يده اليمنى ليوقفها.
بينما كانا يقودان السيارة متجهين إلى المشرحة، التفت إلى المفتش وهو يطلق زفيرا يكاد يكون غير مسموع ويحل محل ضحكه. قال: «أعتقد أنه إذا رآني أي من رفاقي الآن، فسيتجهون جميعا نحو ساوثهامبتون في غضون خمس دقائق ولن ينتظروا حزم أمتعتهم.»
قال جرانت: «حسنا، سنحزم أمتعتنا - في طريق العودة.» «لقد تمكنتم منا جميعا بهذه الطريقة، أليس كذلك؟ هل تراهن على هذا؟ سأدفع لك خمسة دولارات لكل دولار - لا، جنيه - خمسة جنيهات لكل جنيه إذا لم تقبض على أحد منا لمدة عامين. ألن تقبل بذلك ؟ حسنا، أعتقد أنك حكيم.»
عندما رأى ميلر وجها لوجه جثة الرجل المقتول، لم تستطع عينا جرانت المتلهفتان أن تستشفا أي تعبير على هذا الوجه الصخري. تفقدت عينا داني الرماديتان اللطيفتان ملامح الرجل الميت في لامبالاة وقليل من الاهتمام. وكان جرانت يعلم بالتأكيد أنه حتى لو عرف ميلر الرجل، فإن أمله في إيماءة أو تعبير خائن كان عبثا.
كان داني يقول: «لا لم أر الرجل في ...» ثم توقف. كان هناك وقفة طويلة. قال: «أعتقد أنني رأيته! أوه، يا إلهي، دعني أفكر! أين كان ذلك؟ أين كان ذلك؟ انتظر لحظة، وسوف أتذكر.» ضرب وشما محموما على جبهته بكفه المغطاة بالقفاز. فكر جرانت فيما كان هذا تمثيلا. يا له من تمثيل جيد، لو كان الأمر كذلك. ولكن حينها لن يرتكب ميلر خطأ التمثيل على نحو سيئ. «أوه، يا إلهي، لا يمكنني التذكر! تحدثت معه أيضا. لا أعتقد أنني عرفت اسمه من قبل، لكنني متأكد من أنني تحدثت معه.»
في النهاية، تخلى جرانت عن الأمر - فقد كان أمامه الاستجواب - لكنه كان أكثر مما فعل داني ميلر. كان لا يمكنه تحمل حقيقة أن ذاكرته قد خانته والغضب يملأ عينيه. ظل يقول: «لم يحدث قط أن نسيت شخصا. اللهم إلا بقدر ما تنسى «الثيران».»
Неизвестная страница
قال جرانت: «حسنا، يمكنك التفكير مليا في الأمر والاتصال بي. في غضون ذلك، هلا تفعل شيئا آخر من أجلي؟ ... هلا تخلع قفازيك؟»
ضاقت عينا داني فجأة. وقال: «ماذا يدور في بالك؟». «حسنا، ليس هناك أي سبب يمنعك من خلعهما، أليس كذلك؟»
قال داني غاضبا: «كيف يمكنني معرفة ذلك؟»
قال جرانت بلطف: «اسمع، لقد أردت مقامرة قبل دقيقة. حسنا، هاك واحدة. إذا خلعت قفازيك، فسأخبرك ما إذا كنت قد فزت أم لا.» «وإذا خسرت؟» «حسنا، ليس لدي أي مذكرة، كما تعلم.» وابتسم جرانت بكل بساطة في عينيه الثاقبتين اللتين كانتا تحدقان به.
رفع داني جفنيه. وعادت لامبالاته القديمة. وخلع قفازه الأيمن ومد يده. نظر جرانت إليها وأومأ. ثم خلع قفازه الأيسر ومد يده ، وأثناء فعله ذلك عادت يده اليمنى إلى جيب معطفه.
كانت اليد اليسرى المبسوطة أمام عيني جرانت نظيفة وخالية من الجروح.
قال جرانت: «لقد فزت يا ميلر. أنت ذو روح رياضية.» واختفى الانتفاخ الطفيف في جيب معطف داني الأيمن.
قال جرانت وهما يغادران: «ستخبرني في اللحظة التي تتذكر فيها، أليس كذلك؟» ووعده ميلر.
قال: «لا تقلق. أنا لا أترك ذاكرتي تخونني وتنجو بفعلتها.»
وشق جرانت طريقه لتناول الغداء وإجراء الاستجواب.
Неизвестная страница
بعد أن أنهى أعضاء هيئة المحلفين بسرعة وباشمئزاز مهمة رؤية الجثة، استقروا في أماكنهم مدركين أهميتهم ومتصنعين التواضع، تلك الطريقة التي تنتمي إلى أولئك الذين بصدد لغز غامض. كان حكمهم مؤكدا بالفعل؛ ومن ثم لم يكونوا بحاجة إلى القلق بشأن الأمور الصحيحة أو الخاطئة في القضية. كان بإمكانهم الانغماس بالكامل في المهمة الرائعة المتمثلة في سماع كل شيء عن أكثر جرائم القتل شيوعا اليوم من شفاه شهود العيان. تفحصهم جرانت بسخرية، وشكر الآلهة على أن لا قضيته ولا حياته تعتمد على ذكائهم. ثم نسي أمرهم وانغمس في كوميديا الشهود المضحكة. كان من الغريب مقارنة الأشياء المقيتة التي خرجت من شفاههم بالكوميديا اللطيفة التي قدموها. لقد كان يعرفهم جيدا الآن، وقد تصرفوا جميعا بشكل ممتع للغاية كما كان متوقعا. كان هناك الشرطي المناوب في طابور صف وفينجتون، متأنقا ولامعا، تلمع جبهته المتعرقة قليلا أكثر من أي شيء آخر؛ دقيقا في تقريره وممتنا للغاية بدقته. وكان هناك جيمس راتكليف، صاحب المنزل النموذجي، الذي يكره شعبيته غير المتوقعة، ويتمرد على ارتباطه بمثل هذه القضية البغيضة، لكنه مصر على أداء واجبه كمواطن. لقد كان من أكثر الحلفاء فائدة للقانون، وقد أدرك المفتش الحقيقة وحياه بداخله على الرغم من حقيقة أنه لم يكن مفيدا. قال إن الانتظار في الصفوف يصيبه بالملل، وما دام الضوء جيدا بما يكفي فإنه يقرأ حتى تفتح الأبواب ويصبح الضغط أكبر من أن يفعل أي شيء سوى الوقوف.
وكانت هناك زوجته التي رآها المفتش آخر مرة تبكي في غرفة نومها. كانت لا تزال تمسك منديلا، ومن الواضح أنها تتوقع أن يتم تشجيعها وتهدئتها بعد كل سؤالين. وقد خضعت لاستجواب أطول من أي استجواب آخر. فقد كانت هي التي وقفت خلف القتيل مباشرة.
قال الطبيب الشرعي: «هل علينا أن نفهم، سيدتي، أنك وقفت على مقربة من هذا الرجل لمدة ساعتين تقريبا ومع ذلك لا تتذكرينه أو تتذكرين رفاقه، إن وجدوا؟» «لكنني لم أكن بجانبه طوال ذلك الوقت! أقول لك إنني لم أره حتى سقط عند قدمي.» «إذن من كان أمامك معظم الوقت؟» «لا أتذكر. أعتقد أنه كان صبيا ... شابا.» «وماذا حدث للشاب؟» «لا أعرف.» «هل رأيته يترك الصف؟» «لا.» «هل يمكنك أن تصفيه؟» «نعم، كانت بشرته داكنة ذات ملامح أجنبية، إلى حد ما.» «هل كان بمفرده؟» «لا أعرف. لا أعتقد ذلك، بطريقة أو بأخرى. أعتقد أنه كان يتحدث إلى شخص ما.» «كيف لا تتذكرين بوضوح أكبر ما حدث قبل ثلاث ليال فقط؟»
قالت إن الصدمة أخرجت كل شيء من رأسها. وأضافت بعدما تحجر عمودها الفقري الجيلاتيني فجأة بسبب ازدراء الطبيب الشرعي الواضح: «علاوة على ذلك، في الصف، لا يلاحظ المرء الأشخاص بجواره. كنت أنا وزوجي نقرأ معظم الوقت.» وانتابتها نوبة بكاء هستيري.
ثم كانت هناك المرأة البدينة، التي كانت تتألق بفستان من الساتان الأسود، وقد تعافت الآن من الصدمة والنفور اللذين ظهرا عليها في لحظة القتل المزدحمة، وأصبحت على أتم الاستعداد لسرد روايتها. كان هناك رضا لا يتزعزع عن دورها، يشع من وجهها الأحمر الممتلئ وعينيها البنيتين اللتين تشبهان أزرار الأحذية. بدت محبطة عندما شكرها الطبيب الشرعي وصرفها في منتصف حديثها.
كان هناك رجل قصير وديع، دقيق مثل الشرطي، لكنه مقتنع بوضوح بأن الطبيب الشرعي لا يتمتع بالكثير من الذكاء. عندما قال ذلك الموظف الذي طالت معاناته: «نعم، كنت على علم بأنه عادة ما يقف اثنان كل بجوار الآخر في الصفوف»، سمحت هيئة المحلفين لأنفسها بالضحك بصوت منخفض وبدا الرجل القصير الوديع متألما. ونظرا إلى أنه لا هو ولا الشهود الثلاثة الآخرون من الصف يمكنهم تذكر القتيل، أو إلقاء أي ضوء على أي خروج من الصف، فقد صرفوا بقليل من الاهتمام.
أخبر الحارس، مشوشا بسعادته لكونه مفيدا للغاية، الطبيب الشرعي أنه رأى الرجل الميت من قبل - عدة مرات. وأنه قد جاء كثيرا إلى وفينجتون. لكنه لم يكن يعرف شيئا عنه. وكان دائما يرتدي ملابس أنيقة. لا، لم يستطع الحارس أن يتذكر أي رفيق، رغم أنه كان على يقين من أن الرجل لم يكن بمفرده عادة.
أحبطت جرانت أجواء العبث التي اتسم بها الاستجواب. رجل لم يصرح أحد بمعرفته، طعنه في ظهره شخص لم يره أحد. كان أمرا مثيرا بحق. لا يوجد دليل على القتل سوى الخنجر، وهذا لا يخبرنا سوى أن الرجل أصيب بندبة على أحد أصابعه أو إبهامه. ولا يوجد دليل ضد الرجل المقتول سوى أن أحد موظفي فيث بروذرز ربما يكون قد عرف الشخص الذي باع له ربطة عنق لونها بني مصفر منقوشة ببقع وردية باهتة. بعد صدور الحكم الحتمي الذين يدين شخصا أو أشخاصا مجهولين بجريمة القتل، ذهب جرانت إلى هاتف وفي ذهنه تدور رواية زوجة راتكليف عن الشاب الأجنبي. هل كان هذا الانطباع من نسج خيالها، خرج إلى الوجود بسبب ما يوحي به الخنجر؟ أم أنه تأكيد حقيقي لنظريته الخاصة بالشامي؟ لم يكن الشاب الأجنبي الذي تحدثت عنه السيدة راتكليف موجودا عند اكتشاف جريمة القتل. لقد كان الشخص الذي اختفى من الصف، والشخص الذي اختفى من الصف قتل الرجل الميت بكل تأكيد.
حسنا، سوف يكتشف من سكوتلانديارد ما إذا كان هناك أي شيء جديد، وإذا لم يكن فسيقوي نفسه بالشاي. فقد كان في حاجة إليه. فالارتشاف البطيء للشاي يساعد على التفكير. وجد جرانت أن التفكير التأملي في الأشياء أكثر إنتاجية، وليس عمليات الجدولة المؤلمة الخاصة بباركر، كبير مفوضي الشرطة. كان من بين معارفه شاعر وكاتب مقالات يحتسي الشاي بوتيرة منتظمة في الوقت التي كان ينتج فيه روائعه. وبالرغم من أن جهازه الهضمي كان في حالة مروعة، لكنه كان يتمتع بسمعة طيبة للغاية بين الأدباء المعاصرين الأعلى مكانة وشأنا.
الفصل الرابع
Неизвестная страница
راءول ليجارد
سمع جرانت عبر الهاتف شيئا أدى إلى إخراج كل الأفكار المتعلقة بالشاي من رأسه. كان بانتظاره رسالة عنوانها مكتوب بالأحرف الكبيرة. عرف جرانت جيدا ما يعنيه ذلك. فلدى شرطة سكوتلانديارد خبرة واسعة في الرسائل المعنونة بأحرف كبيرة. ابتسم لنفسه وهو يلوح لسيارة أجرة. يا ليت الناس تدرك أن الكتابة بالأحرف الكبيرة لا تخفي خط اليد على الإطلاق! لكنه كان يأمل بصدق ألا يدركوا ذلك أبدا.
قبل أن يفتح الرسالة التي كانت في انتظاره نفضها بمسحوق فوجدها مغطاة ببصمات الأصابع. قطع الجزء العلوي برفق، ممسكا بالرسالة، التي كانت سمينة ورقيقة إلى حد ما، بملقط، وسحب رزمة نقود من بنك إنجلترا فئة خمسة الجنيهات ونصف ورقة من أوراق الملاحظات. وكتب على ورقة من أوراق المفكرة: «لدفن الرجل الذي عثر عليه في الصف.»
كان هناك خمس ورقات. 25 جنيها.
جلس جرانت وسرح بنظره. طوال هذا الوقت في إدارة التحقيقات الجنائية لم يحدث شيء غير متوقع أكثر من هذا. في مكان ما في لندن الليلة كان هناك شخص ما اهتم بالقتيل بما فيه الكفاية، وأنفق 25 جنيها لإبعاده عن مقابر الفقراء، لكنه لم يطالب به. هل كان هذا إثباتا لنظريته في التخويف؟ أم أنه مال دفع لإراحة ضميره؟ هل كان لدى القاتل رغبة متوهمة في فعل ما هو صواب بجثة ضحيته؟ لا يعتقد جرانت ذلك. فالرجل الذي طعن آخر في ظهره لن يهتم على الإطلاق بما يحدث للجثة. كان للرجل رفيق أو رفيقة في لندن الليلة، بلغت قيمة اهتمامه 25 جنيها.
استدعى جرانت ويليامز، وتناقشا معا حول المظروف الأبيض البسيط الرخيص، والحروف الكبيرة القوية الواضحة.
قال جرانت: «حسنا، ماذا تعرف؟»
قال ويليامز: «رجل. ليس ميسور الحال. غير معتاد على الكتابة كثيرا. نظيف. يدخن. محبط.»
قال جرانت: «ممتاز! أنت لا تصلح للعب دور واطسون، ويليامز. فأنت تحظى بكل المجد.»
ابتسم ويليامز، الذي كان يعرف كل شيء عن واطسون - ففي سن الحادية عشرة، أمضى لحظات وهو يطارد في مخزن تبن في وستشاير وهو يحاول قراءة لغز «العصابة الرقطاء» دون أن تكتشفه الإدارة التي حظرته، وقال: «أتوقع أنك ستحصل على أكثر من هذا بكثير يا سيدي.»
Неизвестная страница
لكن جرانت لم يفعل. «باستثناء عدم إتقانه للعمل. تخيل إرسال أي شيء يسهل تتبعه مثل الأوراق النقدية الإنجليزية فئة خمسة الجنيهات!» نفخ المسحوق الناعم الخفيف على نصف الورقة، لكنه لم يجد بصمات أصابع. استدعى شرطيا وأرسل المظروف الثمين ورزمة الأوراق النقدية لتصوير جميع بصمات الأصابع. وأرسل الورقة التي تحمل الرسالة المطبوعة إلى خبير الخطوط. «حسنا، لسوء الحظ البنوك مغلقة الآن. هل أنت في عجلة من أمرك للعودة إلى زوجتك، ويليامز؟»
لا، لم يكن ويليامز في عجلة من أمره. كانت زوجته وطفله في ساوثيند مع حماته لمدة أسبوع.
قال جرانت: «في هذه الحالة، سنتناول العشاء معا ويمكنك أن تشرح لي بالتفصيل أفكارك حول موضوع جرائم القتل في الصفوف.»
قبل ذلك ببضع سنوات، ورث جرانت إرثا كبيرا - إرثا يكفي للسماح له بالتقاعد والتحول إلى شخص تافه كسول إذا كانت هذه هي رغبته. لكن جرانت أحب عمله حتى عندما كان يسب ويقول إنه مثل الحياة الصعبة التعيسة، وكان الإرث يستخدم فقط لتيسير الحياة وتجميلها حتى يتم القضاء على ما يمكن أن يكون أماكن قاتمة، وجعل بعض الأماكن القاتمة في حياة الآخرين محتملة. كان هناك محل بقال صغير في ضاحية جنوبية، مشرق مثل الجوهرة بسلعه المتنوعة، ويدين بوجوده للإرث ومقابلة جرانت صدفة لرجل يحمل بطاقة إطلاق سراح في أول صباح له خارج السجن. لقد كان جرانت من تسبب في «سجنه»، وكان جرانت من وفر وسيلة إعادة تأهيله. لذلك، فإنه بسبب الإرث وحده، كان جرانت يرتاد مكانا حصريا للغاية لتناول الطعام مثل مطعم لورنس، كما أنه بفضل ذلك الإرث أصبح الشخص المفضل لكبير النوادل - وهي حقيقة أكثر إثارة للدهشة والإعجاب. خمسة أشخاص فقط في أوروبا هم المفضلون لرئيس النوادل بلورنس، وكان جرانت مدركا تماما لهذا الشرف وكان واعيا تماما بالسبب.
التقى بهم مارسيل في منتصف الطريق المؤدي إلى الغرفة ذات اللونين الأخضر والذهبي، وعلى وجهه تعبير عن الحزن الشديد. لقد كان عابسا لعدم وجود طاولة تليق بالسيد. لم تكن هناك طاولات شاغرة على الإطلاق باستثناء واحدة في تلك الزاوية كانت غير صالحة للاستخدام على الإطلاق. فالسيد لم يخبره أنه قادم. لقد كان عابسا، وحزينا حقا.
قبل جرانت بالطاولة دون تذمر. فقد كان جائعا، ولم يهتم بالمكان الذي يأكل فيه ما دام الطعام جيدا، وباستثناء حقيقة أن الطاولة كانت خارج باب الخدمة مباشرة، لم يكن هناك أي عيب آخر بها. توارى الباب خلف ستائر خضراء لمنع دخول الهواء، وأما الباب، فلكونه متأرجحا، فقد جعل خشخشة الأواني مثل موسيقى خافتة منبعثة من صنج، تعلو بين الحين والآخر في نغمة صارخة مفاجئة عندما ينفتح الباب على مصراعيه ثم ينغلق مرة أخرى. أثناء العشاء، قرر جرانت أنه في الصباح يجب على ويليامز زيارة البنوك في المنطقة المشار إليها بالختم البريدي للرسالة، وباستخدام ذلك كأساس، يتتبع تاريخ الأوراق النقدية. لا ينبغي أن يكون الأمر صعبا؛ فدائما ما كانت البنوك متعاونة. ومن هذا المنطلق بدآ مناقشة الجريمة ذاتها. كان رأي ويليامز أن الأمر يتعلق بعصابة، وأن القتيل قد وقع في مشكلات مع عصابته، وكان يعلم خطورة الوضع؛ لذا استعار المسدس من العضو الوحيد الودود في الحشد، ولم تتح له الفرصة قط لاستخدامه. والأموال التي وصلت الليلة أتت من الشخص الودود سرا. كانت نظرية جيدة بما فيه الكفاية، لكنها أهملت أشياء. «لماذا لم يكن هناك أي علامات لتحديد هويته، إذن؟»
قال ويليامز بمنطق حماسي: «ربما هذه إحدى عادات العصابة. يصعب تحديد الهوية حال الوقوع في الأسر.»
كانت تلك نظرية محتملة، وكان جرانت صامتا بعض الوقت، يفكر في الأمر. أصبح واعيا مع تقديم الطبق الرئيسي، وشعر أن هناك من يراقبه بفضل تلك الحاسة السادسة التي تطورت إلى فطنة غير طبيعية نتيجة لأربع سنوات على الجبهة الغربية والكثير من السنوات في إدارة التحقيقات الجنائية. كان جالسا وظهره إلى الغرفة يكاد يواجه باب النوادل - ألقى نظرة خاطفة عرضا على المرآة، كابحا الدافع للالتفات. لكن لا يبدو أن أحدا أبدى أي اهتمام به. واصل جرانت تناول الطعام، وفي غضون لحظة أو اثنتين حاول مرة أخرى. فرغت الغرفة بشكل كبير منذ وصولهما، وكان من السهل فحص مختلف الأشخاص الذين يجلسون على مقربة منهما. لكن المرآة لم تظهر سوى مجموعة من الأشخاص المستغرقين في التفكير، يأكلون، ويشربون، ويدخنون. ومع ذلك كان لدى جرانت هذا الشعور بأنه يخضع لفحص دقيق طويل. لقد جعل ذلك الفحص المستمر غير المرئي جسده ينمل. رفع عينيه فوق رأس ويليامز إلى الستائر التي أخفت الباب. وهناك، في الفجوة بين الستائر، كانت العينان اللتان تراقبانه. وكما لو كان قد أدرك انكشاف أمره، اضطربت العينان واختفتا، وواصل جرانت بهدوء وجبته. كان يعتقد أنه نادل فضولي للغاية. ربما يعرف من أنا، وأراد فقط أن يحدق في أي شخص ذي صلة بجريمة قتل. فقد عانى جرانت كثيرا من المحدقين. لكن بعد وقت قصير، نظر إلى أعلى في منتصف حديثه، ووجد العينين تفحصانه مرة أخرى. زاد الأمر عن الحد. وفي المقابل كان يحدق ببلادة. لكن من الواضح أن صاحب العينين كان لا يدرك أنه كان مرئيا على الإطلاق لجرانت، وواصل مراقبته دون انقطاع. بين الحين والآخر، بينما كان النادل يأتي أو يذهب خلف الستائر، اختفت العينان، لكنهما كانتا تعودان دائما إلى تحديقهما الخفي. كان يستولي على جرانت الرغبة في رؤية هذا الرجل الذي استحوذ على اهتمامه. قال لويليامز، الذي كان جالسا أمام الستائر بما لا يتجاوز الياردة: «هناك شخص في الجزء الخلفي من الستائر خلفك يهتم بنا على نحو غير عادي. عندما أطقطق أصابعي، ادفع بيمينك للخلف وأزح الستائر جانبا. اجعل الأمر يبدو وكأنه حادث بقدر ما تستطيع.»
انتظر جرانت حتى هدأت حركة النادل قليلا وكانت العينان ثابتتين في التحديق، ثم بلطف طقطق إصبعه الوسطى وإبهامه. وانطلقت ذراع ويليامز القوية، واهتزت الستائر لحظة وتداعت إلى جنب. ولكن لم يكن أحد هناك. فقط أظهر التأرجح الهائج للباب المكان الذي خرج منه أحدهم على عجل.
اعتقد جرانت أن هذا يكفي، بينما كان ويليامز يعتذر عن حادث الستائر. لا يمكنك التعرف على زوجين من العيون. أنهى عشاءه دون مزيد من الانزعاج وعاد ماشيا إلى سكوتلانديارد مع ويليامز، على أمل أن تكون صور بصمات الأصابع على المظروف جاهزة ليفحصها.
Неизвестная страница