واحتج الإمام أبو المظفر بن السمعاني لذلك أيضا بقوله تعالى ولا تقف ما ليس لك به علم وقوله تعالى وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون قال ونحن إذا قبلنا خبر من لا نعلم حاله في الصدق والعدالة من حاله في خلاف ذلك قفونا ما ليس لنا به علم وقلنا على الدين والشرع ما لا نتحققه ثم أورد على ذلك أن من رد المرسل أيضا فقد قال أيضا ما لا علم له به ومنع ما لم يتحققه
وأجاب عن ذلك بأن الأصل أنه لا يلزم الحكم إلا بحجة والحجة لا تثبت إلا من ناحية العلم وعلمنا بصدق المرسل عنه معدوم فنحن متمسكون بهذا الأصل ما لم يبلغنا عنه دليل يصح به الحجة الشرعية في الخبر والحجة إنما تثبت عند معرفة صدق الراوي وعدالته فتبين أنا برد المرسل لم نكن قائلين بما لا علم لنا به بخلاف قبولنا له مع عدم علمنا بمن أرسل عنه هل هو عدل أم لا
قلت الاستدلال من أصله فيه نظر لا يخفى لأن الراوي لو سمى وكان ثقة لم يحصل لنا العلم بكونه ثقة بل غايته الظن بذلك والآيتان إنما تضمنتا النهي عما ليس بعلم والرواية يكتفي فيها بالظن الغالب فلا يتم الاستدلال بهما على المطلوب اللهم إلا أن يؤول العلم في الآيتين على ما هو الأعم من العلم والظن فيفيد حينئذ لأن غلبة الظن مفقودة حالة الإرسال بصدق المرسل عنه لكن يحتاج حينئذ إلى دليل يدل على أن المراد بالعلم في الآيتين ذلك
وهذا الدليل الذي أشار إليه أبو المظفر هو الذي عول عليه أئمة الحديث والأصول والفقه في رد المرسل بعبارات مختلفة
قال الإمام أبو عمر بن عبد البر الحجة في رد الإرسال ما أجمع عليه العلماء من الحاجة إلى عدالة المخبر عنه وأنه لا بد من معرفة ذلك فإذا حكى التابع عمن لم يلقه لم يكن بد من معرفة الواسطة إذ قد صح أن التابعين أو كثيرا منهم رووا عن الضعيف وغير الضعيف فهذه النكتة عندهم في رد المرسل لأن مرسله يمكن أن يكون سمعه ممن يجوز قبول نقله وعمن لا يجوز
1 / 59