بسم الله الرحمن الرحيم
مقدمة المحقق
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا) (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا) .
اللهم صل على محمد وآله وصحبه أجمعين.
أما بعد فإن كتاب جامع التحصيل في أحكام المراسيل تأليف الحافظ صلاح الدين العلائي من أجمع وأحسن ما ألف في موضوع الحديث المرسل وقد شهد بذلك الحفاظ من بعده وقد عزمنا بإذن الله وتوفيقه على تحقيق الكتاب بغية نشره بإشارة من بعض الإخوان المهتمين بالحديث النبوي الشريف وعلومه.
أما المؤلف فهو الشيخ الإمام العالم العلامة الحافظ الناقد المتقن المحقق المدقق صلاح الدين أبو سعيد خليل بن كيكلدي العلائي الشافعي ولد في شهر ربيع الأول من سنة أربع وتسعين وستمائة من الهجرة النبوية في مدينة دمشق أخذ الحديث من كثيرين منهم الحافظ أبو الحجاج المزي والحافظ الذهبي وأخذ
1 / 5
الفقه من الشيخ كمال الدين بن الزملكاني وبرهان الدين الفركاح الفزاري
وتلمذ على شيخ الإسلام ابن تيمية وغيرهم. وتولى تدريس الحديث بالناصرية والأسدية وفي دار الحديث الحمصية وولي التدريس في المدرسة الصلاحية بالقدس ثم أضيف إليه درس الحديث بالتنكزية وتولى مشيخة دار الحديث السيفية وتولى في ثالث المحرم من سنة إحدى وستين وسبعمائة ودفن في مقبرة باب الرحمة بالقدس الشريف. وتلمذ عليه الكثيرون منهم الحافظ ابن كثير وعبد الوهاب بن السبكي وإبراهيم بن جماعة وابن الملقن وغيرهم. وترك آثارًا كثيرة في مختلف العلوم مما يدل على غزارة علمه فيها. وقد أحصى له بعض من ترجم له ٥٢ مؤلفًا في مختلف العلوم. وأثنى عليه كثير من العلماء كالحافظ الذهبي وابن رافع وابن السبكي والحنبلي والحسيني وابن تغري بردى والشوكاني وغيرهم.
جامع التحصيل في أحكام المراسيل
توجد منه نسخة في مكتبة راغب باشا باستانبول برقم ٢٣٦. ونسخة في المكتبة الظاهرية تحت رقم ٤٠٥ حديث في ١٠٠ ورقة ونسخة أخرى في مكتبة المدرسة القادرية في بغداد.
وقد قمنا بتصوير نسخة المدرسة القادرية وتقع في ١٠٩ ورقة وخطها جيد جدًا وقرئت على المؤلف وقوبلت بأصله وكتب عليها المؤلف بخطه ما يلي:
- الحمد لله وسلام على عباده الذين اصطفى -
قرأ علي جميع هذا الكتاب الشيخ الفقيه الإمام العالم المحدث الحافظ المتقن البارع سراج الدين شرف الفقهاء والمحدثين فخر الفضلاء المدققين (١) أبو حفص عمر بن الشيخ الإمام الأوحد الأستاذ أبي الحسن علي بن أبي العباس أحمد بن محمد المرسي الأصل ثم القاهري الشافعي أولى الله النفع به ووصل الخيرات بسببه وقابل نسخته على نسختي حالة القراءة وأنا ممسك الأصل الذي
_________
[التعليق]
(١) هذه الكلمة غير ظاهرة بالأصل فكتبناها هكذا، وأبو حفص عمر هذا هو الحافظ ابن الملقن.
1 / 6
بخطي وسمع من أول الكتاب إلى حرف الحاء من معجم الرواة فيه الشيخ الإمام العالم العابد الأوحد عماد الدين صدر الأعيان علم المفيدين فريد الوقت برهان الدين أبو إسحاق إبراهيم بن عبد الرحمن بن جماعة الكتاني وكانت القراءة المذكورة في مجالس متعددة بالمسجد الأقصى والمدرسة الصلاحية من القدس الشريف حماه الله تعالى صادف آخرها يوم السبت الرابع عشر من شهر المحرم سنة خمسين وسبعمائة أحسن الله تقضيها وأجزت المذكورين جميع ما يجوز لي وعني روايته عن مقول - لعله معقول - ومنقول بشرطه المعتبر عند أهله زادها الله من فضله.
قال ذلك وكتبه خليل بن كيكلدي بن عبد الله العلائي الشافعي لطف الله به حامدًا الله تعالى ومصليًا على نبيه محمد وآله ومسلمًا وحسبنا الله ونعم الوكيل.
فظهر من هذا التاريخ أن ذلك بعد تأليف الكتاب بأربع سنوات حيث انتهى من تأليفه سنة ست وأربعين وسبعمائة كما ذكر ذلك في آخر الكتاب أنظر نموذج الورقات الثلاث.
ولهذا جعلنا هذه النسخة الأصل.
وأما نسخة الظاهرية فقد استعرنا من الأستاذ صبحي السامرائي مصورته شكر الله مسعاه حيث جعل مكتبته الغنية بالمصورات مفتوحة لكل مستفيد وقابلناها بالأصل حيث ظهر فيها كثير من الأخطاء والنقص الفاحش إلا أننا استفدنا من تعليقات الكاتب محمد بن زريق من تلاميذ سبط ابن العجمي كما يظهر من تعليقاته وأنه محدث. وقد أشرنا في بعض الأماكن إلى لافها مع الأصل.
عملنا في الكتاب
١- قمنا بالاستنساخ من الأصل وقابلنا نسختنا بالأصل وبالنسخة الظاهرية.
٢- نقلنا التعليقات الموجودة بهامش الظاهرية.
٣- علقنا في بعض الأماكن ما يقتضيه التحقيق.
1 / 7
٤ - راجعنا فيما لدينا من مراجع ما نقله المؤلف منهم وأحلنا إليها في التعليقات.
٥- خرجنا بعض الأحاديث.
٦- بالنسبة للمختلفين في صحبتهم أحلنا إلى الاستيعاب والإصابة طبعة مصطفى محمد.
٧- قابلت قسم التراجم مع تراجم كتاب المراسيل لابن أبي حاتم فظهر أنه لم يستوعبها كلها بل ترك ثلاث عشرة ترجمة استدرك محمد بن زريق ترجمتين منها وبقي إحدى عشرة ترجمة استدركناها في آخر الكتاب نقلًا من الكتاب المذكور. كما ظهر لي بعض الاختلاف في النقل. وقد وضعت دائرة سوداء كبيرة قبل رقم كل ترجمة أوردها ابن أبي حاتم في كتابه.
٨- وضعت أرقامًا لتراجم المدلسين ولتراجم المعروفين بالإرسال هذا ما استطعته في هذه الحالة المستعجلة وسوف أقوم بتحقيق الكتاب بشكل أوسع إن وفقني الله وبتخريج أحاديثه المذكورة فيه والتوسع في التراجم إذا دعت الحاجة إلى ذلك كما استدرك عليه في تراجم المدلسين والمعروفين بالإرسال وأرتبه على حروف المعجم بدقة حيث فيها تقديم وتأخير ووضع كثير من التراجم في غير مواضعها وأبين أيضًا حالة كل راو منهم جرحًا وتعديلًا حيث أورد المؤلف كثيرًا من الضعفاء والمتروكين وقد نبه على بعضهم. لأن الجرح المؤثر في الراوي يكفي في ترك روايته فلا حاجة إلى كونه يرسل. وأبين حالة المختلفين في صحبتهم حيث إن كثيرين منهم من الصحابة فلا يدخلون في هذا القسم حيث إن روايتهم وإن كانت مرسلة فمرسل الصحابي يحتج به كما سيذكره المؤلف. وسنرجئ ذلك إلى الطبعة الثانية إن شاء الله تعالى.
الكتب المؤلفة في المراسيل
١- كتاب المراسيل لابن أبي حاتم طبع طبعات عديدة وآخرها سنة ١٣٩٧هجرية بتحقيق الأستاذ شكر الله نعمة الله
1 / 8
٢ - كتاب المراسيل لأبي داود طبع الكتاب مجردًا من الأسانيد في مطبعة التقدم وأعادت مطبعة محمد علي صبيح طبعه
٣- كتاب بيان المراسيل لأبي بكر أحمد بن هارون البرديجي ذكره الحافظ في فتح الباري كما سيأتي
٤- التفصيل لمبهم المراسيل للخطيب البغدادي
٥- مختصر التفصيل للنووي، توجد نسخة منه في الأسكوريال تحت رقم ١٩٥٧.
٦- تمييز المزيد في متصل الأسانيد للخطيب أيضًا
٧- تعليقات الحافظ العراقي على جامع التحصيل.
٨- تحفة التحصيل في ذكر رواة المراسيل للحافظ العراقي الابن
٩- حواشي سبط ابن العجمي على جامع التحصيل
١٠- رسالة في المرسل لابن عبد الهادي توجد منه نسخة منها في معهد المخطوطات في جامعة الدول العربية
وقد استوعب المؤلف في كتابه هذا جميع ما كتبه غيره حيث يشير إليه في أثناء كلامه. فقد ذكر تعريف المرسل والمعضل والمنقطع لغة ثم أعقبه بتعريفها اصطلاحًا وبين اختلاف المحدثين في تعاريفها ثم ذكر أقوال العلماء في الاحتجاج بالمرسل وأعقبه بذكر أدلتهم ثم ذكر أدلة من رد المرسل بعد أن بين أقوالهم وأسهب في كل ذلك ثم اختار ما هو المختار. ثم أعقب ذلك بذكر فروع وفوائد في بيان من قيل عنه أنه لا يرسل إلا عن ثقة وذكر أمثلة لما يعتضد به المرسل ثم ذكر انفراد ابن برهان بقول في المرسل وأعقبه بظاهر كلام إمام الحرمين حول المرسل ثم تعرض لمسند من دأبه الإرسال هل يقبل أم لا؟ ثم ذكر أن الإرسال شامل للمعضل والمنقطع..
ثم تعرض لحديث الراوي عمن لم يلقه وأعقبه القول في التدليس فتكلم على تدليس السماع وتدليس الشيوخ وذكر بعض المشهورين بالتدليس ثم ذكر طبقات المدلسين الخمسة ثم تكلم في ألفاظ الأداء ثم أعقبه بذكر الألفاظ المحتملة للسماع مثل لفظ عن وإن وقال فلان وذكر فلان وغيرها ثم تعرض
1 / 9
للمراسيل الخفي إرسالها وبين أربعة طرق لمعرفة المرسل الخفي وضرب لكل منها أمثلة.
ثم ألحق بذلك تراجم الرواة المحكوم على روايتهم بالإرسال وبذلك انتهى الكتاب والله الموفق
يوم الخميس٢٦جمادى الأولى سنة١٣٨٩هجرية
الموافق٤-٥-١٩٧٨ميلادية
المحقق
أبو مصطفى
حمدي عبد المجيد السلفي
1 / 10
بسم الله الرحمن الرحيم
وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت
الحمد لله القديم الذي لم يزل قبل كل شيء أولا الرحيم الذي ما برح لعباده المؤمنين ملاذا وموئلا الكريم إذ جعل لهم من لدنه سندا إلى جنابه موصلا وأبقى حديثهم الحسن بالأعمال الصحيحة عاليا في الملا ووصل منقطعهم بمزيد لطفه فأزال مبهما وكشف معضلا وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له إلها واحدا منعما مفضلا وأشهد أن محمدا عبده ورسوله أفضل من جاء عن ربه مرسلا وأكمل من قام بالحق حتى أمسى جانب الضلال متروكا مهملا الذي خصه بأوضح المعجزات كتابا منزلا وأبان به من أنواع الهداية ما كان مجملا صلى الله وسلم عليه وعلى آله وأصحابه الذين تبوأوا الإيمان منزلا وأعذبوا بنقلهم لمن جاء بعدهم من شريعته منهلا
أما بعد فإن الله سبحانه فضل هذه الأمة فشرف الإسناد وخصها باتصاله دون من سلف من العباد وأقام لذلك في كل عصر من الأئمة الأفراد والجهابذة النقاد من بذل جهده في ضبطه وأحسن الاجتهاد وطلب الوصول إلى غوامض علله فظفر بنيل المراد وذلك من معجزات نبينا ﷺ التي أخبر بوقوعها ودعا لمن قام بهذه الخصيصة وكرع في ينبوعها فقال ﷺ يسمعون ويسمع منكم ويسمع ممن يسمع منكم رواه أبو داود في سننه الجامع
1 / 21
وقال ﷺ نضر الله امرءا سمع مقالتي فأداها إلى من لم يسمعها فرب مبلغ أوعى من سامع
فباتصال الإسناد عرف الصحيح من السقيم وصان الله هذه الشريعة عن قول كل أفاك أثيم فلذلك كان الإرسال في الحديث علة يترك بها ويتوقف عن الاحتجاج به بسببه لما في إبهام المروي عنه من الغرر والاحتجاج المبني على الخطر وقد اختلف العلماء قديما وحديثا فيه وكثرت أقوالهم وتباينت آراؤهم وتعارضت أفعالهم فاستخرت الله تعالى وعلقت هذا الكتاب لبيان ذلك وإيضاح ما هو إلى الصواب أقوم المسالك جامعا فيه بين طريقة أهل الحديث وأئمة الأصول والفقهاء الذين في الرجوع إليهم أنفس حصول ذاكرا من المنقول ما أمكن الوصول إليه ومن المباحث النظرية ما يعول عند التحقيق عليه مميزا في ذلك الفث من السمين مبينا ما هو الضعيف من المتين مؤديا في جميعه حق النصيحة الواجبة علي نازعا رداء التعصب حسب الجهد والطاقة عن منكبي وإلى الله تعالى أرغب في الهداية لى الصواب والنفع به عاجلا ويوم المآب وأن يجعله خالصا لوجهه الكريم وسببا لنيل النعيم وسميته جامع التحصيل في أحكام المراسيل ورتبته على ستة أبواب الباب الأول في تحقيق الحديث المرسل وبيان حده الباب الثاني في ذكر مذاهب العلماء فيه الباب الثالث في الاحتجاج لكل قول وبيان الراجح من ذلك الباب الرابع في فروع وفوائد غزيرة يترتب بها ما تقدم الباب الخامس في بيان المراسيل الخفي إرسالها في أثناء السند الباب السادس في معجم الرواة المحكوم على روايتهم بالإرسال
وبالله تعالى استعين لما قصدت وأسأله التوفيق والإعانة فيما أردت فهو حسبنا ونعم الوكيل والله يقول الحق وهو يهدي السبيل
1 / 22
(الباب الأول في حد الحديث المرسل والفصل بينه وبين غيره)
ههنا ثلاثة ألفاظ في اصطلاحهم وهي المرسل والمنقطع والمعضل فلنذكر أولا تحقيقها لغة وبيان استعارتها لما نحن بصدده ثم بعد ذلك الكلام في دلالتها اصطلاحا
أمل المرسل فأصله من قولهم أرسلت كذا إذا أطلقته ولم تمنعه كما في قوله تعالى ألم تر أنا أرسلنا الشياطين على الكافرين فكأن المرسل أطلق الإسناد ولم يقيده برا ومعروف وقد أشار الإمام المزري إلى هذا ويحتمل أن يكون من قوله جاء القوم أرسالا أي قطعا متفرقين قال ابن سيدة الرسل بفتح الراء والسين القطيع من كل شيء والجمع إرسال وجاؤوا رسلة رسلة أي جماعة جماعة
قلت ومنه الحديث إن الناس دخلوا على النبي ﷺ بعد موته فصلوا عليه أرسالا أي فرقا متقطعة يتبع بعضهم بعضا فكأنه تصور من هذا اللفظ الاقتطاع فقيل للحديث الذي قطع إسناده وبقي غير متصل مرسل أي كل طائفة منهم لم تلق الأخرى ولا لحقتها ويحتمل أن يكون أصله من الإسترسال وهو الطمأنينة إلى الإنسان والثقة به فيما يحدثه فكان المرسل للحديث اطمأن إلى من أرسل عنه ووثق به لمن يوصله إليه وهذا اللائق بقول
1 / 23
المحتج بالمرسل كمل سيأتي في أدلتهم إن شاء الله تعالى لكن يرد عليه أن خلقا من الرواة أرسلوا الحديث مع عدم الثقة براويه الذي أرسلوا عنه ويجوز أيضا أن يكون المرسل من قولهم ناقة مرسال أي سريعة السير قال كعب بن زهير ... أمست سعاد بأرض لا يبلغها ... إلى العتاق النجيبات المراسيل ... فكأن المرسل للحديث أسرع فيه عجلا فحذف بعض أسناده والكل محتمل
وأما المنقطع ويقال له أيضا المقطوع وهو ما حذف من إسناده رجل في أثنائه فالمعنى فيه ظاهر لأن الانقطاع نقيض الاتصال ويكونان في المعاني كما في الأجسام ومنه قوله تعالى وتقطعت بهم الأسباب فتقطعوا أمرهم بينهم زبرا وما أشبه ذلك
وأما المعضل فقال الشيخ أبو عمرو بن الصلاح رحمة الله عليه أسحاب الحديث يقولون أعضله فهو معضل بفتح الضاد وهذا اصطلاح مشكل المأخذ من حيث اللغة وبحثت فوجدت له قولهم أمر عضيل أي مستغلق شديد قال ولا التفات في ذلك إلى معضل بكسر الضاد وإن كان مثل عضيل في المعنى انتهى كلامه
قلت أصل العضل المنع الشديد مأخذه من العضلة وهي كل لحم صلب في عصب قاله الراغب قال الله تعالى ولا تعضلوهن لتذهبوا ببعض ما آتيتموهن ثم قيل منه عضلت المرأة تعضيلا إذا نشب الولد في بطنها وبقي معترضا ثم قيل منه داء عضال إذا أعيا الأطباء علاجه وأمر معضل بكسر الضاد إذا كان شديدا لا يقوم به صاحبه
قال الجوهري أعضلني فلان أعياني أمره وأعضل الأمر اشتد واستغلق وحكى ابن سيدة فيه الثلاثي أيضا فقال في المحكم عضل
1 / 24
من الأمر وأعضل اشتد وغلظ وكذلك قال الأزهري أيضا في التهذيب عضلت عليه ضيقت عليه أمره وحلت بينه وبين ما يرومه ظلما قال الله تعالى فلا تعضلوهن أن ينكحن أزواجهن الآية فيكون قولهم حديث معضل مأخوذا من هذا الثلاثي لأنه يتعدى حينئذ ينفسه بالهمزة ويكون الرواي له بإسقاط رجلين منه فأكثر قد ضيق المجال على من يؤدية إليه وحال بينه وبين معرفة رواته بالتعديل أو الجرح وشدد عليه الحال كما في قولهم أمر عضيل أي مستغلق شديد ويكون ذلك الحديث معضلا لإعضال الرواي له والله أعلم
هذا ما يتعلق بهذه الألفاظ من حيث اللغة وأما من حيث الاستعمال ففيه احتلاف كثير والذي يظهر من كلام الشافعي ﵁ أن المنقطع والمرسل واحد لأنه قال في كتابه الرسالة المنقطع مختلف فمن شاهد أصحاب النبي ﷺ من التابعين فحدث حديثا منقطعا عن النبي ﷺ اعتبر عليه بأمور وذكر الوجوه التي يأتي ذكرها فيما بعد إن شاء الله تعالى ثم قال في آخر كلامه فأما من بعد كبار التابعين الذين كثرت مشاهدتهم لبعض أصحاب رسول الله فلا أعلم منهم واحدا يقبل مرسله
وقال الحافظ أبو بكر الخطيب في كتابه الكفاية لا خلاف بين أهل العلم إن إرسال الحديث الذي ليس بمدلس هو رواية الراوي عمن لم يعاصره أو لم يلقه نحو رواية سعيد بن المسيب وأبي سلمة بن عبد الرحمن وعروة بن الزبير ومحمد بن المنكدر والحسن البصري ومحمد بن سيرين وقتادة وغيرهم من التابعين عن رسول الله ﷺ وبمثابته في غير التابعين نحو رواية ابن جريج عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة ورواية مالك بن أنس عن القاسم بن
1 / 25
محمد بن أبي بكر الصديق ﵁ ورواية حماد بن أبي سليمان عن علقمة وكذلك رواية الرواي عمن عاصره ولم يلقه كرواية سفيان الثوري وشعبة عن الزهري وما كان نحو ذلك مما لم نذكره فالحكم في الجميع عندنا واحد انتهى كلامه
وقال أبو الحسين بن القطان من أئمة أصحابنا المتقدمين في كتابة أصول الفقه جملة المرسل هو أن يروي بعض التابعين أن النبي ﷺ قال كذا وكذا أو أن يترك بينه وبين رجل رجلا
وكذلك قال الإمام المازري في شرح البرهان أما المرسل فهو رواية التلميذ عن شيخ شيخه كقول سحنون قال مالك وقول مالك قال ابن عمر ومعلوم أن سحنون لم يلق مالكا ولا مالك لقي ابن عمر ﵄ وهكذا إذا قال مالك عن نافع عن النبي ﷺ أو عن عطاء عن النبي ﷺ وكذلك قول مالك في الموطأ أن ابن شهاب قال كان النبي ﷺ يقول آمين وذكر أمثلة أخرى غير هذه
وقال الإمام أبو الحسن الأبياري في شرح البرهان حاصل المرسل وإن تعددت صورها أن يكون في طريق الخبر راو ملتبس العين أما بأن لا يذكر أو أن يذكر على الإبهام وكذلك قال أبو الحسن البصري أحد رؤوس المعتزلة في كتابه المعتمد المرسل أن يسمع الرجل الحديث من زيد عن عمرو فإذا رواه قال قال عمرو وأضرب عن ذكر زيد فلم يذكره
وقال الإمام أبو العباس القرطبي أحد المتأخرين من أئمة المالكية في كتابه الوصول المرسل عند الأصوليين والفقهاء عبارة عن الخبر الذي يكون
1 / 26
في سنده انقطاع بأن يحدث واحد منهم عمن لم يلقه ولاأخذ عنه وخص كثير من المحدثين اسم المرسل بما سكت فيه عن الصحابي واسم المنقطع بما سكت فيه عن غيره
قلت وهكذا قال الحافظ أبو بكر الخطيب بعد كلامه المتقدم إلا أن أكثر ما يوصف بالإرسال من حيث الاستعمال ما رواه التابعي عن النبي ﷺ وأما ما رواه تابع التابعي عن النبي ﷺ فيسمونه المعضل
وقال الإمام أبو عمر بن عبد البر أما المرسل فإن هذا الاسم أوقعوه بإجماع على حديث التابعي الكبير عن النبي ﷺ مثل أن يقول أبو أمامة بن سهل بن حنيف أو عبيد الله بن عدي بن الخيار أو عبد الله بن عامر بن ربيعة أو من كان مثلهم قال رسول الله ﷺ وكذلك من كان دون هؤلاء مثل سعيد بن المسيب وسالم بن عبد الله بن عمر وأبي سلمة بن عبد الرحمن والقاسم ابن محمد ومن كان مثلهم وكذلك علقمة ومسروق والحسن والشعبي وسعيد بن جبير ومن كان مثلهم من التابعين الذين يصح لهم لقاء الجماعة من الصحابة ومجالستهم فهذا هو المرسل عند أهل العلم ثم قال ومثله أيضا مما يجري مجراه عند بعض أهل العلم مرسل من دون هؤلاء مثل حديث ابن شهاب وقتاده وأبي حازم ويحيى بن سعيد عن النبي ﷺ فقوم من أهل الحديث يسمونه مرسلا كمرسل كبار التابعين وقال آخرين حديث هؤلاء عن النبي ﷺ يسمى منقطعا لأنهم لم يلقوا من الصحابة إلا الواحد والاثنين وأكثر روايتهم عن التابعين فما ذكروه عن النبي ﷺ يسمى منقطعا قال والمنقطع عندي كل ما لا يتصل سواء كان معزوا الى النبي ﷺ أو إلى غيره ثم مثل ذلك بمثل مالك عن يحيى بن سعيد عن عائشة وعن ابن شهاب عن أبي هريرة وعن زيد بن أسلم عن عمر بن الخطاب ﵃ وأمثال ذلك أنتهى
1 / 27
وقال الحاكم أبو عبد الله الحافظ في كتابه علوم الحديث أما المرسل فإن مشايخ الحديث على أن الحديث المرسل هو الذي يرويه المحدث بأسانيد متصلة إلى التابعين فيقول التابعي قال رسول الله ﷺ قال وأكثر ما يروى المراسيل من أهل المدينة عن سعيد بن المسيب ومن أهل مكة عن عطاء بن أبي رباح ومن أهل مصر عن سعيد بن أبي هلال ومن أهل الشام عن مكحول الدمشقي ومن أهل البصرة عن الحسن بن أبي الحسن ومن أهل الكوفة عن إبراهيم بن يزيد النخعي وقد يروي الحديث بعد الحديث عن غيره من التابعين إلا أن الغلبة لرواية هؤلاء انتهى كلامه
فهذا القول من الحاكم ﵀ يقتضي أن إرسال صغار التابعين ومتأخريهم يلحق بالمرسل وإن كانت رواياتهم عمن أدركوه من الصحابة يسيرة وجل رواياتهم إنما هي عن التابعين لأنه مثل ذلك بإبراهنم النخعي ومكحول
قال علي بن المدني لم يلق إبراهيم النخعي أحدا من أصحاب النبي ﷺ وقد رأى أبا جحيفة وزيد بن أرقم وابن أبي أوفى فلم يسمع منهم
وقال يحيى بن معين إبراهيم أدخل على عائشة وهو صبي وكذلك قال أبو حاتم وأبو زرعة الرازيان دخل على عائشه ﵂ وهو صبي ولم يسمع منها
وقد أثبتت جماعة غير هؤلاء أنه سمع منها وروايته عنها في سنن أبي داود والنسائي وابن ماجه
وأما مكحول فإنه أطلق الرواية عن جماعة من الصحابة ﵃ وقد قيل إنه لم يسمع إلا من أنس بن مالك وواثلة بن الأسقع وأبي أمامة وفضالة بن عبيد ﵃ قاله يحيى بن معين وغيره وأنكر أبو مسهر
1 / 28
سماعه من واثلة وقال ما صح عندنا أنه لقي إلا أنس بن مالك فقط وكذلك أنكر أبو حاتم الرازي رؤيته لأبي امامة والله أعلم
وحاصل كلام الحاكم وابن عبد البر نقلا عن أئمة الحديث اختصاص المرسل بما رواه التابعي عن النبي ﷺ لكنه في التابعي الكبير متفق عليه وفي التابعي الصغير مختلف فيه هل هو مرسل أم لا وقد وافق الحاكم وابن عبد البر عليه جماعة من الأئمة منهم الأستاذ أبو بكر بن فورك فقال في كتابه أصول الفقه إذا قال التابعي أن النبي ﷺ قال كذا وكذا فهو معنى المرسل وكذلك قال الإمام أبو نصر بن الصباغ في كتابه العدة في أصول الفقه المرسل قول التابعي قال رسول الله ﷺ ولم يذكر من سمعه منه وكذلك قال الإمام أبو المظفر بن السمعاني ونحو منهما عبارة ابن برهان قال وصورة المراسيل أن يقول الراوي قال رسول الله ﷺ وهو لم يسمع منه ولا ذكر الراوي المتوسط بينهما وكذلك قال القرافي في شرح التنقيح الإرسال هو إسقاط صحابي من السند
قلت وهذا هو الذي يقتضيه كلام جمهور أئمة الحديث في تعليلهم لا يطلقون المرسل إلا على ما أرسله التابعي عن النبي ﷺ وقد قال الحاكم بعد كلامه المتقدم وأما مشايخ أهل الكوفة لكل من أرسل الحديث من التابعين واتباع التابعين ومن بعدهم من العلماء فإنه عندهم مرسل محتج به
قلت هذا قول الحنفية بأسرهم لكمن منهم من غلا من المتأخرين فقال يطلق المرسل على قول الرجل من أهل هذه الأعصار قال النبي ﷺ كذا ومن المحققين منهم من خص ذلك بأهل الأعصار الأول وقد وافقهم جماعة من أئمة أصحابنا على نحو هذه العبارة
قال إمام الحرمين في البرهان من صور المرسل أن يقول الشافعي
1 / 29
قال رسول الله ﷺ فهذه إضافة إلى الرسول مع السكوت عن ذكر الناقل عنه وهذا يجري في الرواة بعضهم عن بعض في الأعصار المتأخرة عن عصر النبي ﷺ فإذا قال واحد من أهل عصر قال فلان وما لقيه ولا سمى من أخبره عنه فهو ملتحق بما ذكرناه قال ومن الصور أن يقول رجل عن رسول الله ﷺ أو عن فلان الراوي من غير أن يسميه ومنها أن يقول أخبرني موثوق به مرضي عن فلان أو عن رسول الله ﷺ
قال ومن صور المراسيل إسناد الأخبار إلى كتب رسول الله ﷺ وإنما التحق هذا القسم بالمرسلات من جهة الجهل بناقل الكتاب فلو ذكر من يعزي الخبر إلى الكتاب وحامله التحق الحديث بالمسندات هذا كله كلام الإمام ﵀
ومقتضاه أن ما سقط من إسناده رجلان فأكثر يسمى مرسلا لأنه مثل ذلك بقول الشافعي قال رسول الله ﷺ وأقل ما بين الشافعي وبينه ﷺ ثلاثة رجال وتبعه صاحبه أبو نصر بن القشيري على نحو هذه العبارة وكذلك قال الإمام الغزالي في المستصفى صورته أن يقول قال رسول الله ﷺ من لم يعاصره أو يقول من لم يعاصر أبا هريرة قال أبو هريرة فأطلق ذلك ولم يقيده بقول التابعي وتبعه الشيخ موفق الدين الحنبلي في الروضة على نحو هذا الكلام وكذلك الآمدي في الأحكام وابن الحاجب في مختصريه وغير هذا
فيتحصل من مجموع ذلك في حد المرسل أقوال
أحدها وهو أكثرها اتساعا أن المرسل قول الواحد من أهل هذه الأعصار وما قبلها قال رسول الله ﷺ كما يقوله الغلاة من متأخري الحنفية
1 / 30
وهو مقتضى كلام إمام الحرمين ومن تبعه لأنه مثل ذلك بالشافعي ولا فرق بين الشافعي ومن بعده ومثله أيضا ما إذا سقط في أثناء السند رجلان فأكثر يطلق عليه المرسل ويجري فيه الخلاف
وثانيهما وهو مقابله في التضييق اختصاص المرسل بما أرسله كبار التابعين الذين أدركوا كثيرا من الصحابة وتقل رواياتهم عن التابعين كسعيد بن المسيب وأبي سلمة بن عبد الرحمن ونحوهما وإن ما أرسله صغار التابعين فليس بمرسل يجري في الخلاف بل هو منقطع
وثالثها إن المرسل ما قال فيه التابعي عن رسول الله ﷺ سواء كان من كبار التابعين أو من صغارهم وهذا هو المشهور عند كثير من أهل الحديث وهو اختيار الحاكم وغيره
ورابعها إن المرسل ما سقط من سنده رجل واحد سواء كان المرسل له تابعيا او من بعده وهو ظاهر كلام الإمام الشافعي واختيار الخطيب والمزري وقد تقدم ذكره وعليه يدل كلام أبي حاتم الرازي وابنه عبد الرحمن وغيرهما من أئمة الحديث عند كلامهم في المراسيل كما سيأتي إن شاء الله تعالى
ولا شك في صحة إطلاق المرسل على هذا من حيث اللغة كما تقدم فعلى هذا هو والمنقطع سيان لغة واصطلاحا وعند ابن عبد البر أن المنقطع أعم وهو كل ما لم يتصل سنده سواء كان يعزى إلى النبي ﷺ أو إلى غيره وأما المرسل فهو أخص منه وهو ما أرسله التابعي عن النبي ﷺ وأما الحاكم وغيره فالمرسل والمنقطع عندهم يفترقان افتراق الخاصتين فالمرسل مخصوص بالتابعي عن النبي صلىالله عليه وسلم والمنقطع ما كان في إسناده قبل الوصول إلى التابعي راو لم يسمع من الذي فوقه وكذلك إذا أبهم الراوي شيخه فلم يسمعه يأن قال عن رجل ونحو ذلك فإنه منقطع عنه الحاكم على ما صرح به وليس مرسلا
1 / 31
وأما المعضل وهو ما سقط من إسناده رجلان فأكثر فهو والمرسل سواء عند الحنفية وإمام الحرمين ومن تابعه وعند الجمهور هو أخص من المنقطع والمرسل فكل معضل منقطع وليس كل منقطع معضلا ومن قصرالمرسل على ما سقط منه الصحابي فقط دون ما إذا سقط ذكر الصحابي والتابعي كما حكاه الخطيب عن أكثر أهل الحديث فهما عنده أعني المرسل والمعضل متباينان لا ينطلق أحدهما على الآخر والله أعلم
1 / 32
(الباب الثاني في ذكر مذاهب العلماء في قبول الحديث المرسل والاحتجاج به أو رده)
ولهم في ذلك مذاهب منتشرة يرجع حاصلها إلى ثلاثة أقوال وهي القبول مطلقا والرد مطلقا والتفصيل
فأما القابلون له المحتجون به فهم مالك وأبو حنيفة وجمهور أصحابهما وأكثر المعتزلة وهو أحد الروايتين عن أحمد بن حنبل ﵀ وهؤلاء لهم في قبوله أقوال
أحدها قبول كل مرسل سواء بعد عهده وتأخر زمنه عن عصر التابعين حتى مرسل من في عصرنا إذا قال قال رسول الله ﷺ ولم يصرح به على هذا الوجه إلا بعض الغلاة من متأخري الحنفية وهذا توسع غير مرضي بل هو باطل مردود بالإجماع في كل عصر على اعتبار الأسانيد والنظر في عدالة الرواة وجرحهم ولو جوز قبول مثل هذا لزالت فائدة الإسناد بالكلية وبطلت خصيصة هذه الأمة وسقط الاستدلال بالسنة على وجهها وظهور فساد هذا القول غني عن الإطالة فيه ولا تفريع عليه
وثانيها قبول مراسيل التابعين واتباعهم مطلقا إلا أن يكون المرسل عرف بلإرسال عن غير الثقات فإنه لا يقبل مرسله وأما بعد العصر الثالث فإن كان المرسل من أئمة النقل قبل مرسله وإلا فلا وهو قول عيسى بن إبان واختيار أبي بكر الرازي والبزدوي وأكثر المتأخرين من الحنفية وقال القاضي عبد الوهاب المالكي هذا هو الظاهر من المذهب عندي
1 / 33
وثالثهما اختصاص القبول بالتابعين فيما أرسلوه على اختلاف طبقاتهم وهذا هو الذي يقول به مالك وجمهور أصحابه وأحمد بن حنبل وكل من يقبل المرسل من أهل الحديث ثم من ألحق بالمرسل ما سقط في أثناء إسناده رجل واحد غير الصحابي يقبله أيضا كما يقبل المرسل وهو مقتضى مذهب المالكية في احتجاجهم ببلاغات الموطأ ومنقطعاته وهو الذي أضافه أبو الفرج القاضي إلى مالك ونصره
ورابعها اختصاص القبول بمراسيل كبار التابعين دون صغارهم الذين تقل روايتهم عن الصحابة كما حكاه ابن عبد البر فيما تقدم
ثم اختلف هؤلاء القائلون له في طبقته فمنهم من بالغ فيه حتى قال هو أعلى من المسند وأرجح منه لأن من أسند الحديث فقد أحالك على إسناده والنظر في أحوال رواته والبحث عنهم ومن أرسل منهم حديثا مع علمه ودينه وإمامته وثقته فقد قطع لك على صحته وكفاك النظر فيه وهذا قول كثير من الحنفية وبعض المالكية فيما حكى ابن عبد البر عنهم
وقال آخرون لا فرق بين المرسل والمسند بل هما سواء في وجوب الحجة والاستعمال وهو قول محمد بن جرير الطبري وأبي الفرج المالكي وأبي بكر الأبهري أحد أئمة المالكية أيضا وعند هؤلاء أنه متى تعارض مدلول حديثين واحدهما مرسل والآخر مسند فلا ترجيح بالإسناد على الإرسال بل بأمر آخر وهو غلو قريب من الذي قبله
وقال أكثر المالكية والمحققون من الحنفية كأبي جعفر الطحاوي وأبي بكر الرازي بتقديم المسند على المرسل عند التعارض وإن المرسل وإن كان يحتج به ويوجب العمل ولكنه دون المسند
قال ابن عبد البر وشبهوا ذلك بالشهود يكون بعضهم أفضل حالا من بعض وأقعد وأتم معرفة وإن كان الكل عدو لا جائزين الشهادة قال
1 / 34