Тафсир ат-Табари
جامع البيان في تفسير القرآن
يبني إسرائيل اذكروا نعمتي التي أنعمت عليكم وأوفوا بعهدي أوف بعهدكم
[البقرة: 40] وخطابه إياهم جل ذكره بالوفاء في ذلك خاصة دون سائر البشر ما يدل على أن قوله: { الذين ينقضون عهد الله من بعد ميثقه } مقصود به كفارهم ومنافقوهم، ومن كان من أشياعهم من مشركي عبدة الأوثان على ضلالهم. غير أن الخطاب وإن كان لمن وصفت من الفريقين فداخل في أحكامهم وفيما أوجب الله لهم من الوعيد والذم والتوبيخ كل من كان على سبيلهم ومنهاجهم من جميع الخلق وأصناف الأمم المخاطبين بالأمر والنهي. فمعنى الآية إذا: وما يضل به إلا التاركين طاعة الله، الخارجين عن اتباع أمره ونهيه، الناكثين عهود الله التي عهدها إليهم في الكتب التي أنزلها إلى رسله وعلى ألسن أنبيائه باتباع أمر رسوله محمد صلى الله عليه وسلم وما جاء به، وطاعة الله فيما افترض عليهم في التوراة من تبيين أمره للناس، وإخبارهم إياهم أنهم يجدونه مكتوبا عندهم أنه رسول من عند الله مفترضة طاعته وترك كتمان ذلك لهم. ونكثهم ذلك ونقضهم إياه، هو مخالفتهم الله في عهده إليهم فيما وصفت أنه عهد إليهم بعد إعطائهم ربهم الميثاق بالوفاء بذلك كما وصفهم به جل ذكره بقوله:
فخلف من بعدهم خلف ورثوا الكتب يأخذون عرض هذا الأدنى ويقولون سيغفر لنا وإن يأتهم عرض مثله يأخذوه ألم يؤخذ عليهم ميثق الكتب أن لا يقولوا على الله إلا الحق
[الأعراف: 169] وأما قوله: { من بعد ميثقه } فإنه يعني من بعد توثق الله فيه بأخذ عهوده بالوفاء له بما عهد إليهم في ذلك، غير أن التوثق مصدر من قولك: توثقت من فلان توثقا، والميثاق اسم منه، والهاء في الميثاق عائدة على اسم الله. وقد يدخل في حكم هذه الآية كل من كان بالصفة التي وصف الله بها هؤلاء الفاسقين من المنافقين والكفار في نقض العهد وقطع الرحم والإفساد في الأرض. كما: حدثنا بشر بن معاذ، قال: حدثنا يزيد، عن سعيد، عن قتادة قوله: { الذين ينقضون عهد الله من بعد ميثقه } فإياكم ونقض هذا الميثاق، فإن الله قد كره نقضه وأوعد فيه وقدم فيه في آي القرآن حجة وموعظة ونصيحة، وإنا لا نعلم الله جل ذكره أوعد في ذنب ما أوعد في نقض الميثاق، فمن أعطى عهد الله وميثاقه من ثمرة قلبه فليف به لله. وحدثني المثنى، قال: حدثنا إسحاق، قال: حدثنا ابن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع في قوله: { الذين ينقضون عهد الله من بعد ميثقه ويقطعون مآ أمر الله به أن يوصل ويفسدون في الأرض أولئك هم الخسرون } فهي ست خلال في أهل النفاق إذا كانت لهم الظهرة أظهروا هذه الخلال الست جميعا: إذا حدثوا كذبوا، وإذا وعدوا أخلفوا، وإذا اؤتمنوا خانوا، ونقضوا عهد الله من بعد ميثاقه، وقطعوا ما أمر الله به أن يوصل، وأفسدوا في الأرض. وإذا كانت عليهم الظهرة أظهروا الخلال الثلاث: إذا حدثوا كذبوا، وإذا وعدوا أخلفوا، وإذا اؤتمنوا خانوا. القول في تأويل قوله تعالى: { ويقطعون مآ أمر الله به أن يوصل }. قال أبو جعفر: والذي رغب الله في وصله وذم على قطعه في هذه الآية: الرحم، وقد بين ذلك في كتابه فقال تعالى:
فهل عسيتم إن توليتم أن تفسدوا في الأرض وتقطعوا أرحامكم
[محمد: 22] وإنما عنى بالرحم: أهل الرجل الذين جمعتهم وإياه رحم والدة واحدة، وقطع ذلك ظلمه في ترك أداء ما ألزم الله من حقوقها وأوجب من برها ووصلها أداء الواجب لها إليها: من حقوق الله التي أوجب لها، والتعطف عليها بما يحق التعطف به عليها. و«أن» التي مع «يوصل» في محل خفض بمعنى ردها على موضع الهاء التي في «به» فكان معنى الكلام: ويقطعون الذي أمر الله بأن يوصل. والهاء التي في «به» هي كناية عن ذكر «أن يوصل». وبما قلنا في تأويل قوله: { ويقطعون مآ أمر الله به أن يوصل } وأنه الرحم كان قتادة يقول: حدثنا بشر بن معاذ. قال: حدثنا يزيد، عن سعيد، عن قتادة: { ويقطعون مآ أمر الله به أن يوصل } فقطع والله ما أمر الله به أن يوصل بقطيعة الرحم والقرابة.
وقد تأول بعضهم ذلك أن الله ذمهم بقطعهم رسول الله صلى الله عليه وسلم والمؤمنين به وأرحامهم، واستشهد على ذلك بعموم ظاهر الآية، وأن لا دلالة على أنه معني بها: بعض ما أمر الله بوصله دون بعض. قال أبو جعفر: وهذا مذهب من تأويل الآية غير بعيد من الصواب، ولكن الله جل ثناؤه قد ذكر المنافقين في غير آية من كتابه، فوصفهم بقطع الأرحام. فهذه نظيرة تلك، غير أنها وإن كانت كذلك فهي دالة على ذم الله كل قاطع قطع ما أمر الله بوصله رحما كانت أو غيرها. القول في تأويل قوله تعالى: { ويفسدون في الأرض }. قال أبو جعفر: وفسادهم في الأرض هو ما تقدم وصفناه قبل من معصيتهم ربهم وكفرهم به، وتكذيبهم رسوله، وجحدهم نبوته، وإنكارهم ما أتاهم به من عند الله أنه حق من عنده. القول في تأويل قوله تعالى: { أولئك هم الخسرون }. قال أبو جعفر: والخاسرون جمع الخاسر، والخاسرون: الناقصون أنفسهم حظوظها بمعصيتهم الله من رحمته، كما يخسر الرجل في تجارته بأن يوضع من رأس ماله في بيعه. فكذلك الكافر والمنافق خسر بحرمان الله إياه رحمته التي خلقها لعباده في القيامة أحوج ما كان إلى رحمته، يقال منه: خسر الرجل يخسر خسرا وخسرانا وخسارا، كما قال جرير بن عطية:
إن سليطا في الخسار إنه
أولاد قوم خلقوا أقنه
يعني بقوله في الخسار: أي فيما يوكسهم حظوظهم من الشرف والكرم. وقد قيل: إن معنى { أولئك هم الخسرون }: أولئك هم الهالكون. وقد يجوز أن يكون قائل ذلك أراد ما قلنا من هلاك الذي وصف الله صفته بالصفة التي وصفه بها في هذه الآية بحرمان الله إياه ما حرمه من رحمته بمعصيته إياه وكفره به. فحمل تأويل الكلام على معناه دون البيان عن تأويل عين الكلمة بعينها، فإن أهل التأويل ربما فعلوا ذلك لعلل كثيرة تدعوهم إليه. وقال بعضهم في ذلك بما: حدثت به عن المنجاب. قال: حدثنا بشر بن عمارة عن أبي روق، عن الضحاك، عن ابن عباس، قال: كل شيء نسبه الله إلى غير أهل الإسلام من اسم مثل «خاسر»، فإنما يعني به الكفر، وما نسبه إلى أهل الإسلام فإنما يعني به الذنب.
Неизвестная страница