Тафсир ат-Табари
جامع البيان في تفسير القرآن
قال أبو جعفر: وهذا وصف من الله جل ذكره الفاسقين الذين أخبر أنه لا يضل بالمثل الذي ضربه لأهل النفاق غيرهم، فقال: { وما يضل } الله بالمثل الذي يضربه على ما وصف قبل في الآيات المتقدمة إلا الفاسقين الذين ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه. ثم اختلف أهل المعرفة في معنى العهد الذي وصف الله هؤلاء الفاسقين بنقضه، فقال بعضهم: هو وصية الله إلى خلقه، وأمره إياهم بما أمرهم به من طاعته، ونهيه إياهم عما نهاهم عنه من معصيته في كتبه وعلى لسان رسوله صلى الله عليه وسلم، ونقضهم ذلك تركهم العمل به. وقال آخرون: إنما نزلت هذه الآيات في كفار أهل الكتاب والمنافقين منهم، وإياهم عنى الله جل ذكره بقوله:
إن الذين كفروا سوآء عليهم ءأنذرتهم
[البقرة: 6] وبقوله:
ومن الناس من يقول آمنا بالله وباليوم الآخر
[البقرة: 8] فكل ما في هذه الآيات فعذل لهم وتوبيخ إلى انقضاء قصصهم. قالوا: فعهد الله الذي نقضوه بعد ميثاقه: هو ما أخذه الله عليهم في التوراة من العمل بما فيها، واتباع محمد صلى الله عليه وسلم إذا بعث، والتصديق به وبما جاء به من عند ربهم. ونقضهم ذلك هو جحودهم به بعد معرفتهم بحقيقته، وإنكارهم ذلك، وكتمانهم علم ذلك عن الناس، بعد إعطائهم الله من أنفسهم الميثاق ليبيننه للناس ولا يكتمونه. فأخبر الله جل ثناؤه أنهم نبذوه وراء ظهورهم واشتروا به ثمنا قليلا. وقال بعضهم: إن الله عنى بهذه الآية جميع أهل الشرك والكفر والنفاق وعهده إلى جميعهم في توحيده ما وضع لهم من الأدلة الدال على ربوبيته وعهده إليهم في أمره ونهيه ما احتج به لرسله من المعجزات التي لا يقدر أحد من الناس غيرهم أن يأتي بمثلها الشاهدة لهم على صدقهم. قالوا: ونقضهم ذلك تركهم الإقرار بما قد تبينت لهم صحته بالأدلة، وتكذيبهم الرسل والكتب، مع علمهم أن ما أتوا به حق. وقال آخرون: العهد الذي ذكره الله جل ذكره، هو العهد الذي أخذه عليهم حين أخرجهم من صلب آدم، الذي وصفه في قوله:
وإذ أخذ ربك من بني ءادم من ظهورهم ذريتهم وأشهدهم على أنفسهم
[الأعراف: 172] الآيتين، ونقضهم ذلك، تركهم الوفاء به. وأولى الأقوال عندي بالصواب في ذلك، قول من قال: إن هذه الآيات نزلت في كفار أحبار اليهود الذين كانوا بين ظهراني مهاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم، وما قرب منها من بقايا بني إسرائيل، ومن كان على شركه من أهل النفاق الذين قد بينا قصصهم فيما مضى من كتابنا هذا. وقد دللنا على أن قول الله جل ثناؤه: { إن الذين كفروا سوآء عليهم } وقوله: { ومن الناس من يقول آمنا بالله وباليوم الآخر } فيهم أنزلت، وفيمن كان على مثل الذي هم عليه من الشرك بالله.
غير أن هذه الآيات عندي وإن كانت فيهم نزلت، فإنه معني بها كل من كان على مثل ما كانوا عليه من الضلال، ومعني بما وافق منها صفة المنافقين خاصة جميع المنافقين، وبما وافق منها صفة كفار أحبار اليهود جميع من كان لهم نظيرا في كفرهم. وذلك أن الله جل ثناؤه يعم أحيانا جميعهم بالصفة لتقديمه ذكر جميعها في أول الآيات التي ذكرت قصصهم، ويخص أحيانا بالصفة بعضهم لتفصيله في أول الآيات بين فريقيهم، أعني فريق المنافقين من عبدة الأوثان وأهل الشرك بالله، وفريق كفار أحبار اليهود، فالذين ينقضون عهد الله: هم التاركون ما عهد الله إليهم من الإقرار بمحمد صلى الله عليه وسلم وبما جاء به وتبيين نبوته للناس الكاتمون بيان ذلك بعد علمهم به وبما قد أخذ الله عليهم في ذلك، كما قال الله جل ذكره:
وإذ أخذ الله ميثاق الذين أوتوا الكتاب لتبيننه للناس ولا تكتمونه فنبذوه ورآء ظهورهم
[آل عمران: 187] ونبذهم ذلك وراء ظهورهم: هو نقضهم العهد الذي عهد إليهم في التوراة الذي وصفناه، وتركهم العمل به. وإنما قلت: إنه عنى بهذه الآيات من قلت إنه عنى بها، لأن الآيات من ابتداء الآيات الخمس والست من سورة البقرة فيهم نزلت إلى تمام قصصهم، وفي الآية التي بعد الخبر عن خلق آدم وابنائه في قوله:
Неизвестная страница