Тафсир ат-Табари
جامع البيان في تفسير القرآن
أو كصيب من السمآء
[البقرة: 19] الآيات الثلاث، قال المنافقون: الله أعلى وأجل من أن يضرب هذه الأمثال. فأنزل الله { إن الله لا يستحى أن يضرب مثلا ما بعوضة } إلى قوله: { أولئك هم الخسرون }. وقال آخرون بما: حدثني به أحمد بن إبراهيم، قال: حدثنا قراد عن أبي جعفر الرازي، عن الربيع بن أنس، في قوله تعالى: { إن الله لا يستحى أن يضرب مثلا ما بعوضة فما فوقها } قال: هذا مثل ضربه الله للدنيا، إن البعوضة تحيا ما جاعت، فإذا سمنت ماتت، وكذلك مثل هؤلاء القوم الذين ضرب الله لهم هذا المثل في القرآن، إذا امتلئوا من الدنيا ريا أخذهم الله عند ذلك. قال: ثم تلا
فلما نسوا ما ذكروا به فتحنا عليهم أبواب كل شيء
[الأنعام: 44] الآية. وحدثني المثنى بن إبراهيم، قال: حدثنا إسحاق بن الحجاج، قال: حدثنا ابن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع بن أنس بنحوه، إلا أنه قال: فإذا خلى آجالهم، وانقطعت مدتهم، صاروا كالبعوضة تحيا ما جاعت وتموت إذا رويت فكذلك هؤلاء الذين ضرب الله لهم هذا المثل إذا امتلئوا من الدنيا ريا أخذهم الله فأهلكهم، فذلك قوله:
حتى إذا فرحوا بمآ أوتوا أخذناهم بغتة فإذا هم مبلسون
[الأنعام: 44]. وقال آخرون بما: حدثنا به بشر بن معاذ، قال: حدثنا يزيد، عن سعيد، عن قتادة قوله: { إن الله لا يستحى أن يضرب مثلا ما بعوضة فما فوقها } أي إن الله لا يستحيي من الحق أن يذكر منه شيئا ما قل منه أو كثر. إن الله حين ذكر في كتابه الذباب والعنكبوت، قال أهل الضلالة: ما أراد الله من ذكر هذا؟ فأنزل الله: { إن الله لا يستحى أن يضرب مثلا ما بعوضة فما فوقها }. وحدثنا الحسن بن يحيى قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن قتادة، قال: لما ذكر الله العنكبوت والذباب، قال المشركون: ما بال العنكبوت والذباب يذكران؟ فأنزل الله: { إن الله لا يستحى أن يضرب مثلا ما بعوضة فما فوقها }. وقد ذهب كل قائل ممن ذكرنا قوله في هذه الآية وفي المعنى الذي نزلت فيه مذهبا، غير أن أولى ذلك بالصواب وأشبهه بالحق ما ذكرنا من قول ابن مسعود وابن عباس.
وذلك أن الله جل ذكره أخبر عباده أنه لا يستحي أن يضرب مثلا ما بعوضة فما فوقها عقيب أمثال قد تقدمت في هذه السورة ضربها للمنافقين دون الأمثال التي ضربها في سائر السور غيرها. فلأن يكون هذا القول، أعني قوله: { إن الله لا يستحى أن يضرب مثلا } ما جوابا لنكير الكفار والمنافقين ما ضرب لهم من الأمثال في هذه السورة أحق وأولى من أن يكون ذلك جوابا لنكيرهم ما ضرب لهم من الأمثال في غيرها من السور. فإن قال قائل: إنما أوجب أن يكون ذلك جوابا لنكيرهم ما ضرب من الأمثال في سائر السور لأن الأمثال التي ضربها الله لهم ولآلهتهم في سائر السور أمثال موافقة المعنى، لما أخبر عنه أنه لا يستحي أن يضربه مثلا، إذا كان بعضها تمثيلا لآلهتهم بالعنكبوت وبعضها تشبيها لها في الضعف والمهانة بالذباب، وليس ذكر شيء من ذلك بموجود في هذه السورة فيجوز أن يقال: إن الله لا يستحيي أن يضرب مثلا ما فإن ذلك بخلاف ما ظن، وذلك أن قول الله جل ثناؤه: { إن الله لا يستحى أن يضرب مثلا ما بعوضة فما فوقها } إنما هو خبر منه جل ذكره أنه لا يستحيي أن يضرب في الحق من الأمثال صغيرها وكبيرها ابتلاء بذلك عباده واختبارا منه لهم ليميز به أهل الإيمان والتصديق به من أهل الضلال والكفر به، إضلالا منه به لقوم وهداية منه به لآخرين كما: حدثني محمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، عن عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قوله: { مثلا ما بعوضة } يعني الأمثال صغيرها وكبيرها، يؤمن بها المؤمنون، ويعلمون أنها الحق من ربهم، ويهديهم الله بها، ويضل بها الفاسقين. يقول: يعرفه المؤمنون فيؤمنون به، ويعرفه الفاسقون فيكفرون به. وحدثني المثنى، قال حدثنا أبو حذيفة، قال: حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد بمثله. وحدثني القاسم، قال: حدثنا الحسين، قال: حدثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد مثله. قال أبو جعفر: لا أنه جل ذكره قصد الخبر عن عين البعوضة أنه لا يستحيي من ضرب المثل بها، ولكن البعوضة لما كانت أضعف الخلق كما: حدثنا القاسم، قال: حدثنا الحسين، قال: حدثنا أبو سفيان، عن معمر، عن قتادة، قال: البعوضة أضعف ما خلق الله. وحدثنا القاسم، قال: حدثنا الحسين، قال: حدثني حجاج، عن ابن جريج بنحوه. خصها الله بالذكر في القلة، فأخبر أنه لا يستحيي أن يضرب أقل الأمثال في الحق وأحقرها وأعلاها إلى غير نهاية في الارتفاع جوابا منه جل ذكره لمن أنكر من منافقي خلقه ما ضرب لهم من المثل بموقد النار والصيب من السماء على ما نعتهما به من نعتهما.
فإن قال لنا قائل: وأين ذكر نكير المنافقين الأمثال التي وصفت الذي هذا الخبر جوابه، فنعلم أن القول في ذلك ما قلت؟ قيل: الدلالة على ذلك بينها جل ذكره في قوله: { فأما الذين آمنوا فيعلمون أنه الحق من ربهم وأما الذين كفروا فيقولون ماذآ أراد الله بهذا مثلا } وأن القوم الذين ضرب لهم الأمثال في الآيتين المقدمتين، اللتين مثل ما عليه المنافقون مقيمون فيهما بموقد النار وبالصيب من السماء على ما وصف من ذلك قبل قوله: { إن الله لا يستحى أن يضرب مثلا } قد أنكروا المثل وقالوا: { ماذآ أراد الله بهذا مثلا } ، فأوضح خطأ قيلهم ذلك، وقبح لهم ما نطقوا به وأخبرهم بحكمهم في قيلهم ما قالوا منه، وأنه ضلال وفسوق، وأن الصواب والهدى ما قاله المؤمنون دون ما قالوه. وأما تأويل قوله: { إن الله لا يستحى } فإن بعض المنسوبين إلى المعرفة بلغة العرب كان يتأول معنى: { إن الله لا يستحى } إن الله لا يخشى أن يضرب مثلا، ويستشهد على ذلك من قوله بقول الله تعالى:
وتخشى الناس والله أحق أن تخشاه
[الأحزاب: 37] ويزعم أن معنى ذلك: وتستحي الناس والله أحق أن تستحيه فيقول: الاستحياء بمعنى الخشية، والخشية بمعنى الاستحياء. وأما معنى قوله: { أن يضرب } فهو أن يبين ويصف، كما قال جل ثناؤه:
Неизвестная страница