Тафсир ат-Табари
جامع البيان في تفسير القرآن
ءامنا بالله وباليوم الأخر
[البقرة: 8] وهم في قيلهم ذلك كذبة لاستسرارهم الشك والمرض في اعتقادات قلوبهم. في أمر الله وأمر رسوله صلى الله عليه وسلم، فأولى في حكمة الله جل جلاله أن يكون الوعيد منه لهم على ما افتتح به الخبر عنهم من قبيح أفعالهم وذميم أخلاقهم، دون ما لم يجز له ذكر من أفعالهم إذ كان سائر آيات تنزيله بذلك نزل. وهو أن يفتتح ذكر محاسن أفعال قوم ثم يختم ذلك بالوعيد على ما افتتح به ذكره من أفعالهم، ويفتتح ذكر مساوىء أفعال آخرين ثم يختم ذلك بالوعيد على ما ابتدأ به ذكره من أفعالهم. فكذلك الصحيح من القول في الآيات التي افتتح فيها ذكر بعض مساوىء أفعال المنافقين أن يختم ذلك بالوعيد على ما افتتح به ذكره من قبائح أفعالهم، فهذا مع دلالة الآية الأخرى على صحة ما قلنا وشهادتها بأن الواجب من القراءة ما اخترنا، وأن الصواب من التأويل ما تأولنا من أن وعيد الله المنافقين في هذه الآية العذاب الأليم على الكذب الجامع معنى الشك والتكذيب، وذلك قول الله تبارك وتعالى:
إذا جاءك المنفقون قالوا نشهد إنك لرسول الله والله يعلم إنك لرسوله والله يشهد إن المنفقين لكذبون اتخذوا أيمنهم جنة فصدوا عن سبيل الله إنهم ساء ما كانوا يعملون
[المنافقون: 1-2] والآية الأخرى في المجادلة:
اتخذوا أيمنهم جنة فصدوا عن سبيل الله فلهم عذاب مهين
[المجادلة: 16] فأخبر جل ثناؤه أن المنافقين بقيلهم ما قالوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم، مع اعتقادهم فيه ما هم معتقدون، كاذبون. ثم أخبر تعالى ذكره أن العذاب المهين لهم على ذلك من كذبهم. ولو كان الصحيح من القراءة على ما قرأه القارئون في سورة البقرة: { ولهم عذاب أليم بما كانوا يكذبون } لكانت القراءة في السورة الأخرى:
والله يشهد إن المنفقين
[المنافقون: 1] ليكون الوعيد لهم الذي هو عقيب ذلك وعيدا على التكذيب، لا على الكذب. وفي إجماع المسلمين على أن الصواب من القراءة في قوله:
والله يشهد إن المنفقين لكذبون
[المنافقون: 1] بمعنى الكذب، وأن إيعاد الله تبارك وتعالى فيه المنافقين العذاب الأليم على ذلك من كذبهم، أوضح الدلالة على أن الصحيح من القراءة في سورة البقرة: { بما كانوا يكذبون } بمعنى الكذب، وأن الوعيد من الله تعالى ذكره للمنافقين فيها على الكذب حق، لا على التكذيب الذي لم يجز له ذكر نظير الذي في سورة المنافقين سواء. وقد زعم بعض نحويي البصرة أن «ما» من قول الله تبارك اسمه: { بما كانوا يكذبون } اسم للمصدر، كما أن أن والفعل اسمان للمصدر في قولك: أحب أن تأتيني، وأن المعنى إنما هو بكذبهم وتكذيبهم.
Неизвестная страница