Истишрак
نقد الاستشراق وأزمة الثقافة العربية المعاصرة: دراسة في المنهج
Жанры
ومن الصعب، في هذه الظروف، أن يتعرف المرء على هذا التاريخ بوصفه تاريخا لأناس عاديين لهم أخطاؤهم وعيوبهم؛ فكل ما يخرج عن إطار المؤسسة ذاتها لا بد أن يكون كفرا وزندقة ومروقا. وكل محاولة لدراسة الحركات التي تؤكد خضوع التاريخ الإسلامي للقوانين التي يخضع لها أي تاريخ بشرى آخر، تقابل بالاستنكار والتشكك والاتهام. وبمثل هذا المنهج يفقد التاريخ أهم عناصره: عنصر الصراع بين القوى المتعارضة، ويرتدي التاريخ عباءة مزيفة بيضاء من غير سوء. •••
إن نقد الاستشراق من المنظور الإسلامي ينطوي في نهاية الأمر على مبدأ أساسي لا يصرح به أصحاب هذا الموقف، ولكنه موجود ضمنا في كل حرف مما يكتبون، هو أننا أصحاب حقيقة مطلقة، وكل من يؤيد حقيقتنا المطلقة على صواب، وكل من يعارضها على خطأ. وإني لأكاد أوقن بأن رد فعلهم إزاء نقد كازدواجية المعايير مثلا هو أنه لا بد أن يكون هناك معيار مزدوج؛ لأن الحق لا يمكن أن يعامل كالباطل، ومن المستحيل وضعهما على قدم المساواة. فتأثر الحضارة الغربية بالحضارة الإسلامية مثلا شيء لا بد منه؛ لأن إشعاع الحق على الباطل ظاهرة إيجابية دائما، أما تأثر الحضارة الإسلامية بالغرب في الوقت الراهن فهو أمر مذموم؛ لأن الباطل فيه يلوث الحق.
وهكذا تواجه جميع الانتقادات بهذا المبدأ الذي يغلق الطريق أمام كل مناقشة منطقية، مبدأ الحقيقة الواحدة المطلقة التي نمتلكها «نحن» ولا يمتلكها «الآخرون». ولو رددت عليهم بأن هؤلاء «الآخرين» لديهم بدورهم حقيقتهم المطلقة، وأنهم يسمون أنفسهم «نحن»، على حين أننا في نظرهم «الآخرون»، المحرومون من الحقيقة المطلقة - لو قلت ذلك لما كانوا على استعداد لسماعك؛ لأن مكانة الحقيقة التي يمتلكونها لا يمكن أن تمسها تلك الأفكار المنطقية «السطحية».
ومعنى ذلك، بعبارة أخرى، هو أن النقد الإسلامي للاستشراق يرتكز أساسا على موقف إيماني، ولا يثير مشكلة حقيقية على المستوى العقلي، ولا يرتكز على حجج قابلة للنقاش. ومن ثم كان هذا المنظور الديني في نقد الاستشراق هو أضعف المنظورات وأقلها جدارة بالمناقشة.
فهو يؤدي إلى استبعاد المعايير العلمية استبعادا تاما عند تقويم أعمال المستشرقين، وكثيرا ما يرى في ضخامة الجهد العلمي الذي بذله المستشرق سببا لمهاجمته بشدة.
10
وهو يزداد تطرفا، فيفسر قيام الاستشراق أصلا بأنه يستهدف «الانتقاص من تعاليم الإسلام ... وتعويضا عن هزائم الصليبية.»
11
والنتيجة الطبيعية لذلك هي رفض الاستشراق بأكمله، ومعه كافة المناهج الحديثة في كتابة التاريخ، على أساس أن «أخلاق الإسلام وآدابه وسننه وسائر ما يكون به الإسلام إسلاما، هي الأصل الذي لا غنى عنه لمن يتعرض لكتابة تاريخ أهل الإسلام.» هذا هو المنهج لا غيره من مناهج البحث، كما تعرف مناهج البحث في العصر الحديث.
12
Неизвестная страница