Исламская империя и священные места
الإمبراطورية الإسلامية والأماكن المقدسة
Жанры
ولقد كان أكثر وضوحا في شهر الصوم من كل سنة، حتى لقد كان أهل القرى لا يتناول أحدهم طعامه داخل داره، بل أمام الدار، ويرى حقا لكل من يمر به - عرفه أو لم يعرفه - أن يجلس معه وأن ينال من هذا الطعام كفايته. هذا إلى أن من آتاهم الله رزقا حسنا هم الذين كانوا يتكفلون بالمرافق العامة للقرية، فكان الأذكياء من أبناء الفقراء يتعلمون على نفقتهم، وكان المرضى موضع عنايتهم ورعايتهم، وكان في مالهم حق معلوم للسائل والمحروم، وكانوا يرون أداء هذا الحق واجبا يحاسبهم الله ويجزيهم عليه.
ولقد قلنا من قبل إن الإسلام حرم الربا على أساس اشتراكي مقبول، ذلك ألا يستغل من لا يعمل ثمرات العمل الذي يقوم به غيره. وكلنا لا نزال نذكر أن الربا كان إلى عهد قريب بغيضا إلى النفس الإسلامية أشد البغض، وأن المسلمين جميعا كانوا لا يفتئون يذكرون قوله تعالى:
يمحق الله الربا ويربي الصدقات
وقوله جل شأنه:
الذين يأكلون الربا لا يقومون إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس .
وكان العمل بهذه المبادئ متبعا في الأمم الإسلامية في هذا الزمن القريب الذي أشير إليه، وكان القرض الحسن وإنظار ذي العسرة إلى ميسرة، بعض ما يراه صاحب المال واجبا عليه لمن كان في حاجة إلى هذا المال.
تطورت هذه الأخلاق في مصر، وتطورت في غير مصر من الأمم الإسلامية، وكان من أثر هذا التطور أن كانت هذه الاشتراكية تخفى عن الأعين، فلم يبق لها مظهر إلا في الجمعيات الخيرية التي تألفت لتسد الأغراض التي جنى عليها هذا التطور، على أن ما نراه في مصر وفي غير مصر يدل على أن هذه الأمم الإسلامية تلتمس في نظمها الجديدة وسيلة يتحقق بها هذا المزاج بين الفردية والاشتراكية على النحو الذي قرره الإسلام منذ عهوده الأولى.
وآية هذا الاتجاه ما هو واضح من حرص المسئولين في الشئون العامة على العناية بشئون الطبقات الفقيرة عناية تقوم الدولة بأعبائها. ولم يعارض أحد هذه النزعة التي تحقق المزج بين الفردية والاشتراكية، وهذا الإجماع صريح في الدلالة على أن الفكرة أصيلة في النفس الإسلامية، متصلة فيها بالعقيدة وبالمبادئ الإنسانية العامة التي تدعو هذه العقيدة إليها.
هذا واقع بالفعل لا ينكره أحد، وبإجماع لا يخرج عليه أحد، على أن ثمت أمرا يتصل به يستوقف النظر، وهو في رأيي جدير بالإعجاب والتقدير. ذلك أن الذين يدعون هذه الدعوة ويتحمسون لها في الأمم الإسلامية ينادون بها على أساس مدني بحت، ويعتبرونها تنظيما للحياة الاجتماعية والاقتصادية متصلا بشئون الحياة الدنيا، ينطبق عليه الحديث النبوي: «أنتم أعلم بأمور دنياكم.» وأنت تراهم لذلك لا يتقيدون فيه إلا بما يحقق المصلحة العامة على النحو الذي يهديهم إليه تفكيرهم، مستمدين من شئون الحياة في تطوراتها الحاضرة بحكم الحضارة القائمة ما يتفق والمبادئ الإنسانية السامية القائمة على أساس من قواعد الخلق السليم المتصل في نفوسهم بحكم ضمائرهم.
وهذا الاتجاه المدني متفق مع المنطق الإسلامي الذي يجعل العقل حكما في كل شيء، حكما في الإيمان نفسه، وذلك قول المغفور له الأستاذ الإمام الشيخ محمد عبده: «إن المرء لا يكون مؤمنا إلا إذا عقل دينه وعرفه بنفسه حتى اقتنع به، فمن ربي على التسليم بغير عقل، والعمل - ولو صالحا - بغير فقه، فهو غير مؤمن، فليس القصد من الإيمان أن يذلل الإنسان للخير كما يذلل الحيوان، بل القصد منه أن يرتقي عقله وترتقي نفسه بالعلم، فيعمل الخير لأنه يفقه أنه الخير النافع المرضي لله، ويترك الشر لأنه يفهم سوء عاقبته ودرجة مضرته.»
Неизвестная страница