Исламская империя и священные места
الإمبراطورية الإسلامية والأماكن المقدسة
Жанры
مرت الأمم الإسلامية في العصور المختلفة بأطوار متفاوتة في قربها من النظام العربي الذي نشأ مع الإسلام، واستمد أصوله من البيئة العربية، وفي بعدها عن هذا النظام وقربها من النظم التي كانت تحيط بالعاصمة الإسلامية حين كان للمسلمين عاصمة معترف بها منهم جميعا، وبأقوى العواصم الإسلامية حين تعددت هذه العواصم وتنافست، واستقلت بعضها بالخلافة على المسلمين وخرجت بعضها عن سلطان الخليفة وحكمه.
كان ذلك شأن هذه الأمم في نظامها السياسي، وفي نظامها الاجتماعي، وفي نظامها الاقتصادي، ولئن ظلت كلها خاضعة لأحكام القرآن الكريم في إيمانها وعباداتها. لقد كان لاجتهاد الفقهاء وكبار العلماء أثره البالغ في التطور من نواحيه المتصلة بنظم الحياة الاجتماعية، ولن يزال ذلك شأنها اليوم وفي المستقبل كما كان شأنها في الماضي، فما جاء بالقرآن من نظم هذه الحياة الاجتماعية لم يتعد المبادئ العامة كما قدمنا، وتفصيل هذه المبادئ وتوجيهها كان ولا يزال مصدر تطورها واتصالها بسائر أمم العالم وبالحضارة القائمة فيه.
ولقد عم الحكم المطلق الأمم الإسلامية، حين ساد هذا النظام أمم العالم كله، أما اليوم فالأمم الإسلامية تؤمن كلها بالمبادئ الديمقراطية، وتراها وحدها المتفقة مع مبادئ الإسلام الأساسية، ومع ما قررته هذه المبادئ من قواعد الإخاء والحرية والمساواة.
على أن تغير النظم التي أظلت العالم الإسلامي في مختلف العصور لم يغير المبدأ العام للحياة الاقتصادية، ولا الأساس الذي تقوم هذه الحياة عليه، فقد ظلت هذه الحياة دائما مزاجا من الفردية والاشتراكية.
لذلك ظل الملك والأسرة والميراث أسسا جوهرية لحياة هذه الأمم، وظلت لليتامى والفقراء والمساكين وأبناء السبيل وغيرهم ممن نص الكتاب الكريم عليهم حقوق مقررة في بيت المال تقتضى من الزكاة ومن الصدقة، كما ظل في مال كل مؤمن حق معلوم للسائل والمحروم.
الاشتراكية في العبادات
وما كان لهذه القواعد أن تتغير أو تتبدل وهي متصلة بالإيمان بالله كما قدمنا، وما كان للاشتراكية الإسلامية أن تزول أو تضعف ولها في سائر مظاهر الإيمان والعبادات المترتبة عليه نصيب واضح. ولقد أشرنا إلى أن الزكاة والصدقة واتصال هذه الاشتراكية واضح في صلاة الجماعة، وفي الصوم، كما أن فريضة الحج تنطوي على معاني الاشتراكية الإسلامية، حتى لا يبالغ من يقول إنها أوضح مظهر لهذه المعاني جميعا.
فالتفاوت بين الناس يسقط أثناء هذه الفريضة، فلا يبقى له أثر في لباسهم، ولا في زينتهم، ولا في أي من مظاهر حياتهم. هم أثناء طوافهم بالكعبة وسعيهم بين الصفا والمروة وقيامهم على عرفات وإقامتهم بمنى، صورة قوية الدلالة على زوال التفاوت، وعلى سعادة الإنسانية بهذا الزوال. ودلالة هذه الصورة أقوى وأكثر صراحة في أن التفاوت النفساني أعظم من التفاوت المادي.
هذا كله جعل الاشتراكية الإسلامية تبقى قوية عميقة القواعد في نفس كل مسلم. ولقد كانت واضحة الأثر منذ نصف قرن في الأمم الإسلامية، وتطورت صورها في هذا القرن العشرين حتى كادت تخفى عن الأعين، وسبب هذا التطور شدة اتصال الأمم الإسلامية بالغرب وأخذها بمبادئه وبحضارته. والاشتراكية الإسلامية مع ذلك باقية، وأنا واثق بأن التطور في حياة الأمم الإسلامية سيعيدها على أساس من القواعد التي عرفها أهل الصدر الأول وأهل العصور الأولى للإسلام.
ولقد يعجب بعضهم لقولي إن الاشتراكية الإسلامية كانت واضحة الأثر إلى خمسين سنة مضت، لكن الواقع هو ما أقول. والذين عاشوا خلال الحقبة الأخيرة من القرن الماضي - وهم لحسن الحظ كثيرون - يذكرون أن السجايا الإسلامية التي كانت متداولة بين المسلمين الأولين من أهل شبه جزيرة العرب كانت متداولة في مصر، فكان الذين آتاهم الله رزقا حسنا يشعرون بما عليهم للفقير واليتيم والمسكين وابن السبيل من حق واجب الأداء لرضا الله، وكان مظهر ذلك باديا في نواحي الحياة بوجه عام.
Неизвестная страница