253

Илиада

الإلياذة

Жанры

فأجابه أبولو، الذي يضرب من بعيد: «يا مزلزل الأرض، يحق لك أن تعتبرني سقيم العقل إذا حاربتك من أجل البشر، أولئك المخلوقات التعيسة الشبيهة بأوراق الأشجار، تفيض حياة جياشة، تأكل ثمار الحقل تارة، وتذوي وتهلك تارة أخرى. هلم بنا، نعرض عن الصراع، ولنتركهم في قتالهم!»

وإذ قال هذا، استدار ليعود أدراجه، وقد خجل من أن يقاتل شقيق أبيه. بيد أن شقيقته أرتيميس - ذات الغابة الوحشية، ملكة الحيوانات المفترسة - أخذت تعنفه بشدة، وترميه بعبارات السباب قائلة: «يا للعار أيها الرب الذي يصيب من بعيد! أتهرب من المعركة تاركا النصر كلية لبوسايدون، مانحا إياه المجد لقاء لا شيء؟! ما أحمقك! لم تحمل إذن قوسا لا فائدة منها كالريح؟ لا تفخر أمامي - بعد الآن - في قصر أبي، كما سبق لك وسط الآلهة الخالدين، بأنك لن تلاقي بوسايدون في عراك علني.»

هكذا قالت، ولكن أبولو - الذي يصيب من بعيد - لم يحر جوابا. فاستشاطت زوجة زوس المبجلة حنقا، وعيرت الملكة القواسة، بكلمات السماء، فقالت: «أيتها الوقحة، لم تتلهفين الآن على الوقوف ضدي؟ إنني لست بالعدو السهل، الذي تستطيعين تحديه في القوة، بالرغم من القوس التي تحملينها، ومن أن زوس جعلك كالأسد ضد النساء، ومنحك القوة لتقتلي من تشائين منهن. وإنه لخير لك أن تمارسي هذا الحق في الجبال، فتقتلي الحيوانات المفترسة والغزال البري، بدلا من مقاتلة من هم يبزونك قوة. وإن راقك، فلتتعلمي من الحرب، حتى تعرفي تماما أنني أقوى منك، وأن ليس لك أن تقارني قوتك بقوتي!»

قالت هذا، وأمسكت يدي غريمتها من الرسغين، بيدها اليسرى، وتناولت القوس من فوق كتفها، وأعدتها بيمناها، وضربتها - وهي تبتسم - بجانب أذنها، فاستدارت في هذا الاتجاه وذاك، وسقطت السهام السريعة خارج الجعبة، وولت الربة هاربة تبكي، كما تطير اليمامة من أمام البازي إلى صخرة جوفاء - إلى كهف - حتى لا تقع في الأسر، هكذا أطلقت أرتيميس العنان لقدميها، باكية، وتركت قوسها وسهامها حيث كانت. فتحدث الرسول - قاتل الأرجوسيين - إلى ليتو، قائلا: «لست أنا الذي سيقاتلك بأية حال، فما أشق تبادل الضربات بين زوجات زوس، جامع السحب، إنك تباهين في جرأة - وسط الآلهة الخالدين - بأنك هزمتني بقوتك الفائقة.»

وبعد أن قال هذا، جمعت ليتو القوس والسهام التي سقطت في الثرى هنا وهناك. ثم ابتعدت حاملة قوس ابنتها وسهامها، بينما انطلقت العذراء إلى أوليمبوس، إلى منزل زوس ذي العتبة البرونزية، وجلست تنتحب فوق ركبتي أبيها، وقد اهتز ثوبها المعطر من حولها. فجذبها والدها - ابن كرونوس - إليه، وسألها وهو يبتسم في رفق، فقال: «بنيتي العزيزة، من من أبناء السماء أساء معاملتك الآن، وكأنك اقترفت إثما أمام الجميع؟» فأجابته الصيادة - ذات التاج الجميل المدوي - بقولها: «ضربتني زوجتك يا أبتاه، هيرا البيضاء الساعدين، التي نشب الصراع والنزاع بين الخالدين بسببها!»

أخيل يقاتل أمام طروادة!

هكذا تحدث كل منهما إلى الآخر، ولكن «أبولو» دخل طروادة المقدسة إذ خشي على سور المدينة القوية البناء، أن يعجل الدانيون بيوم القضاء، فيهدموه في ذلك اليوم. وذهب الآلهة الآخرون إلى أوليمبوس، بعضهم غاضب حانق، والبعض الآخر متهلل. وجلسوا بجانب أبيهم، ملك السحب القاتمة. أما أخيل فكان لا يزال يعمل التقتيل في الطرواديين وجيادهم القوية الحوافر. وكما تحترق مدينة، ويتصاعد دخانها إلى عنان السماء الفسيحة. وقد غضب الآلهة فعملوا على زيادة اشتعالها، وتكبيد الكثيرين التعب والأحزان، كذلك هكذا سبب أخيل التعب والآلام للطرواديين!

ووقف بريام الكهل فوق السور المقدس، فأبصر أخيل الضاري، والطرواديين يهزمون أمامه في فوضى ثائرة. ولم تكن هناك أية معونة، فهبط عن السور إلى الأرض وهو يئن، صائحا في حراس الأبواب الأمجاد، المصطفين بطول السور: «افتحوا الأبواب بأيديكم، على مصاريعها، حتى يدخل القوم في شغبهم إلى المدينة. فيا للخزي! إن أخيل قريب، يدفعهم أمامه. وإني لأرى أنه سيفتك بهم. أما إذا احتشدوا وراء السور، وتمالكوا أنفاسهم فأغلقوا الأبواب المزدوجة خلفهم بإحكام، إذ أخاف أن يقفز هذا المخرب إلى داخل السور!»

هكذا قال، ففتحوا الأبواب ونزعوا عنها المزاليج، فلما فتحت على مصاريعها كتبت لهم النجاة. وانقض أبولو فورا أمام أخيل، ليدفع الهلاك عن الطرواديين، وهم يفرون إلى المدينة، وراء السور الشاهق، وأجوافهم تحترق من شدة الظمأ، وقد اغبرت رءوسهم من أتربة السهل، وأخيل يضيق عليهم الخناق برمحه، في ثورة هائجة، إذ كان يتوق بعنف إلى الفوز بالمجد.

عندئذ كاد أبناء الآخيين أن يستولوا على طروادة الشاهقة الأبواب، لولا أن «أبولو» حرض أجينور العظيم، ابن أنتينور - ذلك المحارب الباسل قريع دهره - وبثت الشجاعة في قلبه، كما وقف هو نفسه إلى جانبه، ليدفع عنه أيدي الموت الثقيلة، فاستند إلى شجرة بلوط، مطوقا بغمامة كثيفة. فلما فطن أجينور إلى أفعال أخيل - المخرب المدن - وقف، وأخذ يفكر في قلبه، في عدة أمور شريرة، وهو ينتظره. وإذ كان مبلبل الخاطر، راح يتحدث إلى روحه العظيمة الشجاعة قائلا: «الويل لي، لو هربت أمام أخيل العتيد، إلى حيث يهرب الآخرون في شغب، فإنه سيلحق بي ويقتلني في جبني! ولكن، ماذا لو تركت هؤلاء يفرون أمام أخيل بن بيليوس، ثم أفر أنا من السور إلى مكان آخر، صوب السهل الأيلي، حتى أصل إلى وهاد ممرات أيدا، فأختفي في الأدغال؟ وعند المساء، بعد أن أغتسل في النهر، وأرطب نفسي من العرق، أعود ثانية إلى طروادة، ولكن لماذا يحدثني قلبي هكذا؟ إنه قد يراني، وأنا أستدير بعيدا عن المدينة صوب السهل، فينطلق ورائي، ويلحق بي لسرعة قدميه. وحينئذ لن أستطيع النجاة من الموت وسوء المصير؛ لأنه أقوى من سائر البشر. وماذا لو قابلته أمام المدينة؟ فمن الممكن، على ما أعتقد، اختراق جسمه بالبرونز الحاد، إذ ليس فيه إلا حياة واحدة، وما هو غير إنسان، ولكن زوس بن كرونوس، يهبه المجد!»

Неизвестная страница