الناس في كل حين وآن، لا يُقلل من شأنها عند العقلاء أنها ليست من رعونات العصر، أو خارجة عن إبداع الجيل الحاضر ونزقه ونزغاته، وما ذلك إلا لأنها قامت من منطلق صحيح، وبُنيت بمنهج دقيق، وعالجت جانبًا من جوانب الإِنسانية الثابتة التي لا تتبدل ولا تتغير؛ لأنها من خصائص الإِنسان ومميزات وجوده.
وإن أبقى الكتب مع الأيام هي التي تضمُّ قدرًا كبيرًا من هذه الأفكار، فلها القبول وعليها المدار.
وإن هذا الكتاب الذي بين يديك أيها القارئ الكريم: (إحكام النظر في أحكام النظر بحاسّة البصر) من الأسفار التي ضمّت نيّر الأفكار، وقويَّ الآراء، وسديد الإستنباطات في جانب خطير من جوانبا الإنسانية الثابتة، ألا وهو النظر بالعين، وما تعكسه على النفس والمشاعر من آثار، قد تكون هذه الآثار في غاية النبل والسمو فترفع صاحبها إلى مقام الصدّيقين والشهداء، فيستحق النعيم المقيم في أعلى عليين، قال تعالى: ﴿إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ (١٩٠) الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ﴾ [آل عمران: ١٩٠، ١٩١].
﴿أَفَلَمْ يَنْظُرُوا إِلَى السَّمَاءِ فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْنَاهَا وَزَيَّنَّاهَا وَمَا لَهَا مِنْ فُرُوجٍ (٦) وَالْأَرْضَ مَدَدْنَاهَا وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ (٧) تَبْصِرَةً وَذِكْرَى لِكُلِّ عَبْدٍ مُنِيبٍ﴾ [ق: ٦ - ٨].
أو تهبط بصاحبها إلى دركات الحيوانية، بل دون ذلك، فيكون من الغاوين الذين اتبعوا هواهم، وعاثوا يطلبون مناهم، وأنّى لهم ذلك؟! بل شأنهم في تعب دائم، وشقاء متجدِّد متعاظم، وسُعَار لاهب متفاقم، وفي هؤلاء جاء قول الحق سبحانه: ﴿وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانْسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ (١٧٥) وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ
1 / 8