أنه يجب على المكلف أن يعلم أن الله تعالى حي، وحقيقة الحي هو من يمكنه إدراك الأشياء عند اجتماع شرائط الإدراك أو القدرة عليها مع سلامة الأحوال، وحقيقة الحياة تارة يعبر بها عن الذات كقولنا حياة الباري إذ المرجع بها إلى ذاته على الأصح،قال أبو الحسين والشيخ محمود: المرجع بكونه حيا إلى أنه لا يستحيل أن يقدر ويعلم وتارة يعبر بها عن ثبوت الحيوان على صفة بها خالف الجمادات،وحقيقة الحيوان هو الحي بحياة عند أهل علم الكلام،وأما أهل المنطق فيقولون الجسم الحساس المتحرك بالإرادة.قال الدواري:والأول حذف المتحرك بالإرادة من الحد إذ لا حاجة إلى ذلك.والقول بأن الله تعالى حي هو مذهب جميع من أقر بالصانع المختار إلا أنه يلزم المطرفية أن لا يكون حيا والخلاف في ذلك مع الباطنية.والدليل على ذلك المذهب الصحيح ما تقرر بالأدلة القطعية من أنه تعالى قادر عالم جرت عادة الشيوخ أن يجمعوا بين هاتين الصفتين في الاستدلال على كونه تعالى حيا وإن كانت إحداهما كافية في ذلك.وتحرير هذا الدليل أن نقول قد ثبت أن الله تعالى قادر عالم،والقادر العالم لا يكون إلا حيا فهذان أصلان لابد (لكل منهما) من دليل، أما الدليل على أنه تعالى قادر عالم فقد تقدم في مسألة قادر ومسألة عالم، وأما الدليل على أن القادر العالم لا يكون إلا حيا فلأن من المعلوم في الشاهد وجود ذاتين أحدهما يصح أن يقدر ويعلم كالواحد منا والآخر يستحيل أن يقدر ويعلم مثل الميت والجماد إذ هما لا يعلمان شيئا ولا يقدران عليه ضرورة، فلابد من مفارقة لولاها لما صح من أحدهما ما استحال على الآخر، وقد عبر أهل اللغة عن هذه المفارقة بأن سموا من صح أن يقدر ويعلم حيا دون الآخر ويرد هنا من السؤال والجواب مثل ما تقدم في المسئلتين السابقتين. فإن قيل: دليلكم على أن الله تعالى حي قادر عالم لا صحة أن يقدر ويعلم والمفارقة في الشاهد التي لزم منها الصفة إنما هي بين من يصح أن يقدر ويعلم وبين لا يصح منه ذلك وأين أحدهما من الآخر. قلنا: الصحة المذكورة هي نقيض الاستحالة، فإذا كان الله تعالى قادرا عالما فقد صح أن يقدر ويعلم فلزم حصول الصفة له كما في الشاهد.
تنبيه:
قال إمام زماننا أيده الله تعالى دليل كونه حيا كونه قادرا وعالما. ومعلوم بالضرورة أن الجماد لا قدرة له، فثبت بما بيناه من الدليل القطعي أن الله تعالى حي ويجب على المكلف أن يعتقد ذلك له تعالى في ما لم يزل وفيما لا يزال ولا يجوز خروجه عن هذه الصفة في حال من الأحوال.
المسألة الخامسة ((أن الله تعالى سميع بصير))
أنه يجب على المكلف أن يعلم أن الله تعالى سميع بصير، اتفقت المعتزلة على أن الله سبحانه وتعالى يوصف بأنه سميع بصير وسامع مبصر مدرك للمدركات، فأما كونه سميعا بصيرا فالأكثر على أنها ليست بصفة زائدة على كونه حيا لا آفة به بل المرجع بها إليه خلافا لأبي هاشم في أحد قوليه، وأما كونه سامعا مبصرا فهي صفة الإدراك وهي بمعنى عالم، عند البغداذية وعند البصرية صفة زائدة عليها، ومنهم من يعبر عن صفة مدرك بسامع مبصر، ومنهم من يعبر عنها بكونه مدركا، قالوا وهو أعم إذ يدخل فيه المسموع والمبصر وغيرهما، ومنهم من يجمع بينهما فيقال سامع مبصر مدرك للمدركات، هذا ما قيل في حكاية الخلاف.
Страница 63