وَإِنَّمَا كنى عَن الذَّات بِالْوَجْهِ لِأَنَّهُ هُوَ المرئي الظَّاهِر من الْإِنْسَان غَالِبا وَبِه يتَمَيَّز الْإِنْسَان عَن غَيره وَلِأَن الرَّأْس وَالْوَجْه مَوضِع الْفَهم وَالْعقل والحس الْمَقْصُود من الذَّات وَلِأَن الْوَجْه مَخْصُوص بمزيد الْحسن وَالْجمال وَيظْهر عَلَيْهِ مَا فِي الْقلب من رَضِي وَغَضب فَأطلق على الذَّات مجَازًا وَقد يعبر بِالْوَجْهِ عَن الرِّضَا وَسبب الْكِنَايَة بِهِ عَنهُ أَن الْإِنْسَان إِذا رَضِي بالشَّيْء وَمَال إِلَيْهِ أقبل بِوَجْهِهِ عَلَيْهِ وَإِذا كرهه أعرض عَنهُ فكنى بِالْوَجْهِ عَن الرِّضَا
إِذا أثبت ذَلِك تعين صرف الْوَجْه إِلَى الذَّات فِي قَوْله ﴿وَيبقى وَجه رَبك﴾ وكل شَيْء هَالك إِلَّا وَجهه وَلَا يجوز إِرَادَة ظَاهره حَقِيقَة لوجوه
الأول أَن الْمَوْصُوف بِالْبَقَاءِ عِنْد فنَاء الْخلق إِنَّمَا الذَّات المقدسة لَا مُجَرّد الْوَجْه لِأَنَّهُ لَو أُرِيد ذَلِك لزم مِنْهُ هَلَاك مَا سوى الْوَجْه تَعَالَى الله عَن ذَلِك وتقدس
الْوَجْه الثَّانِي قَوْله ﴿فأينما توَلّوا فثم وَجه الله﴾ لَو أُرِيد الْوَجْه نَفسه لزم وجوده فِي جَوَانِب الأَرْض وَيلْزم حُصُول ذَات وَاحِدَة فِي أَمَاكِن كَثِيرَة مُتَفَرِّقَة متباعدة وَهُوَ محَال اتِّفَاقًا وَيَأْتِي إِن شَاءَ الله تَعَالَى فِي قسم الحَدِيث أبسط من هَذَا
الْوَجْه الثَّالِث أَنه وصف الْوَجْه بِذِي الْجلَال وَالْإِكْرَام والموصوف بذلك هُوَ الله تَعَالَى بِدَلِيل قَوْله ﴿تبَارك اسْم رَبك ذِي الْجلَال وَالْإِكْرَام﴾ فَإِنَّهُ صفة للرب