وكانت هذه المدارس تحظى بالاهتمام والرعاية من مختلف طبقات المجتمع، وعلى الخصوص من الخلفاء والأمراء والأثرياء، الذين كانوا يقومون بتشييد هذه المدارس، ويقيمون الاحتفالات الكبيرة عند افتتاحها، ويشاركون في حضورها، ويقومون بتعيين العلماء والمدرسين للتعليم بها، والموظفين لخدمتها، وترتيب الطلاب والدارسين بها، وتهيئة المساكن لهم، ورتبوا لكل أولئك رواتب شهرية، تضمن لهم قدرًا من الحياة الهنيئة، حتى ينصرفوا كلية إلى العلم، ولا ينشغلوا بغيره.
كما كانت توقف على هذه المدارس الأوقاف الكثيرة، لتكون موارد مالية ثابتة تريع عليها، مما يضمن لها الاستمرار في أداء رسالتها على الوجه الأكمل (١).
وسأشير هنا إلى بعض المدارس التي كانت الدراسة فيها قائمة زمن المصنف مع الإشارة إلى تاريخ إنشائها، وبعض من درَّس بها زمن المصنف، مما يستدل به على استمرار الدراسة بها في الزمن المذكور، وهي:
١ - المدرسة المستنصرية:
أنشأها الخليفة العباسي المستنصر بالله (ت ٦٤٠ هـ) في سنة (٦٢٥ هـ) وتم افتتاحها في سنة (٦٣١ هـ) في حفل كبير، حضره الخليفة والعلماء وكبار رجالات الدولة.
وتعد هذه المدرسة أكبر المدارس في بغداد، ومن أعظم المدارس في العالم الإسلامي، وكانت الدراسة فيها على المذاهب الفقهية الأربعة، وقد ألف الأستاذ/ ناجي معروف كتابًا حافلًا في تاريخ هذه المدرسة وعلمائها (٢)، وقد ذكر: أن الدراسة فيها أستمرت حتى منتصف القرن الحادي عشر فيما
_________
(١) انظر: العراق في التاريخ، ص، ٥٠٥، ٥١٧.
(٢) وقد طبع الكتاب عدة طبعات، وقد صنف في تاريخ هذه المدرسة مصنفات أخرى منها: كتاب "المدرسة المستنصرية ببغداد" للدكتور حسين أمين، وانظر الكلام عن هذه المدرسة أيضًا في: البداية والنهاية، ١٣/ ١٣٣ - ١٣٤.
1 / 55