Ибрагим Тани
إبراهيم الثاني
Жанры
قال: «كان فى وسعك أن تدقيه من اللحظة الأولى. ومعذرة إذا كان موضوع المحاضرة يا تلميذتى النجيبة قد ثقل عليك.. ولكنك تعرفين الأساتذة.. ثرثارين.. لا يكاد المرء يفتح لهم بابا حتى ينطلقوا كالقنبلة.. ما علينا ولنخرج إلى فضاء الله بعد هذه الجلسة المتعبة».
ونهضا وذهبا يتمشيان.
ولبثا هنيهة لا يتكلمان. وهو يفكر فيما قال لها وكان مؤمنا بصحة نظرته وصدق فراسته، وراضيا عن نفسه لأنه فتح لها عينها، وبدا له أن هذا خير حل، وأنه المخرج المأمون من ورطته. وهى تفكر فيما سمعت ولا تكاد تصدق ولا تريد أن تسلم. ثم التفتت إليه فجأة وقالت: «ولكنى لا أحبه.. إنما أحب..».
وأمسكت. فقال ولم يلتفت إليها: «لا تخدعى نفسك.. كلا لست تحبين أحدا سواه. نعم، أعرف أنك لا تنطوين لى على كره. بل أستطيع أن أزعم أنك تحبيننى ولكنه حب من طراز آخر. هو تعلق بمن أيقظ شعورك وأزخر تيارا كان راكدا وأفادك بعض النعيم بشبابك.. تعلق بمن أعدك لما أنت حقيقة به من نعيم الحياة.. ثم تفوزين بالنعيم المذخور لك فتشعرين أن الغدير يصب فى نهر عظيم، أو أن النهر يصب فى بحر. وللنهر جماله، وللغدير حسنه وطيبه، ولكن البحر أروع وأجل، وأعظم استغراقا للنفس. وتلقيننى وألقاك فنتساقى التذكر فنكون كأننا تساقينا خمرا كما يقول الشريف، ونحمد ما كان ونشكر الله عليه، وتظل ذكريات هذا العهد الحميد رباطا وثيقا.. أليس هذا أجمل؟»
فوضعت أصابعها على ذراعه، وقالت: «مالك تتكلم كأن هذا وداع؟»
قال: «هو وداع.. ليس بالمعنى الذى يسبق إلى الذهن. كلا.. ولكنى انظر إلى غد فأراك زوجة صادق.. وأراك راضية ناعمة قريرة العين.. وأرانى فرحا بك وبسعادتك مغتبطا بأنى يسرتها لك، وأعفيتك من مشقات التخبط حتى تناليها فيكون هذا حينئذ وداعا.. توديعا لعهدنا الخاص».
فوقفت وقالت: «لست أصدق.. كلا، لا أصدق.. ما لك تقذفنى هكذا؟ ألا تمهلنى حتى أتدبر؟ إن رأسى يدور وأعصابى كالخيوط التى اختلطت وتعقدت، ولولا أنك أنت لما أمكن أن يحدث لى ذلك».
قال: «وهذا أول يوم أراك فيه غير دائمة الابتسام».
قالت: «هذا فعلك».
قال: «تبسمى.. تبسمى.. اه، هذا أحسن.. والان تعالى نأكل لقمة فإنى أتضور».
Неизвестная страница