Ибрагим Тани
إبراهيم الثاني
Жанры
وقهقه وهو يتخيل نفسه فاعلا ما يفعل الشبان والأحداث. ثم أشعل سيجارة وارتمى على مقعد وسألى نفسه أترانى أحتقر الشبان وأسخر مما يصنعون؟ من الذى عليه أن يتصدى للآخر؟ الرجل أم المرأة؟ كلاهما يفعل ذلك. فأما المرأة فتصديها مخايلة بالجمال وألوانه وبالزينة لزيادة فتنته، وبالشفوف والأفواف والأدهان والأصباغ والشعر المصفف أو المرجل والمشية المغرية، والخطرة، وبما تعرض وما تستر إلى آخر ذلك. وأما الرجل فتصديه يكون بالإقدام لأنه هو القوى الذى عليه أن يطلب ويسعى ويخطو. فلا محل لتكلف الزراية على الشبان فإنهم يصنعون ما يصنعون بوحى الفطرة والأصل الذى فى الطباع. وهذا الاحتشام الذى اعتدته آفة - وليس نعمة - وما أراه فى قرارة نفسى - فضيلة.. لا لا، إنه ضعف ولا أعنى أن التوقح والتهجم فضيلة، أو حكمة، أو عمل مقبول. ولكنى أعنى أن المبالغة فى الاحتشام والخروج به عن حده ضعف كالحياء، لأنه ينافى الطبيعة التى ينبغى أن يصدر عنها الرجل، وهى طبيعة تفرض عليه السعى إلى المرأة، لا القعود حتى تتكلف المرأة السعى إليه.
وخرج عصر يوم مع تحية، وإنه لواقف بالباب ينتظرها وإذا بجارته نازلة على درجات السلم وكانت فى ثوب وردى اللون محبوك، مفصل على قدها تفصيلا يجلو محاسنها كلها، ويعرض مفاتنها جميعا. وكان نحرها يضىء - أى نعم يضىء - وثدياها الناهدان يبدوان من تحت الثوب بارزى الحلمتين ... ما أعظم فتنة هذا الجسم الغض الجديد الذى لم تبتذله السن ولم يرهله الزواج؟
وكان شعرها الوحف الأثيث اللامع الناعم مرخى. وكان الضوء المراق عليه يخيل للناظر إليه أن فيه نجوما زهرا أبهى وأسنى من نجوم السماء. وكان وجهها الدقيق المعارف مشرق الديباجة - «يا ويل الرجال من هذا الفم الذى لم يعرف الأصباغ، وهو مع ذلك يبدو لى كأنما غذته الورود!» - وقد لانت نظرتها ورقت. وبدا خداها كأنهما غلالتا وردة جورية. وتذكر قول الشاعر مهيار: «آه على الرقة فى خدودها لو أنها تسرى إلى فؤادها». صحيح.. وليس من يدرى كيف فؤاد هذه الفتاة الرائعة الرقيقة الخدين اللينة النظرة.. أرقيق هو يا ترى كخديها أم.. كلا.. لا يمكن أن يكون إلا رقيقا.. ولكن لماذا؟ وأى منطق هذا؟ على كل حال لا يزال أوان السؤال بعيدا.. بعيدا جدا.. وما حاجتى إلى الاطمئنان من هذه الناحية ولا صلة هناك ولا كلام ولا حتى إشارة؟ وستكون بعد ثانية على الباب وتخرج أمامى ولا تلقى إلى نظرة أو إيماءة. وأقبلت تحية فبادرها بهذا السؤال: «من تكون هذه البنت الحلوة؟» سألها عن ذلك بغير تفكير أو تحرز أو إشفاق من أن تسىء امرأته الظن! فنظرت تحية إليها ثم إليه وقالت: «ألا تعرفها؟ إنها عايدة ... تعالى يا عايدة هذا زوجى يسألنى من تكون هذه البنت الحلوة.. لن نعرفك بعد الآن إلا بهذا الوصف ... من اليوم فصاعدا سيكون اسمك على لسانى البنت الحلوة. وقد صدق».
فخجلت عايدة واتقدت وجنتاها. واندلعت النار فى وجه إبراهيم، وقال لامرأته بصوت يكاد يكون همسا: «إنك خبيثة.. ما كان ينبغى أن تفضحينى هكذا».
قالت: «لا تخف.. فإن ثناءك سرها.. ألا يسرك يا عايدة ثناؤه؟».
فغلبها الحياء والخفر. وقالت تحية: «إن زوجى ذو عين فاحصة وذوق سليم، أليس كذلك؟»
فوجد إبراهيم لسانه، وأراد أن يزيل أثر هذه الحادثة فقال: «كل ما يشهد لى بذلك أنى اخترتك».
والتفتت تحية إلى عايدة وسألتها: «إلى أين؟» قالت: «والله مترددة بين السينما وال ...».
فقالت تحية مقاطعة: «تعالى إذن معنا، لا تخجلى. فإن بعلى هذا رجل طيب، وثقى أنه أليف لا يعض».
فضحكتا وابتسم، وشكر لتحية فى قلبه حكمتها ورحابة صدرها وعقلها.
Неизвестная страница