ونزع محمد من الرب قوة الإنسال حاكما رفعه على المعتقدات النصرانية الثالوثية وعلى كثير من المعتقدات الشعبية، كالتي كانت تجعل من العزير ابنا لله، أو كالتي تحاول أن تجعل من الملائكة بنات لله. وهكذا، جعل من الله موجودا واحدا منفصلا عن العالم انفصالا مطلقا.
والنصوص الخاصة بالقدرة الإلهية كثيرة إلى الغاية في القرآن، وهي أكثر تفصيلا مما هو خاص بالوحدانية، وتكاد كلها تكون ذات معنى دفاعي. وإله المسلمين كإله اليهود، يثبت بقدرته، وترى قدرته نفسها.
وتتجلى القدرة الإلهية على ثلاثة أوجه؛ أي في الطبيعة والتاريخ العام والمعجزة الحاضرة، وأوجه التجلي الثلاثة هذه تورائية.
والإله الذي يراه محمد في الطبيعة هو خالق العالم ومدبره، فكفى أن يقول له في سفر التكوين: «ليكن نور، فكان نور.» وهو الذي تفر أمامه البحار وتثب التلال، وهو الذي تحمده السماوات والأرض والشمس والنجوم والرياح والصقيع، وتسبح له جميع الموجودات، كما قال مؤلف المزامير. واسمع يا محمد:
ألم تر أن الله يسبح له من في السماوات والأرض والطير صافات كل قد علم صلاته وتسبيحه (24: 41). واسمع أيضا:
إن في خلق السماوات والأرض واختلاف الليل والنهار والفلك التي تجري في البحر بما ينفع الناس وما أنزل الله من السماء من ماء فأحيا به الأرض بعد موتها وبث فيها من كل دابة وتصريف الرياح والسحاب المسخر بين السماء والأرض لآيات لقوم يعقلون (2: 159).
3
وليس لهذا التنبيه معنى غير البرهان أو الدليل على الباعث إلى الإيمان، وهذا ظاهر من آية أخرى يعترف محمد فيها بالأصل التورائي لبرهانه:
وتلك حجتنا آتيناها إبراهيم على قومه (6: 83).
والدليل على قدرة الله بالتاريخ العبري وافر في التوراة، حيث يرن - بلا انقطاع - صدى صوت يهوه، وهو يصرخ قائلا: «أنا الذي أخرج آباءكم من أرض مصر، وفتح البحر أمامهم، وأرشدهم بالسحاب ... إلخ.» وتناول محمد هذا الدليل، ولكنه وضع فيه قوة وبلاغة أقل مما في السابق. ثم بما أن التاريخ العبري وحده لم يكن ليهز نفوس العرب هزا كافيا، فإنه أضاف إليه وقائع أسطورية خاصة بتاريخ جزيرة العرب، كإهلاك بعض الأجيال القديمة الفاسدة بالغضب الإلهي وببعض الوقائع الصحيحة القريبة من زمن الإسلام؛ كانهيار سد مأرب،
Неизвестная страница