عيان الله لدى محمد - تجلي القدرة الإلهية - المعجزة القرآنية - ذات الله وصفاته - مشكلة القدر وعلم الله - جبرية القرآن - نظرية الوحي والملائكة. ***
ليس القرآن رسالة فلسفة، ولم يكن محمد فيلسوفا ضبطا، وإنما لمس محمد - مثل نبي - مسائل من النظام الفلسفي، ومنحها حلولا عيانية، عبر عنها تعبيرا حماسيا، وقد صارت هذه الحلول التي تألفت العقيدة الإسلامية منها نقاطا ثابتة في البحث النظري الفلسفي لدى العرب؛ ولذا لم تقم أعم معضلة في الفلسفة العربية على البحث عن الحقيقة، ما دامت هذه الحقيقة قد عرضت في كثير من نقاطها الجوهرية، بل قامت على تأييد هذه الحقيقة، التي وضعت وضعا عيانيا ببيان تحليلي عقلي، وبإقامة تعبير موافق لطرز الفلسفة القديمة مقام التعبير الحماسي، وهذا ما يمكن أن يسمى المعضلة السكلاسية.
1
أجل، وجد من استطاعوا بعد ذلك أن يغفلوا غاية هذه المعضلة، وأن يكونوا أكثر مبالاة بالفلسفة مما بالعقيدة، التي كان يجب أن تظهر الفلسفة صورة لها فقط، وأن يستخدموا الفلسفة حتى لتحريف العقيدة، بيد أن هذه الأمور لم تكن غير حركات ثانوية في تاريخ الفكر العربي، وأن البحث السكلاسي هو الحركة الأولية؛ ولذا، فإن من المهم أن تذكر، في البداءة، مسألة الاعتقاد، التي نمت هذه الحركة على أثرها، وهذا ما نصنعه بعرضنا لاهوتية القرآن.
وأول ما قام عليه عيان الله لدى محمد هو عيان الإله الواحد القادر، وأول ما لازم النبي منذ عزلته في غار حراء هو مبدأ الوحدانية الإلهية، خلافا لمعتقدات العرب المشركين. وأما مبدأ القدرة الإلهية، فقد تقدم في نفسه بنسبة تجلي مقاومة العرب الجاحدين، ثم تسليمهم.
وقد وكدت وحدانية الله بلا برهان في نص القرآن كما في صيغة الدين الإسلامي القائلة: «لا إله إلا الله»، وهذا الإله الواحد هو «يهوه» اليهود وإله إبراهيم وظهور نار العليقة:
وهل أتاك حديث موسى * إذ رأى نارا فقال لأهله امكثوا إني آنست نارا ،
فلما أتاها نودي يا موسى * إني أنا ربك فاخلع نعليك إنك بالواد المقدس طوى ،
إنني أنا الله لا إله إلا أنا (20: 8-14).
2
Неизвестная страница