ووجود الخير الأبدي لا تترتب عليه استحالة منطقية. أما وجود الشر الأبدي فهو قول بوجود العدم، بل بما هو أسخف من وجود العدم، لأنه عدم يستطيع التعديم، أو شيء «سالب» يكون له إيجاب وعمل، ويكون مستغنيا بذاته في وجوده ... فهو واجب الوجود! أو واجب العدم لو ينصفونه!
فالخير المطلق وجود، والشر المطلق عدم، والعدم لا يكون فضلا عن أن ينسب إليه التكوين: وقد يوجد الشر في المحدودات لأن المحدود لا بد فيه من نقص. أما الشر في إله سرمدي غير محدود فذلك أعجب ما يخطر في الأذهان.
لكن هذه العقيدة سرت إلى النحلة «الأورفية» في آسيا الصغرى، ثم ظهر البحث في العقل والمادة، وفي الخير والشر، وهي غالبة على عقول اليونان. فجمعا بين الشر والهيولى وبين الخير والعقل، وفصلوا بين الطبيعتين فصلا سرمديا واحتاجوا إلى كل تلك الجهود للكشف عن واسطة لتأثير العقول في الأجسام، ولم ينتهوا منها إلى قرار مفيد، إلا هذه الثنائية التي لا تفسر شيئا من الأشياء، وهي أحوج الأشياء إلى تفسير.
لقد كان «زينون» الأيلي حكيما حقا في نقائضه عن المادة وتقسيم الأجزاء، لأنه أثبت حقيقة واحدة؛ وهي أن تصورنا للمادة ضلال لا شك فيه.
قال: إننا لو قسمنا جسما إلى نصفين ثم قسمنا النصف إلى نصفين ومضينا في القسمة هكذا فلا بد أن نمضي إلى غير نهاية وهو مستحيل، أو لا بد أن نصل إلى جزء لا يتجزأ وهو كذلك مستحيل، وكل تصور محال فهو باطل بلا جدال.
وقد ظهر أن الرجل كان على حق، لأن أجزاء المادة تنتهي إلى جزء صغير يتجزأ ولكنه ينقلب إلى حركة إشعاع لا يحدها الجسم الذي كانت فيه.
فصورة المادة في أذهاننا صورة باطلة، فكيف نعلم ما يؤثر فيها وما لا يؤثر فيها على وجه التحقيق؟
والذي يثبت في روعنا أن الكائنات خلق واحد يدور حول «الوحدانية» ولا فرق بينها غير الفرق بين التعميم والتخصيص.
فالتعميم مظهر المادة، والتخصيص مظهر العقل والحياة.
فالمادة في أبسط صورها شعاع «عام» لا فرق فيه بين مكان ومكان من الفضاء.
Неизвестная страница