والنفس عند أرسطو جوهر أو صورة، لأن الصورة هي التي تجعل للجسم «ماهيته» ولا ماهية للإنسان بغير النفس الناطقة ... فالنفس هي جوهر الإنسان أو هي صورة الإنسان التي يحسب بغيرها من الهيولى أو من الأجسام ذوات الصور الأخرى.
ولعلنا نسمي النفس باسمها الصحيح عند أرسطو إذا قلنا إنه يعني بها القوة الحيوية؛ لأنه يجعل للنبات نفسا، وللحيوان نفسا، ويقرن بين نفس الإنسان وجسده فيقول في كتاب الروح: إن السؤال عن النفس والجسد هل هما واحد؟ عبث، كسؤال من يسأل: هل الشمع والشكل الذي يطبعه فيه القالب واحد ... وقد سخر في هذا الكتاب من فيثاغورس وتناسخ الأرواح لأن النفس والجسد في رأيه منفصلان. أو على الأقل جزء من النفس ملازم للجسد يهلك بهلاكه ... ويبدو الترادف بين معنى النفس ومعنى القوة الحيوية من وظائف النفس الأربع التي يرتبها أرسطو: من القوة الغذائية إلى القوة الحسية إلى القوة الإرادية إلى القوة الذهنية وهي أرقاها وأقربها إلى التجريد.
وإذا تكلم عن الجوهر الخالد في الإنسان «فالعقل» هو المعنى الذي يتبادر إلى الذهن من كلامه قبل النفس أو الروح. فعنده مثلا أن الجواهر ثلاثة: جوهر محسوس هالك كالنبات والحيوان، وجوهر محسوس غير هالك لأنه لا يتغير إلا بالحركة دون غيرها كالأجسام السماوية، وجوهر ليس بمحسوس ولا بهالك كالنفس الناطقة في الإنسان أو الجوهر العاقل فيه.
لكن هذا الجوهر العاقل في الإنسان لا تناط به «الفردية» لأنه عام في جميع العقلاء، فالناس يختلفون أفرادا بالميول الجسدية فيحب هذا الفاكهة ويحب غيره الخضر ويحب غيرهما اللحم أو البقول، ولكنهم يتفقون على حقائق الحساب وحقائق العلم المجردة وإن فكروا فيها متباعدين بالمكان والزمان. فالعقل جوهر باق لا يزول لأنه مجرد بسيط، ولكنه بقاء لا يناط بآحاد الناس، ولا يكون إلا للعموم؛ لأنه ليس بعقلي ولا بعقلك أفرادا منفصلين، إذ كانت أحكام العقل في جميع العقلاء سواء.
ومع هذا لا يرتقي العقل في الإنسان هذا المرتقى إلا بقبس من العقل الفعال؛ لأن عقل الإنسان الذي يدرك الوجود الخارجي عقل قابل أو منفعل وإنما يترقى من ذلك إلى إدراك المجردات أو الكليات بحركة نحو العقل الفعال، وهو مرجع جميع المعقولات.
الشر
وإذا كان هذا هو تفسير أرسطو لوجود العالم ووجود الله فلا اعتراض عليه إذن بوجود الشر أو بمنافاته لحكمة الله؛ لأن الله لم يضع الشر في العالم، وإنما كان علة لحركة العالم بالشوق إليه كما يكون المحبوب علة لاشتياق المحب وتحركه إلى لقائه، وهو صاحب الفضل في ارتقاء الهيولى إلى الصورة، وارتقاء الصور إلى الكمال؛ لأنه هو الغاية، فهو العلة الأولى لارتقاء الموجودات.
حرية الإنسان
ومن الواضح أن الإرادة الإنسانية لا تصبح في رأي أرسطو مشكلة تحتاج إلى التوفيق بينها وبين العدالة الإلهية. إذ كان الله نفسه في مذهب أرسطو منزها عن أن يريد ما يقع للإنسان أو ما يقع من الإنسان، فهو لا يريد شيئا لأنه لا يحتاج إلى شيء أو لأن الإرادة تغير وحركة، ولا حركة لله بالكيف ولا بالكم ولا بالمكان. (3-3) أفلوطين
وثالث الثلاثة الذين كان لهم الشأن الأكبر في مذهب ابن سينا هو أفلوطين إمام الأفلاطونية الحديثة، الذي ولد في أوائل القرن الثالث للمسيح (204م) بإقليم أسيوط.
Неизвестная страница