ويجب أن نفهم الصورة كما يريدها أرسطو على معناها الصحيح. فليست صورة الإنسان مثلا هي الشكل الذي تعرضه لنا الصورة الشمسية ولا هي الشكل الذي يعرضه لنا التمثال المنحوت، ولكنها هي كل تركيب الإنسان الذي يميزه من المادة أو يميزه من الموجودات الأخرى، أو هي «ماهيته» التي يصبح بها إنسانا وبغيرها يزول عنه وصف الإنسان.
وقد أنكر أرسطو «المثل» الأفلاطونية وإن كانت براهينه في إنكارها ليست بأقوى من براهين أفلاطون صاحب الفكرة وشارحها، وربما كان أقوى برهان لأرسطو في هذا الصدد أن الشيء باختلاف أجناسه وتقسيماته يحتاج إلى أمثلة عليا متعددة لا إلى مثل واحد. فالمثل الأعلى للإنسان الفيلسوف ماذا يكون؟ أيكون حيوانا مثاليا أو إنسانا مثاليا أو فيلسوفا مثاليا أو مادة مثالية، إلى آخر المثاليات التي يحكيها؟ وكيف يكون المثال معينا أو قابلا للتعيين مع أنه عام لا يخصص بما يجعله مستقلا بكيانه؟ ومع أن هذا هو الفرق بينه وبين الخاص المستقل بالكيان، كيف يكون شيئا مستقلا وهو مشابه لجميع الأشياء؟
على أن أرسطو هرب من «المثل» الأفلاطونية ووقع في «الصور» التي تستقل عن الهيولى ... فإن «الصورة» لا تخلق الهيولى والهيولى لا تخلق الصورة، بل كلاهما عنده موجود يلتقي بغيره فيتصورهما العقل بعد هذا الالتقاء، وليس يخرجه من المشكلة وصفه «الهيولى» التي لا صورة لها، بأنها موجودة بالقوة ووصفه الهيولى المصورة بأنها موجودة بالفعل. فإنهما على كل حال موجودان غير معدومين.
وخلاصة مسألة العالم عند أرسطو أن الله أعطى «الهيولى» الحركة، فاستفادت الصورة، ولا تزال الحركة ترتقي بالصورة في معارج الكمال فتختفي الهيولى كلما برزت الصورة. وترتقي الصور كلما توارت فيها فوضى الهيولى أو المادة الأولى، حتى يوشك أن تكون صورة محضا، ولكنها لا تكونها؛ لأن الصورة المحض هي الله الواحد المتفرد بالكمال. ولهذا يستغني عن الحركة ويقال فيه إنه المحرك الذي لا يتحرك؛ لأنه لا يطلب بالحركة صورة أعلى، فإن له المثل الأعلى.
ومن اللازم أن نذكر هنا أن أرسطو يستلزم وجود «جواهر» أخرى غير الله تحرك غيرها ولا تتحرك؛ لأن الحركات أكثر من الأجسام المتحركة، فلا بد أن ننتهي بحساب الفلك كما كانوا يفهمونه إلى محركات ثابتة في الفلك الأعلى، وهو يعتمد في هذا القول على الفلكيين المعتبرين في زمانه لأن علم الفلك أقرب العلوم إلى الفلسفة. إذ كان يبحث في جواهر يتناولها الحس ولكنها لا تفنى. أما الرياضيون كعلماء الحساب والهندسة فليست في علومهم جواهر يبحثون عنها. ومن أقوال بعض الفلكيين وهو يودكسس
Eudoxuis
تبلغ الثوابت في الفلك خمسة وخمسين، ولكنها تنقص في قول كاليباس
Callipus
إلى سبعة وأربعين ... لأنه يضم بعض الأفلاك إلى بعض تلك الجواهر السماوية.
النفس
Неизвестная страница