Войны государства Пророка (часть первая)
حروب دولة الرسول (الجزء الأول)
Жанры
هذا بينما كان الفلسطينيون، سكان الساحل، شعبا مستقرا، ورغم انقسامه بدوره إلى مجموعة دول مدن، فإن الولاء في الدولة المدينة كان للدولة المركزية، ومركزية الملك المنظم. ومن هنا انتهى بنو إسرائيل إلى نتيجة مفادها: أن هزيمتهم تعود بشكل مباشر إلى نظامهم الاجتماعي والسياسي، وبات مطلوبا صهر تلك القبائل تحت حكم ملك واحد، ومن ثم كانت مطالبتهم العاجلة والعنيفة، لكاهنهم وقاضيهم وحاكمهم القبلي «صموئيل»، باختيار ملك لهم جميعا يوحدهم في دولة واحدة.
وخضع «صموئيل» لضرورات الظروف، واختار لهم «شاءول» ملكا، ليصهر القبائل جميعا في وحدة واحدة، وشعب واحد، بقيادة حكومة واحدة، لها جيش واحد، وبالفعل - حسبما تخبرنا رواية التوراة - تمكن «شاءول» ومن تبعه من ملوك مباشرين «داود وولده سليمان»، من صهر تلك القبائل المتفرقة في كونفودرالية واحدة، وتمت مركزة الحكم، التي انتهت بتفوقهم على أصحاب الأرض، وإقامة الدولة المركزية.
1
والمثل المضروب في الآيات القرآنية، يطلب من المسلمين استدعاء الدلالات، لقراءة واقع مماثل لقبائل متفرقة تحت حكم بدائي، ممثل في حكومة الملأ المكية، التي لم تتمكن من مركزة الولاء، كنتيجة حتمية لتفرق التمثيل القبلي بين أعضاء الملأ، الذين كانوا أثرياء البطون القرشية، والذين لم يمثلوا الفئات الموزعة بين القبائل تمثيلا صادقا، والذين - وهنا المهم - رفضوا الدعوة التوحيدية الطالعة.
لكن الآيات وهي تستدعي واقع مكة، لتلحقه بالتاريخ الإسرائيلي في المثال المضروب، ترحل بالتساؤل المكي القرشي من رجال الملأ، ليصبح تساؤلا من بني إسرائيل لصموئيل: «أنى يكون له الملك علينا؟» وهو التساؤل الاستنكاري الذي يحمل معاني جديدة، ومواصفات جديدة، يجب أن يتصف بها السيد الزعيم، وهي المعاني والصفات التي حملتها رياح التغير الاقتصادي إلى مكة، مع الثراء الفاحش الذي أصاب البعض دون الآخر، وبدأ يفعل فعله في تفجير الأطر القبلية القديمة، ولم تعد مواصفات الزعيم كما كانت في الماضي العشائري، من حكمة تؤهله كي يكون رأسا للقبيلة، أو حنكة، أو شجاعة أحيانا أخرى حسب ظروف القبيلة إن سلما أو حربا، بل تحول الأمر بعد تشكل الطبقة الأرستقراطية المتميزة، وتغير المعيار، وتبدل أساليب القياس، وهو ما عبر عنه استطراد الآيات «أنى يكون له الملك علينا، ونحن أحق بالملك منه؟» وهي الأحقية التي يأتي معيارها القياسي واضحا في الإلحاق التوضيحي «ولم يؤت سعة من المال؟»
نعم، ربما كان النبي
صلى الله عليه وسلم
قد حاز قدرا من المال، توفر له بعد زواجه من أم المؤمنين خديجة بنت خويلد رضي الله عنها، لكن ذلك القدر من المال ما كان ليسمح له - في نظر الملأ ومعاييرهم - بما يدعو إليه، ولا يفي له بما يؤهله لدخول حكومة الملأ الأرستقراطية، فما بالنا وهم يتصورونه يسعى للإمساك بأعنة السلطة جميعا بيديه؟ حيث المعيار لم يعد مجرد حصول فرد على بعض المال، حتى يذهب به الطموح - كما تصوروا - إلى الجموح، فالمؤهل المطلوب قد أصبح «سعة من المال».
ومن ثم؛ كانت قراءة الواقع تشير إلى سير التطور إلى نتائجه المحتمة والضرورية، والتي ستشكل في المستقبل المنظور منظومة سياسية مركزية موحدة، تحت قيادة زعيم أوحد. ولم يكن ثمة توضيح يمكن تقديمه لمفاهيم الأرستقراطية القرشية، ولا للمسلمين الأوائل وهم مادة الدولة الطالعة، سوى إلقاء الحالي في مرآة الماضي. لكن الآيات هنا - وهي تطابق واقع جزيرة العرب - تختلف عن رواية التوراة، وهي تطابق واقع فلسطين القديم؛ فبينما التوراة تحكي عن مطالبة الشعب الإسرائيلي نفسه للكاهن «صموئيل» بملك يوحدهم ويقود جيوشهم، فإن الآيات الكريمة تؤكد أن ذلك الملك جاء باصطفاء إلهي، وهو ما يستدعي على الفور اصطفاء المصطفى
صلى الله عليه وسلم ، لكن لتفرض ذلك الملك على بني إسرائيل - في الآيات القرآنية - فرضا بقرار إلهي، وهو الأمر الذي يطابق واقع الحال المكي مع الدعوة الإسلامية، ويخالف ما جاء في التوراة عن حال التاريخ الإسرائيلي القديم؛ ومن هنا يتم تعشيق الماضي مع الحاضر في المثال المضروب بقرار علوي:
Неизвестная страница