ولو أن الدين والخلق وقفا عند حدود العقل لخف الأمر وهان، ولكنهما صارا سنادا لكل ضعيف الحجة سقيم البرهان، فلنعلن حرية الآداب والفنون، وليرض من شاء بالجهالة يحرسها الدين وتحوطها الأخلاق!
زكي مبارك
مصر الجديدة 3 رمضان سنة 1346
24 فبراير سنة 1928
هوامش
المحاضرة الأولى
أيها السادة: في ضواحي سنتريس، حيث يحلو السمر، في ليالي القمر، وعلى شاطئ النيل هناك، حيث النجم والشجر، والماء والزهر في تلك البقعة المشتبهة الأزاهر، المشتبكة الجداول، حيث السواقي الشاديات، والطيور الصادحات، وتحت تلك الشجرة المعطفة الغصون، المهدلة الشعور، حيث أجلس في الضحى والظهيرة، مع الصحب والعشيرة، بجانب ذلك الطريق الجميل حيث تعدو السيارات الفاخرة، من القاهرة إلى الإسكندرية ومن الإسكندرية إلى القاهرة، وحيث يمشي فضلاء سنتريس في الأصائل والعشيات، جماعات جماعات، يتناشدون الأشعار، ويتناقلون الأخبار.
هناك حيث أستظرف الجلوس مع أولئك الأمجاد، شجعان البلاد، أولئك الذين لم تخالط نفوسهم أوضار الحضارة، ولا سموم المدنية، ولم تفارق طباعهم أخلاق البداوة، ولا رسوم العصبية، أولئك الذين أجلس إليهم فيعود إلي ضلالي القديم، وعدواني الموروث فأتمدح بأجدادي الشجعان، وآبائي الأبطال، وأذكر ما شنوا من الغارات، في العصور الخاليات.
هناك حيث أقضي شطرا من الصيف، وجزءا من الخريف، بين خطاب أكتبه، أو جواب أقرؤه، وحبيب أساهره، أو أنيس أسامره، وعهد أحن إليه، أو عيش أبكي عليه.
ليالي النيل واللذات ذاهبة
Неизвестная страница