الإهداء
كلمة
كلمة نقد
كلمة المؤلف في الطبعة الأولى
من النفس إلى النفس
مقدمة الطبعة الثالثة
المحاضرة الأولى
المحاضرة الثانية
المحاضرة الثالثة
أخبار الملاح
Неизвестная страница
تأثير ابن أبي ربيعة في شعراء اللغة العربية
الملح والفكاهات
الإهداء
كلمة
كلمة نقد
كلمة المؤلف في الطبعة الأولى
من النفس إلى النفس
مقدمة الطبعة الثالثة
المحاضرة الأولى
المحاضرة الثانية
Неизвестная страница
المحاضرة الثالثة
أخبار الملاح
تأثير ابن أبي ربيعة في شعراء اللغة العربية
الملح والفكاهات
حب ابن أبي ربيعة وشعره
حب ابن أبي ربيعة وشعره
تأليف
زكي مبارك
يا ابني أخي! لقد كنت موكلا بالجمال أتبعه، وإني رأيتكما فراقني حسنكما وجمالكما، فاستمتعا بشبابكما قبل أن تندما عليه.
عمر بن أبي ربيعة المخزومي
Неизвестная страница
الإهداء
إلى الوالد الكريم الشيخ عبد السلام مبارك
ما زلت أمرح في نعمى وعافية
من نيلك الجزل أو من رأيك الحسن
وأسهر الليل في علم وفي أدب
أبغي رضاءك عن قصدي وعن سنني
وأستقل لأجل الفضل ما سمحت
به الليالي لأهل الفضل من محن
حتى بلغت بجدي بعض ما طمحت
إليه نفسي كما يرجوه لي وطني
Неизвестная страница
فاليوم أهديك ما أبدعت من أثر
أبقى على الزمن الباقي من الزمن
ولدكم زكي مبارك
27 فبراير سنة 1919
كلمة
من كان بطبعه ميالا إلى الحرية في الفكر، والاستقلال في الرأي، وكان مع ذلك محبا للإنصاف، راغبا في الاعتدال فليقرأ هذا الكتاب، فإنه ينمي فكرته، ويقوي شخصيته، ويزيده بصرا بالنقد، وعلما بالشعر، ويهديه السبيل إلى فهم الأدب، والحكم على الشعراء.
وجدير بمن نظر فيه أن يكمل علمه، ويكبر عقله، لما عرف به الأستاذ زكي مبارك من سلامة الذوق، وأصالة الرأي، وما امتاز به من بعد النظر، ودقة الملاحظة، مع ما له من رشاقة الأسلوب، ومتانة التركيب، إلى غير ذلك من الميزات التي تجعلنا نأمل كثيرا أن يكون هذا الابن البار إماما من أئمة الأدب، وعظيما من عظماء الأمة.
جعله الله قدوة لشبابنا العاملين، وأبنائنا الناهضين، والسلام.
مصطفى القاياتي
1
Неизвестная страница
25 فبراير سنة 1919
هوامش
كلمة نقد
لحضرة الباحث الكبير الدكتور طه حسين
أقول هذا كله بعد أن فرغت من قراءة رسالة صغيرة، ولكنها قيمة ممتعة، للدكتور زكي مبارك خريج الجامعة المصرية، تناول فيها شعر عمر بن أبي ربيعة، فدرسه من بعض نواحيه درسا حسنا يسرني أن أهنئه به، ويسرني أيضا أن أنتهز هذه الفرصة لتسجيل ما للجامعة المصرية من فضل على عقول الشباب. ولكن الدكتور زكي مبارك وهو شاب حاد الشباب عنيفه، أسرف في نقد مصعب بن عبد الله إسرافا جعله إلى الظلم أقرب منه إلى الإنصاف، وليس مصدر هذا الإسراف إلا أنه لم يقدر كما ينبغي اختلاف المثل الأدبية باختلاف العصور والأجيال، وما أحسب إلا أنه عائد إلى هذا النقد، فملطف ما فيه من حدة ومزيل ما فيه من جور.
حديث الأربعاء ج2 ص142
كلمة المؤلف في الطبعة الأولى
هذه المحاضرات ألقيت في فبراير سنة 1919 في الجامعة المصرية على أنها دروس تمرين، وكنت لقيت من إعجاب الأستاذ الدكتور أحمد ضيف والأستاذ الشيخ عبد الوهاب النجار، والأستاذ الشيخ مصطفى القاياتي ما حبب إلي ظهورها في كتاب يتناوله عشاق الآداب، ثم لم أكد أشرع في طبعها حتى كانت النهضة المصرية، فكتب الله لنا أن نمت بسبب إلى الذائدين عن مصر والسودان، ثم اعتقلت مدة غير قليلة أنكرت فيها كل ما يوحي به الشباب! ثم عدت من المعتقل، ونظرت ثانية في تلك الصحائف المطوية، فرأيت فيها أثرا من آثار الثقة بالنفس، وعز علي أن لا يجد نسيم الشباب فضاء يملؤه بالعزيمة والثبات.
وإني لموقن أن في الناس من لا يطرب لهذا النحو من البيان، ولكني لم أكتبه إلا لمن قدر له أن يدرك أسرار الجمال، وهدى الله من يحسب أن التأليف لا يصلح إلا في الأبحاث التي تشبه بعض الأذهان في الجمود! ولعلي أجد من الشجاعة الأدبية ما أعيد به طبع هذا الكتاب مع ما سيقال فيه من مدح وهجاء! وإني لأرحب بكل كلمة فيها نفحة من النقد المبني على فهم وإدراك، فمن شاء أن ينشر له شيء من ذلك في الطبعة الثانية، فليبعث به إلي لأعرض على الناس طائفة من العقول! وكل امرء بما كسب رهين! •••
وإني أقدم الشكر الخالص من شوائب العقوق لأساتذتي في اللغة والأدب: الشيخ سيد المرصفي، ومحمد بك المهدي، والشيخ علي عبد الرازق، والشيخ مصطفى القاياتي، والدكتور أحمد ضيف.
Неизвестная страница
1
هوامش
من النفس إلى النفس
«في كتاب «البدائع» كلمة للمؤلف في نقد هذا الكتاب، رأينا إثباتها هنا ليرى القارئ كيف تعز سيئات الكاتب عليه فلا يمحوها، وإنما يعتذر عنها برفق ليسوغ لها البقاء.»
في فبراير سنة 1919 ألقيت ثلاث محاضرات في الجامعة المصرية عن حب ابن أبي ربيعة وشعره، تحت إشراف الأستاذ الدكتور أحمد ضيف، وقد طبعت هذه المحاضرات بعد إلقائها بقليل، ويرى الناظر في تقدمة الكتاب هذه الكلمة الجريئة:
وإني لموقن أن في الناس من لا يطرب لهذا النحو من البيان، ولكني لم أكتبه إلا لمن قدر له أن يدرك أسرار الجمال! وهدى الله من يحسب أن التأليف لا يصح إلا في الأبحاث التي تشبه بعض الأذهان في الجمود!
وقد نفذت الطبعة الأولى من هذا الكتاب، وستظهر الطبعة الثانية عما قريب، من أجل هذا أسبق النقاد إلى بعض المآخذ التي أراني مضطرا إلى إبقائها، إجلالا للثقة بالنفس، وإكبارا لنزق الشباب! انظر قول ابن أبي ربيعة:
أبرزوها مثل المهاة تهادى
بين خمس كواعب أتراب
وهي مكنونة تحير منها
Неизвестная страница
في أديم الخدين ماء الشباب
ثم قالوا: تحبها؟ قلت: بهرا
عدد الرمل والحصا والتراب
أتدري كيف علقت على هذه الأبيات الحسان؟ اقرأ الكلمة الآتية:
ووجه الحسن في تحيير ماء الشباب أنك تنظر إلى الخدود الموردة، فتراها كالشفق تتنقل من تحته الشمس، أو كالمشكاة يتموج في قلبها المصباح.
في سبيل الحب تلك النظرة! يوم رأيته وقد أبل من حمى أضرعته، فرأيت ماء الشباب يدب في تلك الخدود وهي صفراء كالورس، فيعيدها حمراء كالورد، وإذا الأنس يتمشى في فؤادي لشفائه، تمشي البرء في أعضائه.
وهذا استطراد لا يشك القارئ في أنه غير محمود، ولكني أستغفر الله!
وفي موطن آخر يجد القارئ هذه الكلمة:
لم يكن ابن أبي ربيعة ممن إذا غاب عنه حبيب أخذ في البكاء عليه، والحنين إليه، تلك سبيل الشعراء المفجعين، الذين كانت قلوبهم أعوانا للدهر عليهم، وكانت نفوسهم أخصاما لهم، أولئك هم المعوزون في عالم المحبة، والمحرومون في دولة الصبابة، أولئك الذين يرون الجمال ظلا ظليلا، ثم لا يستطيعون أن يتفيئوا ما له من وارف الظلال، أولئك الذين يحسدون الغلائل على الأعطاف، والعقود في النحور، وكيف يكون ابن أبي ربيعة مثلهم مسكينا في شعره، وما كان مسكينا في حبه؟ أم كيف يصف البكاء والمدامع، وما ألمت نفسه، ولا دمعت عينه؟ بعدا للذلة حتى في الحب؟ وتبا للمسكنة حتى في الغرام!
وهذه صورة نفسية قد لا يقتضيها موضوع الحديث، ولكن هذا الذي كان! ويرى القارئ في هامش الصفحة الثانية عن ترجمة الشيخ حسين الحكيم ما نصه:
Неизвестная страница
وكان - رحمه الله - آية الآيات في حسن الخلق، وصباحة الوجه، وأصالة الرأي، وحلاوة الحديث، وكان لا يعدله عندي غير شقيقي «سيد مبارك» الذي فقدته معه في أسبوع واحد، وكان موتهما معا بالحمى الإسبانية، لا رد الله لها غربة، ولا قدر لها رجعة، وكان أخي سيد من أقوى الفتيان بأسا وأمضاهم عزيمة، ولو عاش لضربت بشجاعته الأمثال.
وقد سألني بعضهم عما يعني القارئ من هذا التفصيل؟ فأجبته: إنه يعني مؤلف الكتاب!
ويرى القارئ هذه الكلمة عن عواطف أهل الحضر:
وقلما يصدق للحضريين حب، أو تبقى لهم صبابة، إذ يرون من متمات الظرف، ومكملات الأدب، أن يحيا الرجل بعين باكية، وقلب خفاق، فلا يزالون يتلمسون الهوى ويتحسسون الصبابة، حتى تتاح لهم أسبابها، وتساق إليهم همومها.
وأنا الذي اجتلب المنية طرفه
فمن المطالب والقتيل القاتل
وهذه مسألة فيها نظر كما يقولون! •••
ولا أستطيع أن أعد ما في كتاب «حب ابن أبي ربيعة وشعره» من الهفوات، ولكني أحمد الله على أني وفقت إلى تصوير ابن أبي ربيعة وتمثيل حياته، حتى كأنك تراه.
مقدمة الطبعة الثالثة
صار جدا ما مزحت به
Неизвестная страница
رب جد جره اللعب
إي والله! فقد كنت ألهو وألعب يوم كتبت ما كتبت عن ابن أبي ربيعة منذ تسع سنين، وأنا طالب بالجامعة المصرية، وليس معنى هذا أنني كنت أتخذ الحب والجمال سبيلا إلى العبث والمجون، كلا! فقد كان الجمال كما فهمته في ذلك الحين محرابا تخشع في مصلاه القلوب، ولكن معناه أنني كنت أقبل على الحب والحسن إقبال الغافل، الذي لا يدري ما تكن خمائل الأزهار من عاديات الأفاعي وقاتلات الصلال.
ولقد أذكر - والنفس تأكلها الحسرة على سذاجة تلك الأيام الخالية - أنني قلت في أول محاضرة ألقيتها عن ابن أبي ربيعة: «إن الحب نفحة من نفحات النبوة»، ثم أخذت أقيم على ذلك الأدلة والبراهين، فعارضني جماعة من المستمعين على رأسهم صديقي الأستاذ الشيخ عبد الجواد رمضان، فلما كانت المحاضرة الثانية كنت قد أخذت الأهبة للدفاع عن تلك النظرية، وكان صديقي قد استقدم طائفة من زملائه علماء الأزهر لمعاونته إذا جد الجد واحتدم النضال، فما هي إلا أن قلت: «أيها السادة! لقد أسلفنا في المحاضرة الماضية أن الحب نفحة من نفحات النبوة»، حتى انفجر الأشياخ دفعة واحدة مطالبين بوقف هذا الهراء، فتدخل الأستاذ الدكتور أحمد ضيف، وأبان لهم في رفق ودعابة أن الحب «كلام فارغ»، وأنني على خطأ فيما أقول مبين، وأشار إلي بتخطي هذه الفكرة، وطي كل حديث فيه نبوة وأنبياء، حتى لا يثور القوم من جديد!
وكذلك عرفت لأول مرة بفضل تلك المعارضة العنيفة، أن الحب مهما سمت أغراضه لا يجد من القوة ما يدفع به عدوان الجامدين الذين يحسبون الفضل كل الفضل أن يحيا الرجل بقلب مغلق متبلد، لا يفقه معنى الحب، ولا يدرك أسرار الجمال، فعدت إلى ما كتبته عن الحب والنبوة، فمحوته كما يمحى الضوء من تجاليد الليل، وأقبلت على نفسي أعدها للجد الصراح الذي يكبح غمزات اللازمين، ويردع لمزات اللائمين.
ولكن كيف وقد صار الحب في نفسي أخطر أنواع الجد، وعدت أرى الجمال الإنساني أروع ما في الوجود، واستطعت أن أقول في مقدمة «مدامع العشاق»، وأنا أقيم الدليل على أن الإنسان لباب الطبيعة وسرها المكنون:
وما قيمة الليل إن لم تظلني في الحب ظلماؤه؟ وما قيمة البدر إن لم يذكرني بالثغر لألاؤه؟ وما جمال الأغصان إن لم تهزني إلى ضم القدود؟ وما حسن الأزهار إن لم تشقني إلى لثم الخدود؟ وكيف أميل إلى الظباء لو لم تشبه بعيونها وأجيادها ما للحسان من أعناق وعيون؟ وكيف أصبو إلى غنة الغزال لولا ذكرى تلك النبرات العذاب التي يسمونها: السحر الحلال؟
وما أنس لا أنس أن كتاب «مدامع العشاق» أثار علي رجلا، هو منذ سنين على رأس الحياة العقلية في مصر والشرق، وأن أستاذي الدكتور طه حسين كتب عنه فصلا في جريدة السياسة فنالني بملام عنيف، وكنت جديرا بالانصراف عن هذا النحو من البحث؛ ترضية لتلك النفوس النبيلة، التي تشفق علي من ظلمات الإفك وحنادس البهتان.
ولكن كيف وقد صار الحب مرضا عضالا لا يرجى له برء ولا شفاء، وأصبحت وأصدق ما أحدث به عن نفسي كلمتي إلى صديقي الأستاذ أنيس ميخائيل حين أقول:
أرجو أن تعلم أن إدماني على الاغتباق بما أودع الله الليل من سحر يتمثل في بدره المشرق، أو ظلامه المسدول، والاصطباح بمطالعة ذلك الكتاب الخالد كتاب الوجود، ودرس ما فيه من غرائب الملاحة وبدائع الجمال، أحب أن تعلم أن هذه الحياة الوجدانية، التي يحياها رجال الأدب طائعين أو كارهين، توقد الحس وتلهب الخيال، حتى ليصبح القلب في سعير من الظمأ، وهو يسبح في كوثر من النعيم، ومن هنا تجد من لا يزال يشكو ويعتب وهو في ظل من النعمة ظليل. وكذلك أحسب أن الطبيعة مدينة لإعجابي وإحساسي بما فيها من زهرة تتفتح أو غصن يميد، وأراني صاحب الفضل على كل عين ترنو وكل قد يميس، وقد يلح الإسراف ويلج الطغيان، فأنكر أن يكون غذائي في هذه الدنيا من الخبز والماء، وتمتد عيناي إلى انتهاب ما عز واستعصم من أسالة الخدود، ورشاقة القدود، وتسمو نفسي إلى اقتناص ما ند من شوارد المنى وأوابد الآمال، ويتمرد قلبي كلما أحس سانحة تتمنع، أو قناة لا تلين. ولو شاء الحسن لبطش بمن لا يؤمنون بأن له وحده العزة والجلال، وصعق من لا يسبحون له في الغدو والآصال، ولكن حاشاه أن ينفرني من رياضة وأنا شاعره ومجنون ليلاه، أو يذودني عن حياضه، وأنا حارسه والساهر على حماه.
إذن لا مفر من العودة إلى ابن أبي ربيعة، أوصف الشعراء لربات الحجال! ولكن كيف نعود إليه؟
Неизвестная страница
الأمر يسير! ألم تنفذ الطبعة الثانية من كتاب «حب ابن أبي ربيعة وشعره»؟ فلنطبعه من جديد، وفي هذا كفاية لمصافحة شاعر الحب والجمال؛ ولننتهز هذه الفرصة لنتكلم جادين أو مازحين عن العشق والصبابة والحسن والصباحة، ولنقلب هذه الكلمات على جميع وجوهها، ولنطل فيما تتصل به من جد القول وهزله، وحلوه ومره، ولنجل صدأ النفس بتصريف هذه البضاعة التي سمعت غير مرة أنها نوع من اللغو، وضرب من الهراء، وأنها شغل من لا شغل له من كل فارغ الرأس دقيق الإحساس! حسن! فلنكتب على بركة الله، أو على وجه الحب مقدمة للطبعة الثالثة!
ولكن ماذا نقول؟ لا بد من جديد، فإن قراء اليوم لهم نيات أشد تعقيدا من ضمائر الوشاة، ولهم أبصار أحد من عين الرقيب!
وبينا أنا أعد نفسي لكتابة هذه المقدمة مرت بي حوادث خطيرة، زادتني ثقة بأن بني آدم كأنما خلقوا؛ ليبغي بعضهم على بعض، وليكون أشرارهم حربا لأخيارهم، ولتكون كرائم الخلال من المودة والوفاء والإخلاص براقع يلبسونها؛ ليخفوا ما فطر عليه لئامهم من الغل والحقد، وما درجوا عليه من الإثم والبغي والعدوان.
وكذلك أمضيت ثلاثة أسابيع أفكر في أناس سقيتهم الشهد فسقوني العلقم، وأصفيتهم الود فأصلوني نار الجحود! والآن أستطيع أن أتقدم إليك أيها القارئ بشيء جديد! أتدري ما هو؟
أستطيع أن أقول لك: إن هذه الحياة أغلى وأثمن من أن تضيع في معاشرة حاسد لئيم العم والخال، أو محاورة غبي قد رأسه من الظلمة، وصيغ عقله من الهباء، أو مصافحة صديق يتجنى عليك وهو يعلم أنك في طهر الملائكة، ونبل الأنبياء. وستقول: أهذا جديد؟ ألم يقل به فريق من الفلاسفة قبل اليوم ؟
وأجيبك بأن ابن أبي ربيعة نفسه جهر بما يشبه هذه الدعوة، والمتنبي زاد عليها حين قال في السخر من ملاحة الملاح:
مما أضر بأهل العشق أنهم
هووا وما عرفوا الدنيا ولا فطنوا
تفنى عيونهم دمعا وأنفسهم
في إثر كل قبيح وجهه حسن
Неизвестная страница
تحملوا حملتكم كل ناجية
فكل بين علي اليوم مؤتمن
ما في هوادجكم من مهجتي عوض
إن مت شوقا ولا فيها لها ثمن
فليكن هذا جديدا علي وحدي أيها القارئ، ولأكتف بالابتهال إلى الله أن يهبك من البصر بالطبائع والخلائق ما يحول بينك وبين السكون إلى ورد يحلو يوما ليمر أعواما، والإخلاد إلى نفوس تصفو لحظة لتكدر دهرا، والرضا عن حظوظ هي في رأي العين مطامع وأهواء، وفي نظر العقل مصائب وأرزاء!
إذن، لم يكن إدماني على كأس الحب شرا كله، ولا إسرافي في رعاية الحسن إثما كله، بل أستطيع بعد اليوم أن أعد غوايتي هدى، وأن أحمد الله على أن جعل لي في ظلال الحسن مقيلا أنسى فيه لفحات الأسى، ولذعات الأشجان.
ولكن أين مواسم ابن أبي ربيعة؟ أين مناسك الحج حيث تعرض نفائس الجمال، وروائع الحسن، وغرائب الملاحة من الحجاز والشام والعراق؟ الله كريم، كما يقول الأتراك!
فإنه حين خلق الطرف الجامح، والقلب الخافق، أنشأ بجانبهما في كل بقعة وفي كل زمان، ملاعب للغيد ومراتع للظباء!
هو إذن رأي أدين به، وأذهب إليه، فلست والله سيئ القصد، ولا أسود الغرض، ولا أنا ممن يعيثون في الأرض ويهتكون الحرمات، فليطمئن أساتي المشفقون علي من تقول المفترين، وتزيد المعتدين، فقد صممت منذ زمان على أن أساير الفطرة، وأجاري الطبيعة، وأن أقف حيث يقفني وحي الواجب، وصوت الضمير، وإن الموت لأحب إلي من أكون رجلا يقال له: كن فيكون!
فإن عشت صافحت الثريا وإن أمت
Неизвестная страница
فإن كريما من تضم الصفائح
وبعد فقد رأيت أن أضيف إلى هذه الطبعة فصولا عن حب ابن أبي ربيعة وشعره، أفصل بها بعض ما أجملت في تلك المحاضرات الثلاث، فأثبت رائيته التي أعجب بها ابن عباس مصحوبة بالشرح والتفسير، وأترجم مصعب بن عبد الله الذي انفرد بين القدماء بتقديم مزايا شعره إلى الجمهور، وأتحدث عن معشوقاته اللائي أضرمن في قلبه نار الحب، وهدينه إلى سواء النسيب، وأذكر بعض الفكاهات التي اتصلت به وجرت مجرى الأمثال.
غير أني أحب أن أنتهز هذه الفرصة لأعرض لك رأيي في إيثار الأدب المكشوف، إذ كنت واثقا من أنك سترى في جملة هذا الكتاب ما أخشى أن تتحرج منه، أو تتنكر له، مع أن الأدب كالفن يجب أن يسمو عن الأوضاع والتقاليد، حتى لا يفتر ويضوى بوضعه تحت رحمة المتزمتين من رجال الدين، ورعاية المتحرجين من دعاة الأخلاق.
ألا ترى أنك لو عمدت إلى امرأة جميلة فصورتها وهي في لباس المصرية، أو الفارسية، أو التركية، أو الإنجليزية، أو الألمانية لكان لذلك اللباس أثر سيئ في وضع تلك الصورة في حدود ضيقة، تحبسها حيث يليق ذلك الزي ويقبل ذلك الهندام؟ ولكنك لو صورتها عريانة حيث صاغها الحسن، ورسمها الدلال لبقيت «إنسانة» تروق الإنسانية في جميع البقاع.
ولأمر ما وضع الأقدمون «فينوس» عارية الجسم، غانية عن الحلي واللباس! إنهم وضعوها كذلك لتبقى منية الأفئدة، ونهبة العيون، في جميع الممالك، وعلى اختلاف الأجيال.
وكذلك الأدب يسمو بقدر ما يتحرر من قيود الزمان والمكان، فالقصيدة أو الرسالة التي تعبر عن معنى من المعاني الإنسانية أبقى على الدهر من التي تعبر عن نزعة مصرية أو إنجليزية، فإن النزعات الموضعية عرضة للتغير والزوال، ولكن الميول الإنسانية جديرة بالخلود، والأدب المستور إنما يغشى بالحجب المحلية التي لا ندري أتبقى سائغة مقبولة، أم يعدو عليها البدع المستطرف فيلقي بها في مهاوي الخمول؟
ولقد ظن الناس، حين شاهدوا المناظرة التي قامت بين الأستاذ سلامة موسى والأستاذ توفيق دياب، أن هذه أول مرة يختلف فيها أدباء اللغة العربية في المفاضلة بين الأدب المستور والأدب المكشوف، ولكن الواقع أن هذه المسألة بعينها كانت مثار الجدل عند المتقدمين تحت اسم آخر هو الخصومة بين من يوجبون أن يكون الكلام جدا كله، وبين من يؤثرون أن يمزج حيث يقتضي الحال بشيء من الدعابة والمجون.
ولو عدنا إلى رجال الأدب في تلك العصور التي نهضت فيها اللغة العربية، ولفتت أنظار العالم في الشرق والغرب إلى ما فيها من عناصر القوة وأصول الحياة، لوجدنا أكثرهم من أنصار الأدب المكشوف، فهذا أبو الفرج الأصبهاني يودع كتاب «الأغاني» كل ما عرض له من أخبار الخلفاء والشعراء والكتاب بعبارة حرة صريحة مكشوفة، لا يثقلها قيد ولا يحجبها قناع، وهذا النويري يكتب نهاية الأرب بحرية خالصة لا يشوبها تحرج، ولا يحدها تنسك، وهذا الجاحظ يأبى أن يحرم القارئ من ثمار اطلاعه التي جمعت ما تفرق من شهوات العقول، وهذا الثعالبي يفرط في تصيد ما شرد من روائع الملح والفكاهات، ونوادر الساسة والملوك، ولا ننس ابن منظور الذي أشعر الناس بأنه جبار أهل الجد حين وضع لسان العرب، ثم رجع فراعهم بدعابته حين وضع أخبار أبي نواس.
على أنه من الخير أن نقدم للقارئ بعض ما يقوله هؤلاء الأفذاذ في إيثار الأدب المكشوف، ولنكتف بقول ابن قتيبية في مقدمة «عيون الأخبار»:
وسينتهي بك كتابنا هذا إلى باب المزاح والفكاهة، وما روي عن الأشراف والأئمة فيهما، فإذا مر بك أيها المتزمت حديث تستخفه أو تستحسنه أو تعجب منه، أو تضحك له، فاعرف المذهب فيه وما أردنا به.
Неизвестная страница
واعلم أنك إن كنت مستغنيا عنه بتنسكك، فإن غيرك ممن يترخص فيما تشددت فيه محتاج إليه، وأن الكتاب لم يعمل لك دون غيرك فيهيأ على ظاهر محبتك، ولو وقع فيه توقي المتزمتين لذهب شطر بهائه وشطر مائه، ولأعرض عنه من أحببنا أن يقبل عليه معك.
وإنما مثل هذا الكتاب مثل المائدة تختلف فيها مذاقات الطعوم لاختلاف شهوات الآكلين، وإذا مر بك حديث فيه إفصاح بذكر عورة أو فرج أو فاحشة، فلا يحملنك الخشوع أو التخاشع على أن تصعر خدك وتعرض بوجهك، فإن أسماء الأعضاء لا تؤثم، وإنما المأثم في شتم الأعراض وقول الزور والكذب، وأكل لحوم الناس بالغيب، قال رسول الله
صلى الله عليه وسلم «من تعزى بعزاء أهل الجاهلية، فأعضوه بهن أبيه ولا تكنوا.» وقال أبوبكر الصديق رضي الله عنه لبديل بن ورقاء حين قال للنبي
صلى الله عليه وسلم
إن هؤلاء لو قد مسهم حز السلاح لأسلموك: «اعضض ببظر اللات، أنحن نسلمه؟» وقال علي بن أبي طالب صلوات الله عليه: «من يطل أير أبيه ينتطق به.» وقال الشاعر في هذا المعنى بعينه:
فلو شاء ربي كان أير أبيكم
طويلا كأير الحارث بن سدوس
قال الأصمعي: كان للحارث بن سدوس أحد وعشرون ذكرا. وقيل للشعبي: إن هذا لا يجيء في القياس، فقال: أير في القياس، الولد ذكر.
وليس هذا من شكل ما تراه في شعر جرير والفرزدق؛ لأن ذلك تعيير وابتهار في الأخوات والأمهات، وقذف للمحصنات الغافلات، فتفهم الأمرين وافرق بين الجنسين، ولم أترخص لك في إرسال اللسان بالرفث على أن تجعله هجيراك على كل حال، وديدنك في كل مقال، بل الترخص مني فيه عند حكاية تحكيها أو رواية ترويها، تنقصها الكناية ويذهب بحلاوتها التعريض، وأحببت أن تجري في القليل من هذا على عادة السلف الصالح في إرسال النفس على السجية، والرغبة بها عن لبسه الرياء والتصنع، ولا تستشعر أن القوم قارفوا وتنزهت، وثلموا أديانهم وتورعت.
ومن هذه الكلمة نرى ابن قتيبة يقيد الأدب المكشوف بقيد واحد؛ هو أن لا يكون «تعييرا وابتهارا في الأخوات والأمهات، وقذفا للمحصنات الغافلات.» ونراه ينهى عن أن يكون ذلك النوع ديدن الكاتب وهجيراه، ويحصره في المواطن التي تنقصها الكناية، ويذهب بحلاوتها التعريض، وكذلك يرى اليوم أنصار الأدب المكشوف، فهم لا يريدون أن يفرغوا للهزل والعبث، وإنما يريدون أن يعطوا كل مقام حقه من الحلاوة والمرارة، أو الشدة واللين. •••
Неизвестная страница
أشرت إلى أن من رجال الأدب من عمل وهو كاره على إيثار الأدب المكشوف، ذلك بأن الجد المطلق ينافي طبيعة الحياة، فلا يحسب أنصار الأدب المستور أنهم يستطيعون المضي إلى النهاية في ذلك الطريق، فقد أراد صاحب «زهر الآداب» أن يصون كتابه عن ذكر طائفة من الشعر الصريح، ولكنه غلب على أمره في مواطن كثيرة، فأباح ما لم يكن يبيح من فنون اللهو والمجون.
خطر له مرة أن يتكلم عن التضمين، فضرب المثل بمن قلب قول النابغة: «كالأقحوان غداة غب سمائه»، فقال في الهجاء:
1
يا سائلي عن جعفر عهدي به
رطب العجان وكفه كالجلمد
كالأقحوان غداة غب سمائه
جفت أعاليه وأسفله ندى
ومع أننا لا نسيغ هذا الضرب من الكلام، فقد وصفه بأنه «جاء مليحا في الطبع، مقبولا في السمع.»
وأراد مرة أخرى أن يتكلم عن محاسن الجواري السود، فساق قصيدة ابن الرومي في جارية عبد الملك بن صالح، وفيها هذه الأبيات في وصف محاسنها الباطنة:
2
Неизвестная страница
لها حر يستعير وقدته
من قلب صب وصدر ذي حنق
كأنما حره لخابره
ما ألهبت في حشاه من حرق
يزداد ضيقا على المراس كما
تزداد ضيقا أنشوطة الوهق
3
وفي موطن آخر ذكر قول ابن الرومي يصف هن امرأة:
4
يسع السبعة الأقاليم طرا
Неизвестная страница
وهو في إصبعين من إقليم
كضمير الفؤاد يلتهم الدن
يا وتحويه دفتا حيزوم
وساقه الكلام عن تأصل الشاعرية في صدور العرب إلى الفكاهة الآتية:
5 «قال أعرابي لشاعر من بني الفرس: الشعر للعرب، فكل من يقول الشعر منكم فإنما نزا على أمه رجل منا، فقال الفارسي: وكذلك من لا يقول الشعر منكم فإنما نزا على أمه رجل منا!»
وأراد أن يذكر ألفاظ أهل عصره في محاسن النساء، فرأى من تتمة البحث أن يورد أيضا ألفاظهم في محاسن الغلمان، وأتى في هذا الباب بطائفة من التعابير المختارة التي تهيج الحواس، وتوقظ ما خمد من نزوات الرءوس،
6
وقد أخذ يبدئ ويعيد في هذه المعاني كلما سنحت له الفرصة وساقه الحديث، حتى لنعد من أعف ما رواه قول أبي نواس:
ومنتظر رجع الحديث بطرفه
إذا ما انثنى من لينه فضح الغصنا
Неизвестная страница
إذا جعل اللحظ الخفي كلامه
جعلت له عيني لتفهمه أذنا
وإنما قدمت للقارئ هذه الشواهد من زهر الآداب؛ ليرى كيف فعل أحد المؤلفين المتحرجين الذين يفرقون بين ما يباح وما لا يباح، وها نحن أولاء نرى ذلك المؤلف لا يستطيع الصبر على تقييد الأدب بما تتأثر به الأذواق من الأوضاع والتقاليد، ولقد ذكرني ذلك باللوحات التي يراها الناظرون في حديقة لكسمبور وغابة بولونيا في باريس، ففي كل ركن لوحة فيها إنذار بالطرد لكل من يخرج على حدود الأدب والاحتشام، وفي كل مكان من تلك الملاعب قد يضم، وثغر يرشف، وحمى يباح! •••
وقد جاء في خطبة الأستاذ توفيق دياب أن الأدب لا يراد لذاته، وإنما هو وسيلة إلى الأخلاق، وأذكر أنه قال في شيء من الانفعال: فليسقط الأدب إن أضر بالأخلاق، ويغلب على ظني أن الأستاذ دياب لم يقل العبارة الأخيرة إلا مبالغة في الدفاع عن رأيه والدعوة إليه؛ لذلك أرجو أن يرى معنا أنه لا غنى للأمم الحية عن الآداب والفنون، بغض النظر عن قربها أو بعدها من الأخلاق، فلننظر معا برفق وبإخلاص إلى تأثير الدين والأخلاق في إخماد الآداب والفنون:
لا ينكر أحد، ولو أسرف في التكلف، أن تحريم الإسلام للتصوير جنى على الشعوب الإسلامية جناية عظيمة، وعطل مواهبها الفنية، وحشرها في زمرة المتخلفين عن فهم أسرار الجمال، ولا ينكر أحد، ولو أمعن في التعصب، أن تحطيم العرب للأنصاب والتماثيل التي كانت تفصح وتبين عن أساطير الأولين، إنما كان أثرا للتحرج الذي دعاهم إليه الدين، ولولا بقية من سلامة الذوق وصبابة من صدق الحس لما رأينا في الشعوب الإسلامية ميلا إلى روعة الفن، ولا كلفا بآثار المبدعين.
وسيسأل القارئ: وما الذي خسرناه بانصراف المسلمين عن النحت والتصوير؟ ونجيبه بأننا حرمنا بذلك من الوقوف على ميولهم وغرائزهم وسجاياهم، فلو تركهم الدين أحرارا في شرح ألوان حياتهم لرأينا كيف كانوا يلعبون وكيف كانوا يجدون، وكيف كانت تجيش بصدورهم هواجس المنى ونوازع الآمال، ولكنه قيدهم فلم يتركوا لنا إلا آثارا ضئيلة لا تكفي في كشف ما كانوا يضمرون.
ولقد أبيح لهم في سبيل الترغيب والترهيب أن «يتكلموا» عن نعيم الجنة وعذاب السعير، فتركوا لنا طائفة من الأماني والمخاوف تمثل ما كانوا يرجون ويرهبون، فعرفنا مثلا أنهم بحكم مركزهم الجغرافي الأول، قبل أن يخرجوا من جزيرة العرب كانوا من آلام الظمأ والجوع في كرب عظيم، ألا ترى كيف يذكرون أن أول ما ينعم به أهل الجنة هو الكوثر، والكوثر نهر عذب ينهل منه الوارد نهلة، فلا يظمأ بعدها أبدا، وعبارة «لا يظمأ بعدها أبدا» تمثل أقصى ما يتمناه البدوي في الصحراء، وقد لفحته السموم وصهرته الرمضاء، ولك أن تقول مثل ذلك فيما تحدثوا به عن عذاب القبر؛ إذ تراهم يتصورون المذنب، وقد أحدقت به الحيات والثعابين، وإنه لدليل على ما كانوا يقاسون في البادية من عنت الأفاعي والصلال.
افهم هذا أيها القارئ واستغفر الله لي ولك، فإن مناهج البحث الحديث لا تسمح بالوقوف عند معاني الحروف كما كان يفعل المتقدمون!
ولو عدنا إلى الشعر لرأينا أثر المتزمتين في إخماده كان غاية في الشناعة والقبح، فقد عرض النبي بالشعر وهاجم الشعراء متأثرا بعداوة من عاداه من شعراء قريش وشعراء اليهود، فكان من ذلك أن أسرف جمهور المسلمين في بغض الشعر والنيل من الشعراء، وقد سئل عبيد الله بن عبد الله بن عتبة: أتقول الشعر في فقهك وورعك؟ فأجاب: لا بد للمصدور أن ينفث! وهذا الفقيه هو صاحب هذه الأبيات الرائعة:
شققت القلب ثم ذررت فيه
Неизвестная страница
هواك فليم فالتأم الفطور
تغلغل حب عثمة في فؤادي
فباديه مع الخافي يسير
تغلغل حيث لم يبلغ شراب
ولا حزن ولم يبلغ سرور
وقد زعموا أن الإمام الشافعي قال:
ولولا الشعر بالعلماء يزري
لكنت اليوم أشعر من لبيد
وكذلك زعموا - قاتلهم الله - أن النبي لم يكن يقرأ بيتا من الشعر إلا كسره، وذلك غاية الإفك والبهتان، ولا يزال شيوخ الأزهر مختلفين في بدء الشعر بالبسملة؛ لأنه فيما يرون ليس من الأمور ذوات البال!
وهذا الاتجاه الذي تورط فيه الجمهور الإسلامي ضد الشعر أتاح لنا طائفة من الفكاهات، فقد قيل لابن سيرين: إن قوما يزعمون أن إنشاد الشعر ينقض الوضوء، فأنشد:
Неизвестная страница
لقد أصبحت عرس الفرزدق ناشزا
ولو رضيت رشح استه لاستقرت
وقام يصلي! وقيل : بل أنشد :
أنبئت أن عجوزا جئت أخطبها
عرقوبها مثل شهر الصوم في الطول
وسئل ابن عباس: هل الشعر من رفث القول؟ فأنشد:
وهن يمشين بنا هميسا
إن تصدق الطير ننك لميسا
وقال: إنما الرفس عند النساء، ثم أحرم للصلاة! وقيل لأبي السائب المخزومي: أترى أحدا لا يشتهي النسيب؟ فقال: أما ممن يؤمن بالله واليوم الآخر فلا!
ولولا خوف الإطالة لأريت القارئ كيف أثر التحرج في قتل سائر الفنون، فلأكتف بما أسلفت، ولأشر فقط إلى أن جناية التحرج لم تقف عند الأدب والفن، بل طغت على العلم أيضا، فقد كان الغزالي يكره التشريح؛ لأنه يذهب بفريق من العلماء إلى أن النفس تموت!
Неизвестная страница