وصواب الناس الغالبة انهم صم كلاب، وتتدخل عصا موسى في الصورة فلا تفلح في ان تفجر منهم شيئا (١):
حجارة بخل ما تجود وربما ... تفجر من صم الحجارة ماء
ولو أن موسى جاء يضرب بالعصا ... لما انبجست من ضربه البخلاء والصورة نفسها مرة أخرى (٢):
يراعه غرني منها وميض سنا ... حتى مددت إليها الكف مقتبسا
فصادفت حجرا لو كنت تضربه ... من لؤمه بعصا موسى لما انبجسا فالهجاء هو الموضوع الذي كان ابن عبد ربه مهيأ له بطبعه، وغايته الفنية فيه أن تولد معنى جديدا، أما الموضوع الذي راض طبعه عليه واسرف فيه ولم يقصر عن بلوغ الإجادة فيه، فذلك هو وصف المعارك والحروب، وقد أورد له أمثلة كثيرة منه في العقد، وما تزال غايته فيه أيضًا التجديد في المعاني. قال (٣): وقد وصفنا الحروب بتشبيه عجيب لم يتقدم إليه ومعنى بديع لا نظير له وذلك قولنا:
وجيش كظهر اليم تنفحه الصبا ... يعب عبابا من قنا وقنابل
فتنزل أولاه وليس بنازل ... وترحل أخراه وليس براحل وعلى أن هذا معنى فيه شيء من الابتكار والتوجيه فان وصفه للحروب حين يجيء في نغمة قوية منحدرة خير من تطلبه المعنى والاحتفال به.
وأبرز ما في شعر ابن عبد ربه انه مجلى لثقافته واطلاعه في نواحي متعددة، فثقافته الفقهية تجعله يقول؟ مثلا - (٤):
وما بعث الهوى بيعا بشرط ... ولا استثنيت فيه بالخيار واطلاعه الواسع في الأمثال هو الذي يدفعه لتحويل كل بيت أحيانًا
(١) العقد ١: ٢٩٢
(٢) العقد ١: ١٣١
(٣) العقد ٣: ٤٣
(٤) العقد ٣: ١٣٧ - ١٣٨