كان العرب قبل ظهور النبي محمد يقدمون لآلهتهم الذبائح البشرية من أسرى الحرب ومن أولادهم؛ فيئدون بناتهم، ويقتلون عدوهم، وعلى الجملة؛ فقد كانت أخلاقهم مبنية على القساوة، والانتقام، وسفك الدماء، وقد قضى النبي محمد على ذلك جميعه، ونادى بعبادة الخالق - سبحانه وتعالى - وساوى جميع العرب أمام الله، وحرم الانتقام، ومنع سفك الدماء، وهذه الأعمال العظيمة التي قام بها محمد تدل على أنه من المصلحين العظام، وعلى أن في نفسه قوة فوق قوة البشر.
ولد النبي محمد عام 571 من أبوين فقيرين، وقد توفي والده قبل ولادته بشهرين، وتوفيت والدته في العام السادس من عمره؛ فكفله أولا جده، ثم عمه الذي كان يصحبه معه في سفراته التجارية.
وكان النبي محمد في حداثته يخدم أعمامه؛ فيرعى ماشيتهم، ويقود جمالهم.
ولما بلغ العام العشرين دخل في خدمة قريبته الأرملة خديجة من ذوات الثروة الواسعة بصفة وكيل لها، وبعد مرور سنة قضاها في خدمتها تزوجها؛ مع أنها كانت أكبر منه بعشرين عاما، وقيل: بخمسة عشر.
كان محمد ذا فكر نير وبصيرة وقادة، واشتهر بدماثة الأخلاق، ولين العريكة والتواضع، وحسن المعاملة للناس، واشتهر بميله للأبحاث الدينية؛ حتى إنه كان يناقش اليهود والنصارى، ومن هذه المناقشات عرف أشياء عن موسى والمسيح، وعرف بعض الشيء من تعاليم التوراة والإنجيل، وعرف أنه يوجد إله عظيم لم تصنعه الأيدي البشرية.
2
مضت على محمد أربعون سنة قضاها بسلام وطمأنينة، وكان جميع أقاربه يحبونه محبة شديدة، وأهل مدينته يحترمونه احتراما عظيما؛ لما هو عليه من المبادئ القويمة، والأخلاق الكريمة، وشرف النفس والنزاهة، وكانت ثروة زوجته تكفيه مؤونة الكدح للمعاش؛ فعاش رخاء وهناء، ولكن من جهة أخرى كانت في نفسه عواطف دينية قوية تدفعه إلى القيام بعمل عظيم؛ ألا وهو إخراج أمته ومواطنيه من دياجير الجهل وظلمات الخرافات الدينية.
وصل الاعتقاد الديني بمحمد إلى الاعتراف بأن موسى وعيسى من أنبياء الله، ولكنه لم ترقه بعض عقائد الديانتين: المسيحية، واليهودية.
ولطالما انقطع محمد في حداثته إلى الجبال المجاورة لمكة؛ حيث يقيم شهرا متعبدا، وكان شعوره الديني يزداد عاما فعاما، أيقن في النهاية أن أرباب أمته لا شعور لها ولا قوة، وأن الإله الحقيقي واحد؛ وهو الله منشئ الكائنات ومدبرها بقوته غير المحدودة؛ ففي سنة من سنوات اعتزاله، تواترت عليه ذات يوم الأفكار الدينية، وبعد ذلك اضطربت لها نفسه اضطرابا شديدا، فدخل مغارة، ونام فيها، وفي خلال نومه رأى رؤيا، دعاه في خلالها هاتف ليكون نبيا يدعو أمته لمعرفة الإله الواحد، ولما استيقظ من نومه عاد إلى منزله مضطربا، وبعد عدة أسابيع رأى رؤيا أخرى دعاه فيها صوت ذلك الهاتف ليكون نبيا لأمته، فعزم بعد هذه الرؤيا بدون تردد على دعوة أمته إلى معرفة الحق، وصمم العزم على تطهير البلاد من الأصنام.
ومن أراد أن يحكم على الدين الإسلامي ومبادئه وروح تعاليمه؛ فليطالع الآيات الآتية التي اقتطفناها من القرآن؛ وهي:
Неизвестная страница