وامتنع الرسول حتى عن الزاد، لأنه مزود من الحاج فصح قول الشاعر: ويأتيك بالأخبار من لم تزود. وكان جدي - رحمه الله - والحاج مصطفى، كلما روى لنا تلك القصة، يقول: العلة في البشر لا في الدين.
لقد سبقنا الأجانب في كل شيء حتى الصلاة، فإنك تقرأ صلاتهم فتراها عمومية ولا تشعر بأثر طائفي فيها، وكذلك لباسهم فهو لا يشير إلى لون من ألوان الملل والنحل، أما نحن فالثياب تفرقنا، والأسماء تميزنا، والصلوات وألحانها تدل على كل ملة وطائفة، وخصوصا في لبنان هذا الكوكتيل الغريب العجيب.
يخترع العلماء اليوم آلات ليدرسوا بها الشمس عن قرب، فهلا حاول أحد هؤلاء الجهابذة اختراع آلة تدرس لبنان وطوائفه.
الفلكيون يكتشفون نجوما جديدة وكواكب جديدة إلا أقمار لبنان وكواكبه ونجومه، فهم في كل فلك يسبحون. ففي فلكنا السياسي الطائفي كوم ثريات، وموازين، ومجرات، ودبب كبار وصغار، كما في الفلك تماما. ترى إذا أجلنا فكرتنا وفتشنا أبعاد نظام فلكنا السياسي الطائفي، ألا نعثر على نجم أو نجوم جديدة تضيء لنا في الليلة الظلماء؟
ترى أي فرق بين لبنان العصر العشرين وبين لبنان القرن التاسع عشر والثامن عشر. كانوا يسمون ذلك العصر إقطاعيا لأن كل مقاطعة كانت لواحد، واليوم يقتطع النواب البلاد باسم النيابة والنظام البرلماني، فتطلق أيديهم في مناطقهم ويتصرفون كأنهم في عهد الإقطاع. ناهيك أن رجال السياسة هم هم، كأنهم حجارة الداما. ترى أليس في البلاد سواهم!؟ وإذا قلت هذا قالوا لك الطائفية.
أمنا يا سيدي. إنها الطائفية، ولكن في الطوائف غير هؤلاء. هل ورثوا الحكم والوظائف مع ما ورثوا من عقارات؟ استند الشارع إلى الطائفية ليحد من طغيان ملة إلى ملة، ولم يقل بالطائفية لتظل مقدرات الدولة في يد بيوت معلومة لأنهم توارثوا الوظائف كابرا عن كابر.
إنها، والله، إقطاعية لا طائفية، ففي كل طائفة رجال كثيرون فلم لا نجربهم؟ والشباب لماذا لا نمرنهم؟ على الأقل الطائفية تقول بالمساواة بين الطوائف في الوظائف ولا تقول بالحصر والاحتكار. لقد جربنا من جربنا من الناس فلماذا لا نجرب غيرهم؟
وإذا كان لبنان دولة ديمقراطية علمانية حقا، فأين الوجوه الشعبية الجديدة التي تطل علينا؟
تتغير رجالات دول الأرض في استمرار، فأسماء تغيب وأسماء تبدو ثم تختفي إلى ما لا نهاية له، إلا عندنا في هذه البقعة من الأرض، فإن رجالها في متاريسهم ثابتون، والثابت وجههم ووجه الله.
سوس وقراد
Неизвестная страница