Философский урожай двадцатого века: и другие философские исследования
الحصاد الفلسفي للقرن العشرين : وبحوث فلسفية أخرى
Жанры
أسهمت بعض العوامل في تمجيد الماضي منها أن الثقافة الميثولوجية للشعوب رسمت صورا خيالية مثالية للأزمان الماضية، كما أن «الذكريات والأساطير في معظم الحضارات تفسد وتشوه التسلسل الزمني الدقيق. فهي تسلم بما لديها من شواهد دون نقد أو تمحيص. كما أنها تخلط الأسطورة بالتاريخ، والبشر بالآلهة والأبطال، والواقع بالخيال، والحقيقة بالمأثور الأدبي.»
12
فقد قامت الأسطورة بدور أساسي في إضفاء الحياة والديناميكية على الأسلاف الذين ظلوا حاضرين دائما في ذاكرة الشعوب على الرغم من غيابهم، وبعدهم الزمني والتاريخي. وترسخ التفكير الميثولوجي في الوعي الاجتماعي للشعوب - وإن كان بدرجات متفاوتة - وتوارثته الأجيال بحيث أصبح الماضي مشاركا في الحاضر، وأصبح الأسلاف الموتى - حتى من لم يدفعوا منهم حركة التاريخ في الماضي - هم الذين يتحكمون ويسيطرون ويديرون دفة الزمن الحاضر كنماذج يتوجب احتذاؤها.
13
بوسعنا أيضا إدراك العلاقة بين إضفاء المثالية على الماضي التاريخي وبين التجربة الاجتماعية، فعلى الرغم من أنها علاقة معقدة، ولكن لا يصعب التدليل عليها من الشواهد التاريخية. فقد ارتبطت عملية تقييم الماضي بظروف اجتماعية وتاريخية معينة، وارتبط تذكر العصور المثالية في الماضي البعيد «بالطبقات الاجتماعية الدنيا في المجتمع. وهي الطبقات غير القادرة على التعرف على رموز التقدم في التاريخ أو اكتشاف أية قيمة إيجابية في مساره تفتح الطريق أمامهم إلى مستقبل أفضل. وفي هذه الحالة تكون عملية التقدم في التاريخ هي في طريق العودة إلى عصر سابق. حيث كان يعيش كل الناس متساوين وسعداء. ويكون المستقبل في هذه الحالة هو التطلع إلى عودة الجنة المفقودة للحياة الطبيعية الأولى.»
14
وإذا كانت الطبقات الدنيا من المجتمع، وكذلك الشعوب في مراحل تدهور حضارتها تضع قيمة عليا لماضيها أكثر من حاضرها، وترسم صورة مبالغا فيها إلى حد لا تخطئه عين الدارسين للعصور التاريخية القديمة، فمن المفارقة أن تجد فئات اجتماعية أخرى تنظر إلى نفس الحقبة التاريخية نظرة يغلب عليها الازدواج، وأصحاب هذه الفئة هم الطبقات الاجتماعية الثورية الصاعدة في المجتمع التي تتصور أنها تأتي بفكر جديد مخالف للفكر السائد في مجتمعاتها بغرض التغيير ومثل هذه الطبقات إما أن تنظر إلى الماضي نظرة ازدراء واحتقار من منطلق أنه مخالف لأفكارهم الجديدة، فتنتقص من قدره وتبخسه حقه، وتتهمه بالتخلف أو الرجعية، وتحاول بقدر طاقتها نزع أية قيمة مثالية عنه، أو أن تسعى هذه الطبقات إلى البحث عن أسلاف لها في الماضي لتعطي حركاتها الاجتماعية الجديدة نوعا من الشرعية، ولتضفي عليها نوعا من الإجلال والعظمة المستمدة من الصور الخيالية للقداسة التي رسمتها عقول الشعوب لأحقابها الماضية. وفي كل الأحوال السابقة التي حصرت الزمن الماضي بين التقييم والتحطيم (أو التحقير) حدث نوع من التزييف للماضي، وعندئذ تصدق العبارة التي تنص على أن: «من الصعب النظر إلى الماضي بغير تزييفه؛ لأن الحاضر يغمر الماضي ويشوهه. إنه ليس هو الحاضر ولا الماضي، ولكنه نوع من الزمن المزيف.»
15
وتضفي الشعوب نوعا من المثالية والقداسة كذلك على بعض اللحظات التاريخية في الماضي متمثلة في زمن البدايات الأولى، سواء كانت بدايات دينية أم سياسية أم اجتماعية. ففي الحركات الدينية الكبرى يتم إضفاء قيمة خاصة على زمن ميلاد المبشرين بهذه الديانات، فيصبح زمنا مقدسا باعتباره لحظة تاريخية تختلف تماما عن كل الفترات الأخرى للتاريخ، وهي اللحظة التي شهدت ميلاد الحقيقة الأسمى، والتي ترتب عليها تطور المجتمع أو ميلاده من جديد. ثم يظهر من حين لآخر حركة إصلاحية دينية تزعم محاولة استعادة القيم المفقودة والحقائق السامية التي كانت سائدة في العصور الأولى للبدايات الدينية المقدسة، والتي أفسدتها فترات تاريخية لاحقة، وما يحدث مع مؤسسي الديانات، يحدث أيضا مع مؤسسي الحركات الثورية الاجتماعية والسياسية، حيث يضفي عليهم أتباع هذه الحركات هالة من القداسة ربما لإجبار أتباعهم على الانصياع لأفكارهم، كما يجعلون قيمة خاصة على اللحظات الزمنية التي انطلقت فيها هذه الحركات، باعتبارها اللحظات التي وضعت فيها المبادئ الأساسية، ويحاول أنصار هذه الحركات استدعاءها في الحاضر متذرعين بحجة المحافظة على الأفكار الأصلية والإخلاص والوفاء لها.
16
Неизвестная страница