Философский урожай двадцатого века: и другие философские исследования
الحصاد الفلسفي للقرن العشرين : وبحوث فلسفية أخرى
Жанры
وفيتجنشتين - في مرحلته المتأخرة - وسيلرز
16 ⋆
وديفيدسون، بحيث يمكن القول إنها تجاوزت ذاتها وألغتها. إن هؤلاء المفكرين زعزعوا التفرقة الوضعية بين ما هو دلالي وما هو براجماتي، وبين التحليلي والتأليفي، وبين اللغوي والتجريبي، وبين النظرية والملاحظة ... فالنزعة الكلية عند ديفيدسون تبين كيف تبدو اللغة بمجرد أن نتخلص من الافتراض الأساسي للفلسفة، ألا وهو أن الجمل الصادقة تنقسم إلى قسمين، أعلى وأدنى، أي إلى تلك الجمل التي تتطابق مع شيء ما وتلك التي لا تكون صادقة إلا عن طريق المواضعة والاتفاق.»
17
وبهذا المعنى يكون الحق والصدق مسألة مرتبطة بمعتقداتنا ومشاعرنا ولغتنا، أي أنهما - الحق والصدق - لا يكونان إلا في حدود معتقداتنا وفي حدود ما نقبله أو ما نرفضه، وفي حدود تعبيراتنا اللغوية أيضا. أما عن مدخل كواين وسيلرز إلى نظرية المعرفة فيتبين في قولهما إن الصدق والمعرفة لا يمكن الحكم عليهما إلا من خلال المعايير التي يتخذها الباحثون في أيامنا. وهذا المدخل ليس معناه - في رأي رورتي - التقليل من المكانة الرفيعة للمعرفة البشرية أو من أهميتها، وليس معناه القول بأنها مقطوعة الصلة بالعالم كما يتصور البعض. فالواقع أنهما يريدان أن يقولا أي تبرير - وهو المعيار الذي يبحث في الفلسفة التقليدية عن أساس عقلي متسق - لا يكون له معنى إلا بالإحالة إلى ما نوافق عليه، أو ما نتقبله بالفعل، وأنه ليس هناك من سبيل للخروج من دائرة معتقداتنا أو لغتنا للبحث عن معيار آخر غير التماسك أو الاتساق. ومعنى هذا أنهما - أي كواين وسيلرز - لا يريدان للصدق أو المعرفة أن يكون لهما طابع أبدي، ولا أن يؤسسا على أساس الاتساق فقط. وهنا تلعب المعتقدات دورا هاما لدى أصحاب هذا الاتجاه؛ فاتخاذنا معتقدا ما يعني تمسكنا بصدق هذا المعتقد، أي استعدادنا لأن نسلك وفقا له، بحيث تصبح كلمة العالم مرادفة لمجموع معتقداتنا الموثوق بها، والتي تتألف منها خبراتنا، أي أن مجموعة معتقداتنا هي التي تعطينا العالم.
أضف إلى هذا أن نظرة ديفيدسون إلى اللغة تجعلنا نتحاشى تعيين اللغة (بمعنى إضفاء صورة عينية عليها) على طريقة التراث الديكارتي، وخاصة على طريقة التراث المثالي الذي قام على فلسفة كانط؛ وذلك لأن وجهة نظر ديفيدسون: «لا تجعلنا ننظر إلى اللغة كشيء ثالث بين الذات والموضوع، ولا كوسط نحاول فيه أن نكون صورا للواقع، وإنما نجعلها جزءا لا يتجزأ من سلوك الجنس البشري. ومن هذا المنطلق، يكون النطق بالجمل أو العبارات هو أحد التصرفات التي يقوم بها البشر لكي يتلاءموا مع بيئتهم. وفي هذا الصدد تعتبر فكرة ديوي عن اللغة كأداة فكرة صحيحة إلى حد بعيد، لكن هذا لا يفترض أن نفصل الأداة أو اللغة عن مستخدميها، بل يجعلنا نتساءل ونبحث فقط عن مدى كفايتها لتحقيق أغراضنا.»
18
لقد كان هجوم فيتجنشتين وسيلرز وكواين على التمييزات المختلفة بين فئات الجمل أو أصناف العبارات هو الإسهام الكبير للفلسفة التحليلية، كما كان تأكيدا للإصرار على كلية اللغة أو على الوجود الكلي للغة - وذلك على خلاف النزعة الأفلاطونية - وهذا الإصرار هو الذي يميز البراجماتية، بل والفلسفة الأوروبية الحديثة. ويورد رورتي بعض العبارات من نصوص الفلاسفة كأمثلة على هذا، منها قول هيدجر: «إن الكلام عن اللغة يكاد بالضرورة أن يجعل منها موضوعا، عندئذ تتلاشى حقيقة اللغة»، وعبارة بيرس التي ينص فيها على أن: «الإنسان يصنع الكلمة، والكلمة لا تعني إلا ما أراد الإنسان أن يقصده بها ، وذلك فحسب بالنسبة لإنسان آخر. ولما كان الإنسان لا يستطيع أن يفكر إلا بواسطة كلمات أو من خلال رموز أخرى، فإن هذه الكلمات أو الرموز يمكن أن تستدير إليه وتقول: إنك لا تعني شيئا لم نعلمك إياه، وذلك فحسب بقدر ما توجه كلمة تعبر عن تفكيرك ... إن الكلمة أو العلامة التي يستخدمها الإنسان هي الإنسان نفسه ... وهكذا، فإن لغتي هي المجموع الكلي لذاتي؛ ذلك لأن الإنسان هو الفكر.» وربما يلخص نص بيرس هذا مجمل فلسفته البراجماتية التي تقوم على أن الدلالة العقلية للفظ، أو العبارة تكمن في أثرها في السلوك. ثم يورد رورتي نص دريدا الذي يقول فيه: «إن بيرس يتوغل بعيدا في الاتجاه الذي وصفته بأنه تفكيك لشارطية المعنى، وهو الذي يمكنه من حين لآخر أن يضع نهاية مؤكدة للإحالة من علامة إلى علامة.» ويستشهد أيضا بنص من سيلرز عن: «أن النزعة الاسمية السيكولوجية - التي يترتب عليها كل وعي بالأنواع والتشابهات والوقائع أي باختصار كل وعي بالكيانات المجردة، بل كل وعي بالجزئيات - هي مسألة لغوية.» وقول فيتجنشتين: «في اللغة وحدها يستطيع الإنسان أن يعني شيئا عن طريق شيء آخر.» وقول جادامر أيضا: «أن الخبرة البشرية هي في جوهرها خبرة لغوية.»
19
وجميع العبارات السابقة - في رأي رورتي - لا يصح أن تجعلنا نتصور أن هناك شيئا جديدا ومثيرا قد تم اكتشافه عن اللغة، بحيث يؤكد أنها أهم مما كان يعتقد من قبل. فهو يرى أن عبارات الفلاسفة السابقين قد اكتفت بإبداء ملاحظات سلبية، وأنهم يقولون إن كل المحاولات التي بذلت لتجاوز اللغة إلى شيء يمكن أن يؤسسها، أو شيء تعبر به عن نفسها، أو تأمل في أن تكون مكافئة له، ويقولون إن كل هذه المحاولات قد باءت بالفشل.
Неизвестная страница