Философский урожай двадцатого века: и другие философские исследования
الحصاد الفلسفي للقرن العشرين : وبحوث فلسفية أخرى
Жанры
51
يحاول هابرماس الإجابة على هذه الأسئلة ببيان أن موقف الثقافة ككل لا يختلف عن موقف العلم ككل، فهما ليسا بحاجة إلى تأسيس أو تبرير من جانب الفلسفة: «فمنذ فجر الحداثة في القرن الثامن عشر أوجدت الثقافة تلك البناءات العقلانية التي حددها كل من ماكس فيبر وامبل لاسك بوصفها مجالات القيم الثقافية، ووجود هذه المجالات يستدعي الوصف والتحليل وليس التأسيس الفلسفي»،
52
فانقسام العقل عند ماكس فيبر إلى مجالات ثلاثة - على سبيل المثال - وهي العلم الوضعي، والمشروعية الأخلاقية والمعايير الجمالية، لم يكن للفلسفة فيه إلا دور قليل.
ويرى هابرماس أن الإنقاذ الوحيد للمضمون العقلي للتراث الفلسفي يكمن في فهم العلوم الأخرى، بحيث تصبح مهمة النظرية النقدية هي تحويل دور العقل من وظيفته المتعالية التي تحدد لكل علم مكانه، إلى وظيفة التفاعل والحوار مع العلوم الأخرى. لقد أراد أن يعيد تشكيل النظرية عن طريق إعادة بناء العقلانية الاجتماعية فقدم ما أطلق عليه «العقلانية التواصلية» في مقابل «العقلانية الأداتية» التي هاجمها الجيل الأول من أصحاب النظرية النقدية، وبذلك انطلق هابرماس إلى خطوات أوسع، ووضع معايير نقدية جديدة من أجل تأسيس نظرية للمجتمع تستهدف عقلنة الحياة الاجتماعية، أو بمعنى آخر إقامة حياة اجتماعية حرة على أسس عقلانية. هكذا نجد أن النقد عند هابرماس قد أخذ أبعادا أخرى، فهو «يعتقد أن العقل الحديث لم يستنفد كل إمكاناته للقيام بمراجعة ذاته، ومحاكمة نتاجاته اللاعقلانية، ومن ثم يتعين إيجاد تصور مختلف للعقلانية إذا أردنا عدم السقوط في الأسطورة كما حدث لمعظم الفلاسفة الذين اعترضوا على عالم التقنية مثل هيدجر.»
53
وقد تأثرت النزعة النقدية عند هابرماس إلى حد كبير بعقلانية ماكس فيبر، فهي عند هذا الأخير - كما سبق القول - في مجالات ثلاثة: مجال الوقائع الموضوعية العلمية، ومجال المعايير والمشروعية، وأخيرا مجال القيم والدلالات الرمزية. وقد حاول هابرماس إعادة صياغة هذا البناء العقلاني الاجتماعي، فأصبحت شروط السلوك العقلاني في رأيه «لا تقتصر على المستوى المعرفي الأداتي، بل تمتد أيضا إلى مجال الأخلاق العملية.»
54
ومعنى هذا أنه لا يغفل أهمية العقلانية الأداتية الموجهة لهدف ولا دورها في تلبية المتطلبات المادية في المجتمع، ولكنه أيضا يؤكد على جانب آخر على قدر كبير من الأهمية، وهو فهم التفاعل الداخلي بين الذوات، والتفاعل اللغوي في الحوار لتصبح العقلانية عنده في نهاية الأمر بمثابة استعداد خاص لذوات لديها القدرة على القول والفعل، ولكي يصل إلى «فهم العالم المعيش، فإن الأمر لا يقتصر على ثمار العلم والتقنية، وإنما يتعلق بالفلسفة التي عليها أن تقوم بدور المؤول (أو المفسر)، وأن تجدد صلتها بالكلية، وأن تكون قادرة على المساهمة في حركة التفاعل بين الأبعاد المعرفية الأداتية، والممارسة الأخلاقية والتعبير الجمالي ... وبذلك تتخلى الفلسفة عن دور القاضي الثقافي، وتلعب دورا آخر هو دور المؤول الوسيط.»
55
Неизвестная страница