Философский урожай двадцатого века: и другие философские исследования
الحصاد الفلسفي للقرن العشرين : وبحوث فلسفية أخرى
Жанры
لم يكتف شتراوس - في أبحاثه - بالوقوف على ثقافة بعينها، بل سعى إلى الوصول للمبادئ الأساسية التي يشترك فيها العقل البشري في كل زمان ومكان، وتكون البنية العامة للفكر البشري. وقد كان دي سوسير (1857-1913م) هو الذي أوحى لشتراوس بذلك؛ ففي الوقت الذي كان فيه علماء اللغة يربطون بين تطور اللغة وتطور المجتمع، فإن دي سوسير «لم يعد يهتم بالبحث التكويني التاريخي، وقلب العلاقة بين النسق والتاريخ، وقد ميز عالم اللغة بين اللغة باعتبارها مجموعة من المواضعات المتفق عليها، والتي تتيح استخدام اللغة وممارستها عند الأفراد وبين الكلام الذي يمثل تلك الممارسة نفسها.»
51
أي أن هناك اتساقا يحد العلاقة بين عناصر اللغة بدون أن يكون لها علاقة بالعالم الخارجي الذي تعبر عنه أو تدل عليه.
يعد ميشيل فوكو (1915-1980م) من أكثر البنيويون شهرة. وكان كتابه «الكلمات والأشياء» من أكثر كتبه التي أثارت ضجة كبرى، ولكن بعض الباحثين رأى أن هذه الضجة مؤقتة. «إذ إن الكتاب بعد مضي عشر سنوات على نشره، لم يثبت قدرته على الصمود للزمن»، وقد طبق فوكو منهجه الحفري (الأركيولوجي) على دراسته للعلوم الإنسانية؛ ففي هذا الكتاب يعرض «صور العقل الأوروبي في القرن العشرين منذ عصر النهضة، وفيه يحاول أن يهتدي في كل عصر إلى عناصر الثبات وراء التحول الظاهري، وأن العناصر الثابتة هي الأساسية والجوهرية، وأن العناصر المتحولة والمتغيرة سطحية عرضية.»
52
واهتم فوكو - في المراحل الأخيرة من تطور تفكيره - اهتماما كبيرا بتحليل الأشكال المختلفة من الممارسات الخطابية لإبراز التمايزات والاختلافات التي تنشأ في الأشكال الخطابية. وعلى الرغم من استمراره في تحليلاته الأركيولوجية، إلا أنه ابتعد إلى حد كبير عن البنيوية، واقترب من أفكار فلاسفة التأويل، فبدأ البحث عن الدلالة في الأشكال الخطابية المتنوعة.
وعلى الرغم من أن فوكو يصف نمط تفكيره بأنه فلسفة نقدية، إلا أن البنيوية نفسها تعرضت للكثير من النقد بحجة أنها أنكرت الفاعلية الإنسانية، وتصورت إمكانية بناء أنساق تجريدية ثابتة وساكنة بعيدا عن حرية الإنسان وفاعليته، وعلى الرغم من محاولة بعض البنيويين الدفاع عن أنفسهم من تهمة معاداة النزعة الإنسانية، وإن أنساقهم التي توصف بأنها مجردة وتستبعد الذات والتاريخ هي ثمرة دراسات عميقة لفترات تاريخية هامة في حياة الجنس البشري، وهي التي تمثلت في المجتمعات البدائية الأولى، كما أن دراساتهم أيضا هي التي أضفت على الأساطير نوعا من المعقولية بعد أن ظلت حقبة طويلة من الزمان خارج نطاق العقل والمعقول. على الرغم من كل هذا الدفاع، فإن التطور التاريخي نفسه قد أثبت أن البنيوية لم تستطع الصمود طويلا أمام عالم يموج بالمتغيرات، وأن فاعلية الإنسان بإمكانها التدخل في مجريات الأمور لزعزعة كل الأنساق الثابتة والمستقرة، ولذلك سرعان ما انحسرت البنيوية بأسرع مما توقع روادها وعارضتها تيارات أخرى أطلقت على نفسها اسم «ما بعد البنيوية» أو «ما بعد الحداثة» تركت أثرا كبيرا على الفكر الفرنسي المعاصر. (3-9) ما بعد الحداثة
هكذا حدث نوع من الانتقال من البنيوية الحداثية إلى تيارات «ما بعد البنيوية» أو «ما بعد الحداثة» التي استندت إلى نقدها للبنيوية، وأكدت على «التفاعل المتبادل بين القارئ والنص، ولا ترى ما بعد البنيوية أن ثمة شيئا قائما خلف اللغة مثلما كانت تذهب البنيوية، وبذلك فهي إعلان بنهاية التفكير البنيوي في العلوم الإنسانية.»
53
وربما لا نبعد عن الحقيقة إذ قلنا إن فلسفات «المابعدية» على اختلافها وتنوعها - وهي التي أشرنا إليها في المقدمة - كانت تعبيرا عن السخط والتمرد على التقدم التكنولوجي في المجتمعات الصناعية والرأسمالية، وعلى العقلانية الأداتية التي أتت بها الحداثة الأوروبية منذ عصر النهضة، وازدادت بشكل مذهل في الفترة من 1850م حتى 1950م. إن ما بعد الحداثة تقدم نفسها تاريخيا ونقديا في علاقتها بالحداثة، وكانت نتيجة انهيار ألوان مختلفة من اليقين التقليدي أو التاريخي بحيث انتهت الحداثة، أو أصبحت في حكم المنتهية (على الرغم من إيمان البعض - كهابرماس - بأن الحداثة مشروع لم يكتمل بعد)، بمعنى آخر نستطيع أن نقول إن «ما بعد الحداثة» هي الوعي بنهاية الحداثة. وكانت هذه هي النظرة الأساسية لمن يسمون فلاسفة ما بعد الحداثة، والتي أدت بهم إلى الموقف النقدي من الحداثة، وتمثلت في تجربة جديدة تظهر في شكل التحدي للتقاليد والسلطة، ومراجعة وفحص المفاهيم الأساسية في الميتافيزيقا وتفكيكها لبيان نزعتها المنطقية المركزية، وفي تبني كل ما هو جديد أو غير مألوف. كما تتجلى أيضا في الكشف عن المسلمات والقوى التي كانت فاعلة في الرؤيا الحداثية، وإخضاع هذه القوى الأيديولوجية والتقنية للتحليل النقدي الدقيق،
Неизвестная страница