Философский урожай двадцатого века: и другие философские исследования
الحصاد الفلسفي للقرن العشرين : وبحوث فلسفية أخرى
Жанры
43
فالإنسان محكوم عليه بالموت، والموت هو عبور «الموجود-هناك» إلى حيث لم يعد هناك وجود.
كانت الوجودية الفرنسية هي التيار الآخر للفلسفة الوجودية، وقد انقسم هذا التيار نفسه - كما سبق القول - إلى تيارين متعارضين، أحدهما ديني كاثوليكي ويمثله جابريل مارسيل (1889-1973م)، والآخر ملحد ويتزعمه سارتر. لن نقف عند الأول، أعني جابريل مارسيل؛ لأنه لم يؤسس نظاما فلسفيا، ولم يترك سوى تأملات على شكل يوميات، وهو أقرب إلى كيركيجورد من كل ممثلي الفلسفة الوجودية، ولم يكن له شهرة ولا تأثير سارتر، القطب الآخر للوجودية الفرنسية، الذي تجاوز تأثيره ساحة الفكر الفرنسي إلى بلدان أخرى كثيرة، ومنها بعض البلدان العربية التي حظي فيها باهتمام كبير وحركة ترجمة واسعة لأعماله.
تطورت فلسفة سارتر (1905-1980م) على مراحل ثلاث تأثر فيها بثلاثة فلاسفة هم هوسرل وهيدجر وماركس. كانت المرحلة الأولى من هذا التطور سيكولوجية ظاهرية، والمرحلة الثانية أنطولوجية، ثم المرحلة الثالثة وجودية ذات ميول ماركسية. وأثمر هذا التطور الأخير ما يعد أهم كتب سارتر وهو «نقد العقل الجدلي» الذي أدرك فيه البعد التاريخي للوجود الإنساني مما أتاح الفرصة لإقامة فلسفة أساسها عقل جدلي يدرك أن حقيقة الإنسان متغيرة، ولن تتوقف عن الصيرورة.
وإذا كان الإنسان عند هيدجر هو الكائن المحكوم عليه بالموت، فهو عند سارتر محكوم عليه بالحرية؛ لأنه هو الذي يختار أن يصبح أو يصير. وكما يقول سارتر في الوجودية والنزعة الإنسانية، أن الإنسان مسئول عن وجوده ونوعه، وكذلك مسئول عن كل البشر في كل اختيار أو قرار له. ومبدأ الوجود عنده، الإنسان هو ما يصنعه بنفسه! الإنسان مشروع
Man is Project .
44
والإنسان يوجد بقدر ما يحقق ذاته وإمكاناته في أفعال ملموسة، بمعنى آخر أن الإنسان هو مجموع أفعاله.
يعود الانتشار الواسع للفلسفة الوجودية في منتصف القرن العشرين - إلى الحد الذي أصبحت معه «موضة العصر» - إلى أنها تعبر عن أزمة مبادئ وقيم مرحلة ما بين الحربين العالميتين، لقد وضعت المبادئ الأساسية للفلسفة التقليدية بكل قيمها وحقائقها موضع التساؤل، معتبرة مشكلة الإنسان المشكلة الأساسية. فقد عاد الفلاسفة الوجوديون بتاريخ الفلسفة إلى السؤال عن مصير وماهية الإنسان، والسؤال عن معنى الوجود أو حقيقته بعد أن طغى الطابع العلمي على فلسفات القرن التاسع عشر، واختزلت الوجود الإنساني وقصرته على الوجود المادي، فجاءت الفلسفة الوجودية لتبحث عن ماهية الوجود الإنساني من حيث وجوده - في - العالم، ووجوده مع الآخرين ومن أجلهم. وربما كان هذا سببا قويا في انحسار الفلسفة الوجودية - فيما بعد - واتهامها بإهمال الجانب العقلي في الإنسان باعتباره عصب الثقافة الأوروبية القائمة على العلم.
حدث نوع من الانحسار للفكر الوجودي بعد موت كل من هيدجر وسارتر، وبقيت قيمة فلسفة هذا الأخير في كونها أعمالا أدبية. أما عن فلسفة هيدجر فنستطيع أن نقول إنها من النوع الذي يتم اكتشاف كنوزها، وتزداد أهميتها بعد موت أصحابها، فعلى الرغم من انحسار التفكير في الوجودية كفلسفة، بقيت قيمة فلسفة هيدجر في أنها تولدت عنها فلسفات أخرى أثارت الكثير من الجدل، وأحدثت تغييرا جذريا في مسار التفكير الفلسفي في الثلث الأخير من القرن العشرين، وأقصد بوجه خاص تأثير فلسفة هيدجر - لا سيما في تحليلاته لبعض نصوص الفلاسفة قبل سقراط والنصوص الشعرية لهيلدرلن وغيره - على كل من فلسفة التأويل أو الهرمنيوطيقا والنزعة التفكيكية. وفيما بين التأثير الفعال والتراجع والانحسار تعرضت الفلسفة الوجودية للكثير من النقد، على الرغم من أنها قامت في الأساس لتوجيه النقد للفلسفات السابقة عليها، وعلى الرغم أيضا من زعم أحد روادها (أعني هيدجر) أنه تجاوز الميتافيزيقا الغربية، وأنه يؤسس فكرا جديدا للوجود. على الرغم من كل هذا فإن الوجودية نفسها لم تسلم من سهام النقد الموجه إليها باعتبارها نزعة معادية للعلم. وكانت فلسفة هيدجر في بعض جوانبها مرتعا خصبا لهذا النقد، خاصة في إغفالها البعد الاجتماعي والسياسي في حياة الموجود الفرد، وانغلاق فلاسفة الوجود بصفة عامة في الفردية الذاتية - باستثناء سارتر - إلى حد تجاهل الواقع الجدلي المتحرك حولهم. وقد كان هذا الجانب هو الأساس الذي ارتكز عليه نقد أعضاء مدرسة فرانكفورت لفلسفات الوجود. (3-7) النظرية النقدية
Неизвестная страница