Так я был создан: длинная история
هكذا خلقت: قصة طويلة
Жанры
وإنما طلبت زوجي لأنني شعرت بالحاجة الماسة إلى سماع صوته، بل شعرت بالحاجة الماسة إلى وجوده بجانبي، لقد رأيت في أثناء غفوتي أنني علوت أعلى هضبة في الشاطئ الغربي، وأن ريحا عاتية هبت ساعة المغيب فدفعتني أتدحرج على سفحها، وأصيح بأعلى صوتي فلا ينقذني أحد، ولعل هذا الصياح هو الذي دعا الخادم لتسألني عن صحتي وما بي، وجعلت أتدحرج وأتدحرج، وأصيح وأصيح، ثم إذا يد محسنة وصدر حنون تلقياني، ونظرت إلى صاحب هذه اليد وهذا الصدر فإذا هو زوجي، فلما استيقظت صممت على محادثته ودعوته ليجيء إلينا.
ودعيت لمحادثته وسمعت صوته يسألني في انزعاج: «كيف أنتم؟ ماذا حدث؟ لماذا طلبتني؟!» قلت: «كن مطمئنا، إننا جميعا على خير ما تحب، لكنني شعرت منذ تركت القاهرة أننا ظلمناك، فأنت أحوج إلى الراحة منا، إنك لم تسترح طول الصيف، فاحضر إلينا فاقض معنا أسبوعا، فالجو هنا كفيل بأن يعيد إليك طمأنينة نفسك وراحة أعصابك، وحسبك أن ترى الأطفال يمرحون سعداء فتكون سعيدا بهم وبي، فمتى تحضر؟ خبرني لأخطرهم هنا في الفندق.» قال: «لا شيء أحب إلي من أن أراكم هانئين سعداء، وسأحضر بعد يومين بالقطار الذي يصل الأقصر بكرة الصباح، وماذا تريدين أن أحضر لكم من القاهرة، لك وللأطفال؟» وشكرته وقلت له: إلى اللقاء. وانتهى حديثنا، وأنا أسعد الزوجات.
وأسرعت إلى «ونتر بالاس» وأخبرت صديقتي بأن زوجي سيحضر بعد يومين، وأذاعت صديقتي النبأ، وعرفه كل معارفنا ساعة الشاي، فلما أويت إلى مخدعي بعد السهرة تولاني العجب من نفسي، فلماذا دعوت زوجي؟ يجب ألا يعلم أحد أنني أنا التي دعوته، بل يجب أن يعلموا أنه هو الذي قرر الحضور من تلقاء نفسه، ويجب أن يفهم الألماني ذلك بنوع خاص حتى لا يظن أنني أردت أن أحتمي بزوجي منه، ومن نفسي، إن كبريائي لتأبى علي أن أضعف، أو أن يتوهم أحد أنني عرضة لأن أضعف، يجب أن أكون دائما صاحبة الرأي، وصاحبة السلطان، وأن يستجيب الغير لإرادتي وسلطاني بدافع من أنفسهم، ومن غير أن أطلب إليهم شيئا طلبا صريحا. فلما جاء زوجي بكرت لملاقاته، وبعد أن تهادينا تحية كلها الود، وبعد أن اطمأن إلى صحة الطفلين وهناءتهما قلت له: «لقد فهم الناس هنا أنك أنت الذي أردت أن تحضر بدافع من عواطفك نحونا وشوقك لنا، وراقني هذا الذي فهموا فلم أعترضه، ولا شك في أن ما فهموا من ذلك يرضيك ويسرك؟» واغتبط زوجي لفهمهم الأمر على هذا الوجه وأكده لهم، وأقام معنا أسبوعا عدنا بعده إلى القاهرة.
وفي خلال هذا الأسبوع دعوت الألماني والأقصري ودعوت صديقتي لتناول الشاي ولتناول العشاء معنا بفندق الأقصر، وأعدت على مسامع زوجي أمام الألماني أنه هو الذي أهداني التذكار الذي أريته إياه في العام الماضي، وطفنا جميعا معا لنري زوجي من آثار الأقصر ما لم يكن رآه، فلما اقترب موعد سفرنا، وحانت لحظة استطاع الألماني أن يحدثني فيها على حدة قال: «أرجو أن أراك هنا العام المقبل، وأرجو أن تأذني لي إذا حضرت إلى القاهرة أن أزورك هناك.» قلت: «أولا تريد أن ترى زوجي كذلك بالقاهرة؟» قال: «ذلك شأنك أنت، لكنني أصبحت أشعر أنه لا غنى لي عن أن أراك وأستمع إلى حديثك ولو مرة في كل عام، ولو اقتضاني الأمر أن أحج إليك كما يحج المسلم إلى مكة والمسيحي إلى بيت المقدس ليرفع إلى ربه دعاءه، كذلك أريد أن أرفع إليك في كل عام دعائي وآيات إعجابي صادقة خالصة لوجهك الكريم!»
وابتسمت ولم أجب أمارة أنني أغتبط بذلك ولا أعترضه، وكفته ابتسامتي ليشكرني وليحمد لي أن لم أر في إعجابه إثما يوجب التثريب عليه!
وعدت مع زوجي والطفلين والمربية إلى القاهرة وأنا مغتبطة أشد الاغتباط بأن دعوته، فحضر إلينا بالأقصر، ولم يكن مرجع غبطتي أنه حماني من ضعف نفسي، فلم يكن أيسر علي من أن أتغلب على هذا الضعف، وأن أخضعه لإرادتي وسلطاني، لكن هذا الأسبوع الذي قضاه بالأقصر أتاح له فرصة لا يسمح عمله بأن يتاح له مثلها في القاهرة؛ أتاح له أن يرى إعجاب المعجبين بي، أجانب ومصريين، وأن يدرك أنني لست امرأة ككل النساء، صحيح أنه يحبني ويقدرني ويستجيب لكل رغباتي، لكنه كان في حاجة إلى أن يرى ما أرى إكبارا لي، وتقديرا لما يجب أن يكون لي في الحياة من مكانة، وليعلم أنني يوم أردت أن ننتقل إلى السلك الدبلوماسي إنما أردت أن أسمو بنفسي وبه إلى هذه المكانة الواجبة لي وله!
أما وقد رأى بعيني رأسه هذه الهالة التي كانت تحيط بي، فقد غفرت لنفسي لحظة الضعف التي دفعتني فطلبت مجيئه إلى الأقصر، بل حمدت هذه اللحظة، واطمأن قلبي كل الطمأنينة لما صنعت في أثنائها. وعاد زوجي إلى عمله ، وعدت إلى حياتي الرتيبة المتشابهة التي تبعث إلى نفسي السآمة لولا هذان الطفلان العزيزان اللذان كانا مصدر سعادتي وهناءتي، ولولا أنني شعرت بأن زوجي تبدلت عواطفه نحوي فأصبح شديد الإعجاب بي، سريعا إلى تلبية رغباتي في إذعان جعله لا يناقشني في شيء، بل يسبقني إلى ما أريد إذا بدرت مني أمارة تدل على إرادتي.
من ذلك أنه أظهر لي أن سكننا لم يعد يليق بنا، وأنه يبحث عن مسكن يعجبني. ومنه أن الصيف لم يكد يقترب حتى رغب إلي في أن أعد العدة لسفرنا إلى أوروبا، وأن أعد نفسي بنوع خاص للمكان الذي ينبغي لي في المجتمعات التي نغشاها.
الفصل الخامس
قبل أيام من سفرنا إلى أوروبا صحبني زوجي إلى منزل مملوك لإحدى الدوائر الكبرى؛ لأرى مبلغ صلاحه سكنا لنا، وأخبرني أن الدائرة مستعدة أن تدخل عليه من الإصلاح كل ما نقترحه، وأنها ستقوم بهذا الإصلاح خلال الصيف، فإذا عدنا من سفرنا ألفيناه معدا لانتقالنا إليه، ويقع هذا المنزل في حي ممتد على النيل، وقد أعجبني موقع المنزل، وأعجبني مجموع نظامه، لكنني رأيت إدخال بعض التعديلات الجوهرية عليه، كما أبديت اقتراحاتي في طلاء غرفه طلاء يوافق أثاثنا، وبعد الظهر عاد زوجي فأخبرني أن الدائرة قبلت اقتراحاتي كلها، وأنه أمضى العقد معها، وعهد إلى صديق قديم لنا أن يشرف على إجراء الإصلاح في أثناء غيابنا.
Неизвестная страница