١٤٦ - وحدثني ابن عاصم قال: لما انحدر الملك العزيز بن بويه قاصدًا البصرة ومحارًا لها وطامعًا فيها شيعته وخدمته وكنت في جملة الغلمان قائمًا على رأسه، فأنشد شيئًا من شعره وأخذ الحاضرون يصفونه ويمدحونه، وذكر في شيء منه انحداره هذا وقصده ورجاء النجاح فيه والثقة به، فأردت أن أدخل نفسي في جملة من يمدحه ويتكلم بين يديه، وكنت أحفظ له ثلاثة أبيات فيها ذكر الانحدار فقلت: يا مولانا ولك في كذر الانحدار شي حسن! فقال ما هو؟ فقلت:
وما شكرت زماني حين أصعدني ... فكيفَ أشكرهُ في حال منحدري
تلاعبت بي أمور لو رميت بها ... جوانب الفلك الدَّوَّارِ لم يدرُ
تزيدني قسوةُ الأيَّام طيبَ ثنًا ... كأنني المسك بين الفهرِ والحجَر
فتطير من ذلك وقال: إنا لله وإنا إليه راجعون! لا أحسن الله جزاءك! فرجعت إلى نفسي، وعرضت غلطي على نفسي فعرفته، وهربت على وجهي خجلًا ولنفسي معنفًا! وكسر في هذا الوجه ورجع كما لا يجب!.
١٤٧ - ودخل بعض أصدقائنا إلى رجل قد ابتاع دارًا في جواره، وسلم عليه وأظهر الأنس بقربه والابتهاج بمكانه، وعاشره وصادقه، فلما كان يومًا من الأيام وهم على نبيذ قال له: كان فلان صاحب هذه الدار تلتي ابتعتها أنت الآن ﵀ صديقنا وأخانا ورفيقنا وشقيقنا، إلا أنك أنت بحمد الله أوفى منه مكانًا وكرمًا وموضعًا، وأوسع نفسًا وصدرًا، وأعلى محلًا وقدرًا، والحمد الله الذي عوضنا مثلك عنه، وبدلنا به من هو خير منه! وأنشد:
بدلٌ من البازي غرابٌ أبقعُ
فضحك الرجل حتى استلقى، وتعجب من غفلته، ولم يكن المنشد يفهم ما أنشد ولا يعلم ما أورد، فسقط قوله، وخجل من إنشاده، وصار معيرة له يوله لأجلها دائمًا به.
١٤٨ - وكان في دار العلم بين السوريين التي وقفها سابور الوزير خازن يعر بأبي منصور، واتفق بعد سنين كثيرة من وفاة سابور أن آلت مراعاة الدار إلى المرتضى أبي القاسم الموسوي نقيب نقباء الطالبين، فرتب معه آخر يعرف بأبي عبد الله بن حمد مشرفًا عليه، وكان داهيةً جلدًا وضد أبي منصور مكرًا وكيدًا، فصار يتلهى به دائمًا، فمن ذلك أنه قال يومًا: قد هلكت الكتبوذهب معظمها! فقال له وانزعج: بأي شيٍ؟ قال: بالبراغفيث وتعيثهم فيها وهعبثهم بها، قال: فما نفع في ذاك؟ قال: تقصد الأجل المرتضى وتطالعه بالحال وتسأله إخراج شي من أدوائها المعدة عنده لها لينثر بين الو رق ويؤمن الضرر! فمضى إلى المرتضى وخدمه وقل له بوقار وسكون، ومن طريق النضح والاحتياط: يتقدم سيدنا إلى الخازن بإخراج شي من دواء البراغيث، فقد أشرفت الكتب على الهلاك بها، ليتدارك أمرها بتعجيل إخراج الدواء المانع لها المبعد لضررها؟ فقال المرتضى مكررًا: البراغيث البراغيث! لعن الله ابن أحمد، فأمره كله هزل وطنزٌ! قم أيها الشيخ مصاحبًا، ولا تسمعن لابن حمدٍ نصيحةً ولا وقولًا.
١٤٩ - وحدثني أبو الحسن ابن الصوفي العلوي قال: كان ملاحان من النبط في سفينة بالبطائح: أحدهما منطرح والآخر يجدف، فسقطت على صدر النائم بقة، فأشار إلى الذي يجذف بأن اقتلها، إيماءً خوفًا من أن تسمع البقة قوله، وعجز أن يقتلها بيده فأخذ النبطي حربة كانت معه في السفينة وضرب بها البقية شجاعة عليها، فدخلت الحربة في صدر الآخر وطلعت من ظهره، فمات من وقته!
1 / 35