٤١ - وحدث القاضي أبو الحسن بن السيني قال: حضرت يومًا مجلسًا فيعه أبو يعلى ين كيكس كاتب منيع بن حسان الخفاجي ووزيره في سنة اثنتين وعرشني وأربعمائة بالجامعتين، وقد حضر هناك رؤساء لبلاد من سقي الفرات للسلام على منيع بن حسن وأبي يعلى بن كيكس، وكانا وردا من الشام، وحضر في جملة الأشراف الطالبين من الكوفة الزكي أبو علي عمر بن محمد بن السابسي، والزكي الآمر الناهي في الإقامات وترتيب الأمور، وبين يديه غلام يدعى بأبي يعلى بن عرس، فأخذ الزكي يقول له: ويلك يا أبا يعلى افعل كذا وامض في كذا، وينتهره ويستخف به استعجالًا له وحثًا فيما يستنهضه فيه ويستبطئه، ويقول: يا أبا يعلى يا فاعل يا صانع! فلما طال ذاك على أبا علي بن كيكس، لأجل موافقة كنيته لكنيته، قال له: أيها الشريف سأستخدم ليوم غلامًا كنيته أبو علي، واستخف به بحضرتك، مجازاة لك عن هذا الفعل منك! فاسترجع الزكي واستيقظ وقال: الله الله يا سيدنا، فو الله ما كان عن قصد مني بل بنسية، حضرتني! فضحكت الجماعة منه، ثم قال أبو يعلى: كان بخوزستان مير من أمراء الديلم بخصب لحيته، فحضر في مجلس فيه رجل من أكابر أصحاب الملك (أبي) كاليجار، ولذلك غلام خضيب، وكان يأمره وينهاه ويقول له: يا خر منحنى يا فاعل ويا صانع، ويا حر منحى، ومدبر منحوس، وما يشبه هذا القول، فنهض الديلمي مغضبًا وقال هذا تعريض بي قصد لي، وصار ذلك سبب عداوة تأكدت بينهما واستحكمت معهما.
٤٢ - وكان بالأهواز شيخ جلل ومتقدم كبير وذو نعمة ظاهرةٍ وحال زائدة يعرف بأبي إسحق بن هرون، فحدثني أبو سعد ابن سعدان العطار عنه قال: نفق له حمار مصري من مراكبه، وحضر عنده جماعة توجعوا له، وعزوه به، فتبرمك هم وبما واصلوه في ذاك قولهم، فقال لهم: أما مات حمار قبلي قط حتى انقلبت بي! أراد: ما مات لأحد حمار قبلي، فضحكوا وأمسكوا.
٤٣ - وحدثني أبو سعدٍ قال: رأى أبو إسحق يومًا خادمًا راكبًا، وبعده صبي أسود راكب يتبعه، فالتفت إلي وقال لي: هذا الصبي ولده، فقلت: يا سيدنا خادم لا يكون له ولد، فقال: صدقت، وأنت بغدادي والبغداديون أذكياء، فضحكت من قوه الثاني.
٤٤ - قال: وشكا علي يومًا قيامه للبول في الليل ووجدانه لبرد، فقلت: أنفذ إلى البصرة تستعمل لك مبولة زجاج تغنيك عن القيام في الليل، فقال: افعل، وأنفذ بمن استعملها وأحضرها فلما كان من الغد قال لي: أيها الشيخ ما نفعتنا تلك المبولة، ونحن في وجدان البرد على حالنا الأولى، فقلت: كيف ذاك؟ قال: قد جعلتها الفراش في طست على البالوعة، وأحتاج إلى أن أقوم إليها كما كنت أقوم! فضحكت وقلت: إذا كان الأمر على هذا فبل في البالوعة وأرح المبولة! ثم قلت: هذه تترك بقرب الفراش وبحيث تنالها اليد، فإذا أردت البول مددت يدك وأخذتها إلى الفراش وبلت فيها وأخرجتها وامتسحت بخرقة تكون معدة معها، وأنت في فراشك لم تبرح! قال نجرب هذا الليلة، وجئته من غد فقال: سبحان الله فما أحذقكم وأحصفكم وأعقلكم يا بغداديون جرى الأمر على ما ذكرته من غير زيادة ولا نقصان، فقلت: الحمد لله!.
٤٥ - وحدثني أبو طاهر بن أبي قيراط العلوي قال: كان عندي جماعة من الرؤساء والأماثل وفيهم أبو الغنائم بن جمهور الكاتب، وكانت له أخت فاسدة، فدخل علينا وقال: كنت الساعة في مشرعة الروايا مجتازًا فرأيت جمعًا وضجيجًا وصياحًا، فسألت عن الحال فقيل لي: حصلت بنت ابن جمهور عند ابن المطبخي القاص على فساد، فكبسا وهربا، وظفر بسراويلهما ومداسها وشيء من آلاف الفساد الذي اجتمعا فيه، فحين فرغ من كلامه طأطأنا رؤوسنا حياء من أخيها، وندم الرجل على ما تسرع فيه واتفق له، والحق ابن جمهور أمر عظيم، ونهض على أقبح وجه وانصرف، فلمنا الرجل فقال: غلطة جرت وهنة طرت.
٤٦ - وغنت جارية للمنصور قول عبيدة الله بن قيس بن الرقيات في عبد الملك بن مروان:
ما نقموا من بني أميَّةَ إل ... لا أنَّهم يحملون إنْ غضبوا
وأنهم معدونُ الملوكِ فما ... تصلحُ إلاَّ عليهمُ العربُ
فاستعادها الصوت وقد تكره، وعلمت غلطها فغيرته في الحال وغنت:
ما نقموا من بني أميةَ إل ... لا أنَّهم يسفهون إنْ غضبوا
وأنَّهم معدنُ النِّفاقِ فما ... تفسدُ إلاَّ عليهمُ العربُ
1 / 10