تذوق في هدوء نجاحه. إنه صاحب السعادة، مالك الحجرة الزرقاء، مرجع الفتاوى والأوامر الإدارية وملهم التوجيهات الرشيدة للإدارة الحكيمة وقضاء مصالح العباد، وعبد من عباد الله القادرين على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وقال لنفسه: ستتم نعمتك علي يا ربي يوم تمكنني من القيام لممارسة السلطان وإعلاء شأنك في الأرض!
ولكن الطبيب قال له: ما يهمني هو صحتك لا وظيفتك!
وإنه لصارم وعنيد، ولو صح تقديره فستظل الترقية شكلا بلا مضمون. قال له: المؤمن الحقيقي لا يسعد بالصحة وحدها ..
فقال الطبيب: لم أسمع بذلك من قبل .. - وربما استنفدت إجازاتي في الرقاد فأحال إلى المعاش! - كل شيء قسمة ونصيب!
وقال لنفسه بوجوم: لعلهم وهبوني الترقية صدقة وهم يعلمون أن الوظيفة باقية لهم!
ونادى راضية فقال لها: لا أريد أن أثقل عليك أكثر من ذلك.
فسألته في حيرة: ماذا تعني؟ - تمريض مريض واجب ثقيل ..
فوضعت إصبعها على شفتيه محتجة فنحاه بلطف وقال: سأنتقل إلى قسم الطبيب المعالج بالمستشفى.
واحتجت راضية ولكنه أصر. وعرض فكرته على الطبيب فوافق عليها، ونقل إلى حجرة خاصة. ومهما يكن من شأن الزيارات فقد عاد إلى وحدته كالزمن الأول.
ومضت الأيام في مسارها الأبدي، وكاد أن ينقطع ما بينه وبين العالم الخارجي، وكفت قدرية عن زيارته بسبب التدهور والمرض، واستسلم لقدره فلم يعد يبالي بما كان ولا بما هو كائن ولا بما سوف يكون. وتحمل الساعات التي تقضيها راضية إلى جانبه بضيق شديد ولكنه احتفظ بأحزانه لنفسه، وآمن في الوقت نفسه بعدالتها. وظل على إيمانه الراسخ بمعتقداته المقدسة، بالحياة الشاقة المقدسة، بالجهاد والعذاب، بالأمل البعيد المتعالي. وقال إن العجز أحيانا عن بلوغه لا يزعزع الثقة به، ولا المرض ولا الموت نفسه، ما دام أن الإصرار على المضي نحوه هو المسئول عن وجود النبل والمعنى في الحياة.
Неизвестная страница