المطلب الأول ورعهم وزهدهم
كان أغلب أهل ذلك العصر وخاصة منهم العلماء ومن حولهم يتصفون بالورع وبالزهد فقد اختلط ذلك بدمهم فأصبحوا لا يقيمون للدنيا وزنًا اللهم إلا ما لا بد منه وما يطمعون من ورائه بثواب أخروي بصفة مباشرة كالتصديق والإنفاق وإقامة المشاريع الخيرية، أو بصفة غير مباشرة كشراء الكتب التي تفيد صاحبها ومن حوله في حياته وتفيد ذريته ومن حولهم بعد مماته.
فهذا الوزير ابن هبيرة يقول والله لقد كنت أسأل الله تعالى الدنيا لأخدم بما يرزقنيه منها العلم وأهله، فقد بالغ ﵀ في تقريب خيار الناس من الفقهاء والمحدثين والصالحين واجتهد في إكرامهم وإيصال النفع إليهم وارتفع أهل السنة به غاية الارتفاع (١).
وكانت السنة تدور عليه ﵀ وعليه ديون، وقال: ما وجبت على زكاة قط (٢) وحكى عنه أنه كان إذا مد السماط فأكثر ما يحضره الفقراء والعميان، فلما كان ذات يوم وأكل الناس وخرجوا بقى رجل ضرير يبكي، ويقول: سرقوا مداسي ومالي غيره، والله ما أقدر على ثمن مداسي، وما بي إلا أن أمشي حافيًا وأصلي، فقام الوزير من مجلسه، ولبس مداسه وجاء إلى الضرير، فوقف عنده وخلع مداسه
_________
(١) الذيل على طبقات الحنابلة، جـ ١ ص ٢٥٤.
(٢) الذيل على طبقات الحنابلة، جـ ١ ص ٢٥٦.
1 / 34