إن أحد من يهمهم أمرك يريد أن يعرف متى تقدر أن تخرج إلى الغابة، ويأخذ الجواب منك غدا في فندق راية الذهب غلام أحمر الثياب. والسلام.
فأسر دارتانيان ذلك في نفسه وقال للخادم: ما الذي علمته من الكونت ويرد؟ قال: علمت أنه مريض ولكنه قد قارب الشفاء. قال: فهلم نتتبع العربة. فركبا وسارا حتى أدركاها وقد وقفت ولدى بابها فارس إنكليزي يحادث ميلادي باللغة الإنكليزية، فلم يفهم دارتانيان شيئا، ولكنه رأى في لهجة ميلادي ما يدل على الغيظ، فدنا من نافذة العربة وقال لها: أراك يا سيدتي حنقة من هذا الرجل كأنه يهينك، فإن كان ظني مصيبا أفتأذنين لي بتأديبه؟ فنظرت إليه مندهشة من تهجمه وقالت له باللغة الفرنسية: لا يا مولاي فإنه أخي. قال: إذن فاعذريني فقد أخطأت. وكان الفارس الإنكليزي قد غضب من مداخلة دارتانيان وغلظته له، فأخذ يشتمه وينازعه والعربة حائلة بينهما. وكانت المحادثة بين ميلادي وبينه قد انتهت، فسارت العربة والتقيا فتواعدا للبراز وراء ليكسمبرج عن الساعة السادسة، وأخبره دارتانيان عن اسمه، فقال له: وأنا اللورد ونتربارون دي سيفيلد، ثم افترقا على أن يأتي كل منهما بشهود ثلاثة.
الفصل الخامس والعشرون
البراز
ولما دنت ساعة البراز ذهب دارتانيان بأصحابه الثلاثة وغلمانهم وأقاموا ينتظرون أخصامهم حتى وفدوا، وطلب اللورد ونتر أن يتكنوا له، فتكنوا بأسمائهم المعروفة، فقال: هي أسماء لا نرضى بها وما نراها إلا أسماء رعاة غنم، فقال أتوس: تلك أسماء تلبسنا بها، لكن تحتها ألقابا عريقة في المجد. ثم ذكرها لهم بصوت منخفض. وأشهرت السيوف ودارت رحى القتال، فكان أول قتيل خصم أتوس، وهجم بورتوس على خصمه فجرحه فسلم سيفه، وضايق أراميس خصمه حتى رمى بسيفه وفر هاربا بين الأشجار. وأقام دارتانيان يناضل خصمه وهو لا يريد أن يقتله حتى أتعبه، ثم ضربه على سيفه فقصمه وألقاه إلى الأرض وبرك على صدره وقال: الآن قد باتت حياتك في يدي إلا أني أبقي عليك حبا لأختك. ثم عاد عنه واشتغل ورفاقه بمعالجة القتيل لعل فيه دماء، وفيما هم يعالجونه سقط منه كيس فأخذه دارتانيان وأعطاه للورد ونتر، فقال: وما أصنع به؟ قال: تعطيه لأسرة القتيل تنفقه في جنازته. قال: هي في غناء عن ذلك، فأعطه للغلمان. فوضعه في جيبه، ثم قال له اللورد: والآن إذ قد عفوت عني حبا لأختي فأنا أذهب بك إليها في هذه الليلة لتؤدي لك واجب الشكر على جميلك معي. ثم دنا منه أتوس فقال: وما الذي عزمت أن تفعله بالكيس؟ قال: هو لك، فأنت قاتل صاحبه والسلب لك. تلك سنة الحرب. قال: لا، ولكني كما قيل:
لي النفوس وللطير اللحوم ولل
وحش العظام وللخيالة السلب
ثم أخذ الكيس فرمى به إلى الخدم. وجاء اللورد ونتر فودعه، وقال له: إن بيت أخته في الشارع الملوكي في العدد 6، وإنه سيأتي إليه إلى بيت أتوس فيأخذه إليها عند الساعة الثامنة. وسار دارتانيان إلى منزله يزين نفسه ويسوي ثيابه، وفي قلبه شغل شاغل من ميلادي، حتى دنت الساعة، فذهب إلى بيت أتوس فقص عليه القصة، فقال له: إن في أمرك لعجبا، فإني بينا أراك عاشقا تبحث عن حبيبتك أراك قد علقت أخرى. قال: لا، فإن حبي لميلادي حبا مجردا، ولكن حبي لكونستانس حب خالط اللحم والدم وجرى في العروق جري الماء في العود، وليس شغلي بميلادي إلا لأطلع منها على بعض شأن حبيبتي لأن لها دخلا في القصر. قال: إياك وإياها، فإنها من أعوان الكردينال، ولعلها تنصب لك شركا. قال: لا تخش علي شيئا ولا تتشاءم بها. وفيما هما يتحدثان دخل اللورد ونتر وأخذ دارتانيان إلى عربة في الشارع، فسارت بهما حتى بلغا الشارع الملوكي وصعدا إلى ميلادي، فبدرها اللورد وقال: أتيتك بمن ملك حياتي ثم أعتقها على حين كنت البادئ بالعدوان وكنت إنكليزيا عدوا للفرنساويين. فترحبت ميلادي به أحسن ترحاب وجلست إليه تحادثه، ثم أخذ اللورد يقص عليها تفاصيل البراز حتى انتهى. فقام إلى مائدة هناك عليها باطية نبيذ، فسقى دارتانيان رطلا وجعل دارتانيان يلاحظ ميلادي بطرف خفي فيراها تتلون له وتعض على منديل في يدها، فلما انتهى من الشراب دخلت خادمتها التي أعطت الكتاب لخادم دارتانيان، فكلمت اللورد باللغة الإنكليزية، فاستأذن اللورد بالخروج لأمر يدعوه وخرج. وأقام دارتانيان يحادث ميلادي فأعلمته أن اللورد ليس أخاها ولكنه سلفها، وقد مات أخوه زوجها وأنها فرنسوية الأصل، وكان هو قد استدل على ذلك بطلاقة لسانها في اللغة وحسن ضبطها للألفاظ. وبعد قليل قام دارتانيان وخرج، فقابل الخادمة وهي تنظر إليه نظرة العاشق وقد صبغ الحياء خديها. ولما كان اليوم الثاني عاد دارتانيان إلى ميلادي فوجدها وحدها، فجلست تحادثه وتستخبره عن أصله وسيرته وميله إلى الكردينال، فيطنب لها فيه وأنه كان يحب أن يكون في جملة حرسه، ولكنه إذ قد تعرف بدي تريفيل كان من حظه أن يكون في حرس الملك، ثم سألته: هل ذهبت إلى إنكلترا؟ فقال: نعم، ذهبت إليها برسالة من دي تريفيل لأجلب له أفراسا. ثم قام وذهب فقابل الفتاة في الدار، وكانت تدعى كاتي، فجعلت تنظر إليه كما فعلت بالأمس، وهو لفرط اشتغاله بالسيدة لم يلتفت إلى الخادمة. واستمر على ذلك يزورها كل مساء فتقابله أحسن مقابلة، ثم يخرج فتلاقيه كاتي بوجهها الصبوح ونظرها الفتان، وهو لا يفطن لها لشدة حبه لمن هي أعلى منها مقاما.
الفصل السادس والعشرون
الطعام عند عشيقة بورتوس
Неизвестная страница