Современная арабская мысль: влияние Французской революции на её политическое и социальное направление
الفكر العربي الحديث: أثر الثورة الفرنسية في توجيهه السياسي والاجتماعي
Жанры
التي ظهرت في القرن السادس عشر.
4
فحركة الكشوف الجغرافية، وإن اقترنت بمطامع في الكسب التجاري والنهب وكانت مقدمة للاستعمار الحديث، فقد صرفت نظر الإنسان الأوروبي إلى الأرض ودفعته نحو التفكير والبحث العلمي والاختراع. وحركة الإحياء، بما بعثت من كنوز القديم اليوناني والروماني، وبما أحيت من المثل الكلاسيكية، وبما استقت من مناهل الحضارة العربية في الأندلس خاصة، أيقظت الإنسان الأوروبي على تذوق الجمال الدنيوي، وتلمس المعرفة العلمية، وحب الاستقلال في البحث، فكان في أوروبا موسم عظيم من اللوحات الفنية والرسامين، ونتاج خصب من التأليف الفلسفي والأدبي في أصول الفكر والخلق والتعامل الإنساني. يضاف إلى ذلك فتوحات في الدراسات الفلكية والطبية والطبيعية على وجه عام. ولمعت في الأفق الأوروبي أسماء كليوناردو دافنشي وغاليله ورابليه ومونتين وسيرفنتس وأراسم وكوبرنيك وفيزال الطبيب وجيوردانو برونو؛ أسماء تلتفت إلى القديم البعيد أو القريب، وتقترن بأرسطو وأبوقراط وابن رشد وابن سينا، وتفتتح تلك القافلة المجيدة؛ قافلة باكون وكبلر وديكارت وسبينوزا وليبنتز ونيوتن وبسكال ورهط كبير من الأدباء، وتستمر متسلسلة في قافلة القرن الثامن عشر؛ قافلة مونتسكيو وروسو وكوندياك وهيوم ولوك ولامتري وآدم سمث وكسناي وفولتير وهلفيثيوس وديدرو وكوندورسه ودولباخ وغيرهم وغيرهم ...
وحسبنا، وفاء للغرض من هذا الكتاب، أن نعيد القول إن حركة الإحياء، مع ما ساوقها أو تبعها من النهضة الصناعية في أوروبا، ومن حركة الانفصال البروتستنتي، قد شجعت روح البحث المستقل، ووطدت الثقة بالعقل، ووافقت نهضة علمية كبيرة، وأسفرت عن تغير عميق في نظر الإنسان إلى نفسه.
ومن المستغرب أن يكون علم منعزل كعلم الفلك في طليعة المعارف التي ساقت إلى مثل هذا التغير، بل الثورة. لقد بين علم الفلك أن كرة الأرض ليست بمركز الكون الثابت، ولا هي أعظم وأهم ما في النظام الكوني، بل هي جرم متحرك في جملة أجرام تدور حول الشمس، فكانت النتيجة أن طرأ على الإنسان شك في أنه هو الغاية من الوجود والوليد المدلل الذي صنع كل شيء لأجله بتدبير في أصل الخلق. وفكر الإنسان أنه إذا كان حقا غاية، فهو الذي جعل نفسه غاية، وأنه، في الواقع، ربما لا يزيد على كائن، بل حيوان صغير، على كرة صغيرة، في كون هائل عظيم، له قوانينه الخاصة المستقلة عن مراعاة الخواطر البشرية. وربما استشعر الإنسان في هذا ما يحمله على اليأس والقنوط وفقدان الثقة بالنفس، كما وقع ل «غوته» لما اطلع على كتاب نظام الطبيعة للبارون «دولباخ».
5
إلا أن الإنسان سرعان ما عرف أن لديه من العلم وسائل تشد عضده وتقويه على الطبيعة المحيطة به. وهكذا استعاد أهميته في نظر نفسه، لا بانفراده في تدبير عناية سخرت له مبدئيا كل شيء، بل بشعوره الذاتي بمدى تأثيره وتأثير الوسائل التي يستطيع استنباطها واستعمالها. ومن هنا حول وجهه شطر العلم، ومن هنا أيضا طفق يزداد اهتمامه بالإنسان في مطلع العصور الحديثة في التاريخ الأوروبي. واهتمام الإنسان بالإنسان أدى حتما إلى الاهتمام بمسألة الاجتماع. ومن ذلك العهد بتنا نرى المفكرين في أوروبا منصرفين إلى درس المجتمع، تحثهم فكرة أساسية هي: أن الإنسان يقوي الإنسان، أو أن الإنسان - بعبارة أخرى - وسيلة للإنسان. ودرس المجتمع قادهم إلى درس الدولة والسياسة، ولكن ثمة مسألة ما لبثت أن عرضت، وهي: أن الإنسان يجب ألا ينسى أن الإنسان غاية أيضا، لا وسيلة وحسب! والمجتمع الصالح (والدولة الصالحة والسياسة الصالحة) إنما هو الذي يكون فيه بعض الناس وسائل وغايات للبعض الآخر، باعتبار كل إنسان له حقوق محترمة.
أفاق المفكرون والأدباء الفرنسيون (وهم موضوع الحديث في هذا الفصل ) على المجتمع الفرنسي، قبل الثورة في القرنين السابع عشر والثامن عشر ، فوجدوا أن معظم الفرنسيين، من حيث وضعهم في المجتمع والدولة ومسالك السياسة، إنما هم وسائل لبعض الفرنسيين، وليسوا غاية أيضا كما يحق لهم أن يكونوا.
وعمد المفكرون والأدباء الفرنسيون إلى الاحتجاج على الحالة الراهنة، وتلمس أسباب الفساد، ووضع الخطط، ورسم هيئة المجتمع الجديد.
وكان من اليقظة العظمى التي ثارت ثورتها مع حركة الإحياء، والنهضة الصناعية، وحركة الإصلاح البروتستنتي، وفورة البحث والاستنباط العلمي، مرجع يستمدون منه، ودليل يسترشدون به.
Неизвестная страница