Фикар Ва Мабахис
فكر ومباحث
Издатель
مكتبة المنارة للنشر والتوزيع
Номер издания
الثانية
Год публикации
١٤٠٨ هـ - ١٩٨٨ م
Место издания
مكة المكرمة
Жанры
للظهر، فإذا انجلى غبار المعركة نظرت فإذا المعجزة قد ظهرت على أتمها، وإذا الأرض قد بُدلت غير الأرض، وإذا فارس الوثنية، وسورية النصرانية، ومصر الرومانية، قد محيت كلها محوًا، وقامت مكانها أمم إسلامية في فارس وسورية ومصر، كأنما هي لإخلاصها للعربية والإسلام لم تكن يومًا من الأيام على غير الإسلام؟
أكان هذا الانقلاب ما بين ليلة وضحاها ... أكان هذا التبدُّل الذي تغلغل في صميم الأمة العربية فغير كل شيء فيها وأنشأها إنشاء جديدًا لأن رجلًا قام في مكة، يتلو كتابًا جاء به؟ أيقوى رجل مهما كان شأنه على مثل هذا العمل ويكون له في تاريخ العالم ومستقبل البشرية هذا التأثير؟.
هذا هو اللغز الذي حيَّر المؤرخين من الغربيين، ولم يعرفوا له حلًا معقولًا!
على حين أن الأمر واضح والسبب ظاهر، ذلك أن هذا الأمر لم يكن عمل رجل عظيم من عظماء الناس، ولكنه عمل الله جلَّت قدرته، أظهره على يد سيد أنبيائه، وخاتم رسله، سيدنا محمد ﷺ.
ذلك أن «الفتح الإسلامي» معجزة من معجزاته ﷺ.
...
هذا وإن من الخطأ أن نعدُّ الفتح الإسلامي، مثل ما نعرف من فتوح الأمم المختلفة في الأعصار المتباينة، لأن للفتح الإسلامي طبيعة خاصة به تجعله ممتازًا عن سائر الفتوح، وتنشئ له في التاريخ بابًا خاصًا، ذلك أن كافة الفتوح إنما كانت الغاية منها ضمَّ البلاد المفتوحة إلى أملاك الفاتحين، والانتفاع بخيراتها ومواردها، لا نعرف فتحًا يخرج عن هذا المبدأ إلا الفتح الإسلامي، فلم تكن الغاية ضمَّ البلدان إلى الوطن الإسلامي، وامتصاص دماء أهلها وأموالهم، واستغلال مواردها الطبيعية وخيراتها، ولكن غايته نشر الدين الإسلامي والسعي لإعلاء كلمة الله، وإذاعة هدي القرآن في الأرض كلها؛ فكانوا كلما وطئوا أرضًا عرضوا على حكومتها وشعبها الإسلام، فإن قبلوا به واتَّبعوه ونطقوا بكلمة
1 / 140