فقال: «لقد كنت طول عمرك جريئة».
وانحط على كرسى، فقالت: «جريئة أو غير جريئة.. سيان.. المهم أنك دفعتنى إلى التعلم.. وأخشى أن تدفعنى إلى ما هو شر.. وقد أنذرتك.. وأنت ورأيك.. ولكن لا تلمنى حينئذ».
فأطرق يفكر وطال تفكيره وأحس أنه واقف على حرف هاوية، وكان قلبه يخفق بشدة وعنف غير أنه كان يبدو للمتأمل هادئا ساكنا، وجرى بخاطره أن ميمى على حق، وراجع نفسه وهو قاعد ورأسه مثنى على صدره وعينه على الأرض، وتذكر أن ميمى كانت أبدا جريئة مجازفة.. ألم تدعه إلى تقبيلها مرة؟ ولكن كيف عرفت هؤلاء الناس.. من الرجال والنساء على السواء.. ولم يرتب قط فى صدقها، ولم يخالجه أدنى شك فى أن الأمر اقتصر على اللقاء والتنزه، وأنه لم يقع بينها وبين أحد من هؤلاء الرجال ما لا يحمد فإن ميمى صريحة لا تهاب شيئا ولا تخش أحدا. ولكن كيف عرفتهم.. وقال لنفسه إنها عرفتهم لأنه أهمل أن يكون معها ولأنه كان يتركها وحدها ويقضى سهراته مع الإخوان وفى ظنه أنها ستقنع برفقة الخدم. هذا هو يستنكر كيف عرفت هؤلاء.. والمهم الآن هو إنقاذها من الهاوية وإنقاذ نفسه معها. ونهض ومشى إليها وهو يمد يده ويتناول كفها: «سامحينى يا ميمى.. لن أهملك بعد اليوم».
فرفعت رأسها وحدقت فى عينيه، وقالت: «صحيح..؟ لا تتركنى وحدى»؟
فقال وهو يميل عليها ويدنى فمه من فمها: «كيف يمكن..؟ وأنت هل رجعت إلى..؟ هل أرجو أن أراك كما كنا»؟
وفى هذه اللحظة دق التليفون فمدت يدها وتناولت السماعة، وقالت: «اللو.. نعم..؟ زكيه؟ معك من..؟ حمدى..؟ آسفة.. يا زكية مشغولة.. نعم.. معى صديق قديم عاد إلى.. تريدين أن تعرفى من يكون.. اسمعى إنه أحب الناس إلى.. لا أستطيع أن أعرف أحدا ما بقى هذا الصديق لى.. من هو..؟ سليم.. ألا تعرفين سليم.. لم تسمعى به قط.. معذرة.. زوجى يا بلهاء.. معذرة.. لا.. لا أمل فى لقاء أحد بعد اليوم. كلا.. لا تتعبى نفسك لا أنت ولا غيرك.. أعنى هذا.. تماما.. مع السلامة».
والتفتت إلى زوجها وقالت: «فهمت أنى لا أريد منها ولا من غيرها زيارة فغضبت».
فلم يقل سليم شيئا بل انحنى عليها وحملها بين يديه ومضى بها إلى الأريكة الواسعة وهى متعلقة به تضحك له وتقبله راضية.
الفصل الثامن عشر
ليلى
Неизвестная страница